إلى جانب الغضب الشديد في أوساط الفلسطينيين المعارضين لنظام الأسد، الذي أدّت إليه الزيارة التي أجراها أمين سر حركة فتح جبريل الرجوب إلى سوريا قبل أيام، تسربت معلومات عن توافق الحركة مع النظام على صيغة جديدة لإدارة مخيم اليرموك، أكبر مخيمات الفلسطينيين في الشتات.
تلزيم المخيم لحركة فتح
مصادر فلسطينية-سورية أبلغت "المدن" أن معلومات حصلت عليها تفيد بعرض قدمه رجوب إلى النظام، ينصّ على منح حركة فتح حق الإشراف على المخيم وإدارته، مقابل مساعدة النظام في تسريع ودعم جهود التطبيع التي يسعى إليها، وكذلك المساهمة في جمع أموال تخصص لإعادة إعمار المخيم حتى وإن كان بشكل جزئي أو رمزي.
المصادر وصفت هذه الصفقة (إن تمت) بمشروع "تلزيم" المخيم لوكيل فلسطيني جديد، بعد أن سلّط النظام على سكانه خلال العقود الثلاثة الأخيرة السابقة على الثورة في سوريا، الفصائل المقربة منه أو التابعة له، مثل حركتي حماس والجهاد، وكذلك الجبهتين الشعبية والديمقراطية، على خلفية الازمة بين حافظ الأسد وياسر عرفات، منذ التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية.
وحسب هذه المصادر، فإن عرض حركة فتح المقدم للنظام حالياً يأتي بعد الحديث عن توجه مجلس محافظة دمشق (البلدية) إلى ضم مخيم اليرموك للمخطط التنفيذي الجديد المزمع تطبيقه، ما يعني إزالته من الوجود وتحويله إلى ضاحية أو حي تابع للعاصمة.
تاريخ وجغرافيا
ويقع مخيم اليرموك، الذي تأسس مع توافد أول الفلسطينيين الفارين من الاحتلال الاسرائيلي إلى سوريا عام 1948، في جنوب دمشق، وكان يضم نحو 220 ألف لاجئ فلسطيني، إضافة إلى عدد مماثل من اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين من الأراضي المحتلة في الجولان والقنيطرة، وسوريين آخرين وفّر لهم المخيم سكناً بأسعار معقولة.
ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011، شهد المخيم مظاهرات واسعة ضد النظام، شارك فيها فلسطينيون-سوريون، قبل أن تسيطر عليه فصائل المعارضة المسلحة عام 2013، ليشهد حصاراً شاملاً وقصفاً واسعاً من قبل قوات النظام، ومعارك أدت إلى دمار كبير فيه، طال نحو 70 في المئة من مساحته.
وحسب احصائيات منظمات حقوقية فلسطينية، فإن ما لا يقل عن مئة ألف من سكان مخيم اليرموك الفلسطينيين باتوا خارج سوريا، والعدد الباقي منهم انتشروا في بقية أنحاء البلاد. ورغم استعادة النظام السيطرة عليه منذ عام 2018 إلا أنه ما زال يرفض عودة السكان إليه.
صفقة سياسية خطيرة
ولا يستبعد أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع "مصير"، وهو تجمع سياسي فلسطيني-سوري معارض، مثل هذه "الصفقة" بين النظام والسلطة الفلسطينية في رام الله، بل يرى أنها تصب في صالح النظام ولها أبعاد سياسية "خطيرة".
ويقول ل"المدن"، إن سياسة النظام في تلزيم المخيمات الفلسطينية لفصائل وأدوات موالية له "سياسة معروفة، لكن عقب مرحلة الثورة السورية، فإنه وبعد كل ما ارتكبه من انتهاكات وجرائم بحق مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سوريا، يريد أن يكون لقيادة فتح ومنظمة التحرير دور أساسي في محو آثار جرائمه بحق الفلسطينيين".
وأضاف أبو هاشم أن "النظام يريد من خلال هذه الخطوة القول إن الشرعية الفلسطينية تقف إلى جانبه، مع أنه في الوقت نفسه يرفض عودة الفلسطينيين إلى مخيماتهم، ويواصل اعتقال وإخفاء أبنائهم في سجونه، لذلك فإن مثل هذه الصفقة تضعنا أمام عملية تدليس مكشوفة". واعتبر أنه "من المعيب أن تشارك قيادة فتح والسلطة في هذه الصفقة، وهو موقف مثير للاستهجان والغضب، لما يتضمنه من إساءة لعدالة القضيتنين الفلسطينية والسورية، وإهدار لتضحيات الشعبين على طريق الحرية والخلاص".
أرقام مؤلمة
ووثقت المنظمات الحقوقية اعتقال 2000 فلسطيني من سكان مخيم اليرموك من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية، خلال السنوات ال11 الماضية، بينهم أكثر من مئة إمرأة، قُتل منهم 600 تحت التعذيب، بينما يتجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين في سوريا منذ عام 2011 ال5 آلاف، أغلبيتهم الساحقة قضوا على يد النظام وحلفائه.
ولطالما هاجم فلسطينيو سوريا المعارضون، موقف الفصائل الفلسطينية التي تراوحت بين تأييد النظام أو القتال إلى جانبه، لكن موقف السلطة الفلسطينية هو "الأخطر والأكثر إثارة للغضب والاستهجان" حسب أبو هاشم.
وأضاف "إلى جانب الحديث عن تلزيم المخيم الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، وما يمكن أن يؤدي إليه هذا المشروع من مساهمة في خدمة توجهات السلطة الفلسطينية لتصفية قضية اللاجئين والمخيمات، فإن زيارة وفد فتح إلى دمشق تندرج في سياق عملية التطبيع مع النظام السوري، وهي خطوة خطيرة في أبعادها السياسية".
موقف الفصائل
وحول تقديره لموقف الفصائل الفلسطينية الأخرى من هذه الصفقة، خاصة تلك التي أيدت النظام منذ بداية الثورة وقاتلت معه عسكرياً، قال: "أعتقد أن هذه الفصائل غير مرتاحة لهذا التقارب بين فتح والنظام، لأنها تريد أن تبقي المخيمات الفلسطينية في سوريا تحت سلطتها، فهذه الفصائل لا رصيد لها وليس بحوزتها ما تبرر به المتاجرة بالقضية الفلسطينية سوى مخيمات اللاجئين، حتى وإن كانت مدمرة وفارغة". لكن رأى أنه في النهاية سيجدون "صيغة لتقاسم السلطة والنفوذ فيها، بسبب ضعف هذه الفصائل وعدم قدرتها على معارضة إرادة النظام من جهة، واشتراكها مع قيادة فتح في الرغبة بطمس الحقيقة وتجاهل عذابات الشعبين الشقيقين في سوريا وفلسطين".
من المتوقع أن يزور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دمشق خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يرى فيه الكثيرون تتويجاً لتنامي العلاقة بين الطرفين خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث سعت حركة فتح إلى استغلال خروج منافستها حركة حماس من سوريا، من أجل استعادة الهيمنة على الملف الفلسطيني فيها، مقابل منح النظام رصيدً جديداً يسمح له بالمتاجرة جماهيرياً وإعلامياً بالقضية الفلسطينية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها