عاد اسم "الفرقة الرابعة" ليتردد بقوة، مع انتشار معلومات تتحدث عن خلافات بين روسيا وقيادة الفرقة المقربة من إيران، حول انتشار عناصر الفرقة وحواجزها ونشاطها الاقتصادي الذي بات يشكل كتلة وازنة في اقتصاد الحرب في سوريا.
تُعتبر "الفرقة الرابعة" وريثة "سرايا الدفاع" التي كان يترأّسها رفعت الأسد، إذ تشكّلت رسمياً في العام 1984 لاستيعاب المنتسبين إلى السرايا التي حُلَّت في العام نفسه، وقد حظيت تشكيلاتها بتسليح نوعي، دون نظرائها من فرق الجيش النظامي، إضافةً إلى الامتيازات المادية والمعنوية الممنوحة لعناصرها.
وتزايدت أهمية الفرقة مع انضمام ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، إليها، عقب تخرّجه من الكلية الحربية في العام 1989، حيث تولّى قيادة كتيبة المهام الخاصة، ثم اللواء المدرّع 42. واعتُبِر ماهر الأسد القائد الفعلي للفرقة على الرغم من تناوب ألوية عدّيدين على قيادتها، إلى أن تسلّم قيادتها بحلول العام 2018 مع ترفيعه إلى رتبة لواء.
قبل العام 2011، كان عديد الفرقة حوالي 15 ألف عنصر من مجنّدين وضبّاط، معظمهم من الطائفة العلوية، يتوزّعون على ثلاثة ألوية مدرّعة، ولواء ميكانيكي، وفوج قوات خاصة، وفوج مدفعية. خلال سنوات الحرب، طرأت تغييرات على بنية الفرقة، إذ أُضيفَت إليها تشكيلات عسكرية جديدة، كفوجَي المشاة 666 و333، ودُمِجَت فيها ميليشيات شيعية، كلواء "الإمام الحسين"، وأخرى علوية مثل "قوات الغيث"، وعدد من عناصر الميليشيات المحلية المُنحلّة.
مُنيت "الفرقة الرابعة" بخسائر فادحة خلال السنوات الثماني الماضية، بسبب اشتراكها المباشر في قمع المظاهرات وفي المعارك العسكرية ضد فصائل المعارضة، لكنها تمكنت من تعويض خسائرها من خلال ضم الميليشيات إليها، ليبلغ عدد قواتها حالياً، حسب التقديرات، 19 ألف عنصر وضابط.
حظيت الفرقة منذ بداية التدخل الايراني في سوريا بدعم طهران، التي أمدتها بأسلحة وخبراء تدريب ودعم مادي كبير، وعُززت تشكيلاتها بصواريخ الفيل، وراجمات متطورة كورية الصنع، تتكون من ثنائية إلى 12 سبطانة، كما أضيف إليها كتيبة للكيمياء شاركت في مجزرة الكيماوي على الغوطة والمعضمية والغوطة الغربية في ريف دمشق.
ولم يقتصر تدخل "الفرقة الرابعة" على الجانب العسكري فقط، بل نشطت أمنياً كذلك، وكان لها سجونها الخاصة التي عرفت بأنها من أسوأ المعتقلات، وأهمها سجن اللواء 40 دبابات، المتمركز في جبال المعضمية، بالإضافة إلى سجون اللواء 42 مشاة محمول، التابع لماهر الأسد مباشرة، ويقع فوق منطقة دُمّر، بريف دمشق الغربي.
لكن عمل المكتب الأمني في الفرقة لم يقتصر على استنساخ تجربته الخاصة كجهة استخباراتية، بل نشط وعلى نطاق واسع في المجال الاقتصادي، الذي كان قد بدأه قبل الثورة، ومع خروج الفرقة من مواقعها المحددة أساساً بدمشق ومحيطها لتنتشر قواتها في أرجاء البلاد، بات جزءاً كبيراً من اقتصاد الحرب مركزاً بيدها.
كانت "الفرقة الرابعة" قد وضعت يدها بشكل كامل تقريباً على مرفأي طرطوس واللاذقية قبل العام 2011، لكن مع انتشار ظاهرة الترفيق والترسم التي نشأت مع ظاهرة الحواجز على الطرق الدولية والمعابر، باتت هذه التجارة تدِر دخلاً كبيراً.
بحلول العام 2018، تمكّن أمن الفرقة من الهيمنة على تجارة الترفيق، بعد إقصاء منافسيه الرئيسيين العاملين في المجال، ولا سيما "جمعية البستان الخيرية"، و"الدفاع الوطني"، وممّا ساعده في تعزيز هيمنته هذه اضطّلاعُه بمسؤولية حماية المرافئ، والانتشار على المعابر الداخلية.
وبحسب دراسة لمركز "ميدل ايست دركشن" فإنه وبحلول العام 2018، أصبحت "الفرقة الرابعة" جهةً مهيمنةً في مجال الترسيم، وإن لم تكن الوحيدة، إذ لا تزال تفرض الترسيمَ حواجزُ تابعةٌ للفروع الأمنية، وأخرى لتشكيلات الجيش وبعض قواته الرديفة.
وقد تمكّنت الفرقة من تحقيق هذه الهيمنة بفضل نشرها حواجز على الأوتسترادات الرئيسية الداخلية والدولية، وأبرزها أوتوستراد دمشق-حلب الدولي "أم-5"، وأوتوستراد اللاذقية-حلب الدولي "أم-4"، وأوتوستراد دمشق-بيروت الدولي "أم-2"، وما ساهم أيضاً في هذه الهيمنة إقامتها حواجز على المعابر الحدودية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، ومنها معبر المصنع-يابوس بين سوريا ولبنان، ومعبر البوكمال-القائم بين سوريا والعراق، ومعبر نصيب-جابر بين سوريا والأردن.
كما أن الفرقة نشرت أيضاً حواجز على الطرق الفرعية المحاذية لمناطق تواجد المنشآت الصناعية، كما في منطقة الشيخ نجار في حلب، ومقالع الحجر في مناطق السلمية، وصيدنايا، وعدرا، والضمير في ريف دمشق.
وللفرقة الرابعة مجالات تجارة محتكرة، وخاصة تجارة الخردة التي يشرف عليها شركاء عدّيدون، منهم سامر الفوز وعماد حميشو، رجلا الأعمال المتحدّران من اللاذقية، لكن أبرز رجال الأعمال في تجارة الخردة هو محمد حمشو، الدمشقي المقرّب من ماهر الأسد منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وبالإضافة إلى الاسماء السابقة، أنتج النشاط الاقتصادي لهذه الفرقة أثرياء حرب جدد ظهروا بقوة خلال السنوات الماضية، ولعبوا دوراً مهماً في منافسة رامي مخلوف وإضعاف هيمنته الاقتصادية إلى حد ما، مثل أيمن جابر وسامر الفوز وآل القاطرجي وغيرهم، لتصبح "الرابعة" إحدى أهم القوى الفاعلة في الاقتصاد السوري، وما يؤدي إليه ذلك من آثار عملية تجعل منها رقماً صعباً بالنسبة للرؤية الروسية المتعلقة بمستقبل سوريا.
وانطلاقاً من هذه النقطة على ما يبدو، انتشرت معلومات مؤخراً حول توترات بين موسكو وقيادة "الفرقة الرابعة"، مع الحديث عن طلب الروس من النظام الغاء حواجز الفرقة المنتشرة في المدن وعلى الطرق الدولية، والحد من تدخلاتها الأمنية، وهو ما يرفضه ماهر الأسد المدعوم من إيران، الأمر الذي يوظف في إطار الحديث عن تنافس بين موسكو وطهران على النفوذ في سوريا.
والواقع أن اشتباكات عديدة كانت قد وقعت بين قوات تابعة للفرقة وأخرى من "الفيلق الخامس" المدعوم من قبل روسيا في مناطق مختلفة من البلاد، وعلى فترات متباعدة، كان أولها في منطقة سهل الغاب بريف حماة، التي شهدت أكثر من خمس مواجهات بين الطرفين خلال السنوات الثلاث الماضية، وآخرها ما جرى من تنافس قوي وصريح بين الفرقة والفيلق في منطقة درعا، إلا أن هذا لا يكفي للحسم بأن هذه الاشتباكات جزء من الصراع الروسي-الإيراني.
فقوات "الفرقة الرابعة" كانت قد دخلت في مواجهات عديدة أيضاً مع قوى وميليشيات محسوبة على إيران في مناطق متعددة من البلاد، بدءاً من القصير في ريف حمص ومضايا والزبداني وعين الفيجة في ريف دمشق (مع حزب الله اللبناني)، وكذلك في جبرين والنيرب بريف حلب (ضد لواء الباقر الشيعي)، وغيرها، وهي مواجهات غالباً ما تكون بسبب التنافس بين القادة المحليين على السيطرة والنفوذ أو المال، وفي بعض الأحيان تكون شرارتها خلافات بين عناصر من هذه الأطراف يتم احتواءها سريعاً.
كما أن روسيا استفادت وبقوة من "الفرقة الرابعة" في معارك ريف حماة خلال العامين 2018 و2019، بمشاركة الفيلق الخامس، والتي انتهت باستعادة النظام السيطرة الكاملة على ريف حماة الشمالي، عندما رفضت الميليشيات التابعة لإيران المشاركة في هذه المعارك. لكن أول الصدامات الحقيقية بين الفرقة والروس حملت طابعاً اقتصادياً عندما وقعت موسكو اتفاقية استئجار مرفأ طرطوس عام 2019 والذي كان تحت قيادة "الفرقة الرابعة"، الأمر الذي سيفقد الفرقة أحد أهم مواردها الاقتصادية.
ومع تصاعد الحديث مؤخراً عن ضغط روسيا من أجل الحد من نفوذ وانتشار "الفرقة الرابعة"، وعلى الرغم من مظاهر عدم رضوخ قيادتها لهذا الضغط، إلا أن الصدام لا يبدو خياراً وارداً بالنسبة للفرقة، التي بدأت تروج في الأيام الأخيرة الماضية لإزالة بعض الحواجز الرئيسية التابعة لها، وإلغاء الترسيم الذي تفرضه في مناطق أخرى، مثل دير الزور، إلا أنه عملياً لم يحدث شيئ من هذا القبيل، الأمر الذي يؤشر إلى أن قيادة الفرقة تسعى لاحتواء هذا الضغط دون الاستسلام له.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها