فبعد ساعات من نشر صحيفة تركية تابعة لحزب مؤيد للتقارب مع روسيا والصين، أخباراً تحدثت عن هذه المفاوضات، تلقفت وسائل إعلام روسية الخبر مذكرة بوصول سلفيين من سوريا إلى أوكرانيا قبل عامين، الأمر الذي لم تستبعده موسكو، فيما نفت تحرير الشام هذه المعلومات، واعتبرت أن الهدف منها التمهيد لـ"عدوان" على مناطق سيطرتها في شمال غرب سوريا.
تقرير تركي
ونشرت صحيفة "آيدين لينك" التركية في وقت سابق هذا الأسبوع، تقريراً، قالت فيه إن الحكومة الأوكرانية تجري مفاوضات مع الهيئة، من أجل اقناعها بالسماح للمقاتلين الإسلاميين المتحدرين من منطقة القوقاز، والذين تصنفهم تحرير الشام كأشخاص غير مرغوب فيهم، بالتوجه إلى أوكرانيا للمشاركة في القتال ضد الروس.
وحسب الصحيفة التركية، فإن كييف تقدمت بطلب محدد يتعلق بمجموعتين من السلفيين الشيشان والجورجيين، قالت إنهم موقوفون في سجون تحرير الشام، وأنها عرضت إطلاق سراحهم ونقلهم للقتال ضد الجيش الروسي في أوكرانيا، مقابل تزويد الهيئة، التي تسيطر أيضاً على إدلب وضواحي في ريفي حلب واللاذقية، بـ75 طائرة مسيرة حديثة (درون).
موسكو لا تستبعد
وترجح غالبية التحليلات أن تكون كييف مهتمة جداً بتجنيد هذه الفئة من المقاتلين، بسبب تمرسهم العسكري وخبرتهم المكتسبة من المشاركة بالحرب في سوريا، والتي يمكن أن تخلق توازناً مع المقاتلين الشيشان الذين يحاربون في صفوف روسيا، ناهيك عن العداء الكبير الذي يحمله هؤلاء السلفيين للروس.
لكن الخبر الذي نشرته الصحيفة التركية التابعة لحزب الوطن، المؤيد للتقارب بين تركيا وروسيا، على حساب الاتحاد الأوربي وحلف الناتو، أعاد من جديد الملف إلى الواجهة، قبل أن تصدر موسكو تعليقاً رسمياً، لم تستبعد فيه وجود مثل هذه المفاوضات.
ونقلت وكالة نوفوستي عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا القول، إن "أوكرانيا تحافظ منذ وقت طويل على اتصالات مع جماعات إرهابية. وأضاف أنه "من غير المستبعد أن تتفاوض أوكرانيا مع هيئة تحرير الشام من أجل هذا الهدف".
تحرير الشام تنفي
من جانبها، ورغم أن مثل هذه الصفقة ستكون لصالحها، سواء من حيث المكاسب المادية أو لجهة تخلصها من العناصر غير المرغوب فيهم، إلا أن الهيئة نفت وبشكل حاسم هذه المعلومات.
وقالت إن "المعلومات الواردة في التقارير المذكورة حول هذا الأمر ليس لها أي صحة وتحتوي مغالطات"، مشيرة إلى أنه "لا توجد لديها سجون خاصة، وأن السجون في المنطقة تتبع للمؤسسات الحكومية حصراً، وليس فيها معتقلون من الجنسيات المذكورة".
وحسب المكتب الإعلامي لتحرير الشام، فإن "المقاتلين المهاجرين الموجودين في شمال غرب سوريا ملتزمون بسياسة قيادة المحرر، ونشاطها المحلي ضد نظام الأسد وقوى الاحتلال الروسي والإيراني".
ما علاقة أبو ماريا القحطاني؟
وسبق أن ظهر العديد من المقاتلين القوقازيين المناهضين لروسيا، ممن كانوا في سوريا، في تسجيلات مصورة من جبهات القتال بأوكرانيا، بعد أشهر من بدء المعارك هناك.
وحسب معلومات خاصة حصلت عليها "المدن"، فإن هؤلاء المقاتلين تم نقلهم بطريقة غير رسمية من إدلب عبر تركيا ودول أوربية أخرى، وأن من أشرف على هذه المهمة هو القيادي السابق في تحرير الشام، العراقي ميسرة الجبوري (أبو ماريا القحطاني)، الذي اغتيل في نيسان/أبريل 2024، بهجوم غامض في إدلب.
وحسب المصادر، فإن هذا الملف كان أحد أسباب الخلاف بين الجبوري وزعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، نتيجة اتهامات وجهت للأول باتخاذ قرارات في ما يخص التواصل مع قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة من دون الرجوع لقيادة الهيئة، ما أدى لاعتقاله سبعة أشهر قبل الافراج عنه، ليتم اغتياله بعد ذلك بأيام.
وأوضحت المصادر أن الدفعة الرئيسية من المقاتلين القوقاز التي توجهت من سوريا إلى أوكرانيا، في 2022، كانت بقيادة الشيشاني عبد الحكيم رستم، وضمت مقاتلين أفغان وتركستان وأوزبك، ممن كانوا موقوفين في إدلب بسبب خلافات مع قيادة تحرير الشام.
توقيت غير ملائم
ورغم المصلحة المشتركة التي تجمع الطرفين من حيث المبدأ بالحصول على مثل هذه الصفقة، إلا أن غالبية المراقبين يستبعدون وجود مفاوضات جدية حولها.
وتبدو العقدة التركية في مقدمة المعيقات التي تجعل من طرح هذا الملف غير ممكن على الطاولة، بسبب العلاقات والمصالح المشتركة المتنامية بين أنقرة وموسكو، وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل العقبة الأميركية.
وحتى مع التسليم بانتقال سلفيين مناهضين لهيئة تحرير الشام من سوريا إلى أوكرانيا، فإن المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، العقيد خالد المطلق، يعتبر أن الظروف مختلفة اليوم عن مرحلة بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، مستبعداً أن تكون المعلومات المنشورة حديثاً صحيحة.
ويقول لـ"المدن": "من الوارد أن يتوجه عناصر من دول الاتحاد السوفياتي السابق يرغبون في القتال ضد روسيا إلى أوكرانيا، بشكل فردي، عن طريق تركيا، لكن أن يتم الحديث عن مفاوضات رسمية لنقل مجموعات كاملة في هذا التوقيت، فهو أمر غير منطقي على الإطلاق".
ويوضح المطلق أن "هذا يعرض العلاقات التركية-الروسية لأزمة، لأنه يتطلب استخدام الأراضي التركية لنقل المقاتلين والمسيرات، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أنقرة". ويضيف أن "وصول مسيرات أوكرانية حديثة إلى فصيل سوري معارض، يتطلب موافقة أميركية، وهذ غير منطقي أيضاً، لأن هذه الطائرات سلاح هجومي، ولا يمكن أن تقبل واشنطن بحصول هيئة تحرير الشام عليها".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها