يبدو الوضع في دمشق قابلاً للانهيار في أي لحظة، ليس فقط بسبب تفشي فيروس كورونا فيها وعزل بعض المناطق، وإنما بسبب عجز النظام السوري اقتصادياً وانهياره وسط الأزمة الوبائية وفشل منظومته الصحية باحتواء الفيروس.
حال الموطن السوري اليوم في أغلب مناطق النظام تسوء أكثر.. لم تكفه سنوات الحرب التسعة ومآسيها التي حلّت عليه، ليترك اليوم يكافح الفيروس والجوع لوحده، دون تأمين الحدود الدنيا للعيش.
المدنيون السوريون يتحملون كل العبء لتأمين احتياجاتهم الأساسية، والمهمة الأصعب باتت تأمين الخبز؛ ففي بعض المناطق لايزال المواطنون يصطفون بطوابير يتجاوز تعدادها المئات أمام الأفران الحكومية للحصول على الخبز، كما يحدث في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق؛ المنطقة التي تم عزلها مؤخراً بسبب تفشي الفيروس فيها.
وتشهد المنطقة بشكل يومي تجمعات لآلاف المواطنين أمام المؤسسات الحكومية الاستهلاكية، من دون ان يتخذ النظام أي تدابير للتقليل من معاناة المواطنين. بينما تم منع المواطنين من التجمع أمام الأفران في بعض المناطق، التي أوكل فيها مهمة توزيع الخبز إلى وكلاء معتمدين من قبل الدولة.
كان المفترض أن يخفف توزيع الخبز بهذه الطريقة من الازدحام، إلا أنها تسببت بتجمعات أكثر عشوائية وفوضوية، حيث أدى ذلك الى تدافع المواطنين أمام سيارات المعتمدين بشكل جنوني. ولم يلتزم الموزعون بتسعيرة الخبز النظامية، ووصل سعر ربطة الخبز لدى بعض المعتمدين لما يزيد عن ثلاثة أضعاف السعر الأصلي.
وفي بعض المناطق ترافق توزيع الخبز مع تعنيف وإهانة للمواطنين، وقد رصد العديد من الناشطين معاناة المواطنين أمام سيارات المعتمدين، والمحسوبيات والإهانات التي يتعرض لها المواطنون أثناء عملية توزيع الخبز، بمقاطع مصورة؛ منها مقطع يوثق قيام أحد الموزعين بضرب امرأة تتبعه لشراء الخبز.
وسط هذا الفوضى، سعت العديد من المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية في دمشق للتدخل من خلال تنسيق مبادرات تطوعية لتوزيع الخبز بشكل مجاني على البيوت؛ وقد تم تطبيق هذه المبادرات في العديد من الأحياء الدمشقية، قبل أن يصدر النظام السوري قراراً غريباً من نوعه لايقاف هذه النوع من المبادرات.
وقال مصدر من إحدى هذه الجمعيات الخيرية ل"المدن"، إنه "بعد أن وزعنا الخبز ضمن عدد من المناطق، تم توجيه إنذار خطي لنا بأننا نقوم بتلك المبادرة بلا رخصة ويتوجب علينا إصدار واحدة، وعندما تقدمنا بطلب لمحافظ دمشق ليسمح لنا بتوزيع الخبز وبعض المواد الغذائية على البيوت بشكل مجاني، قوبل طلبنا بالرفض، حيث اعتبر المحافظ أن المواد الغذائية كافةً متوافرة في الأسواق وليس هناك داعٍ لإطلاق هذه النوع من المبادرات".
على الصعيد الصحي، تعيش المستشفيات في دمشق نوعاً آخر من الفوضى، التي ربما يكون من عواقبها انهيار الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، بسبب عدم الاهتمام بسلامتهم. وتحدث مصدر من داخل أحد المشافي الحكومية في دمشق "المدن"، عن معاناة الأطباء قائلاً: "لقد تم إجبارنا على العمل لساعات متواصلة من دون استراحة، ومن دون أن يوفروا لنا أي غرف معزولة للمبيت في المشافى، مما يجعلنا على تواصل دائم مع المرضى، بمن فيهم المصابون بالفيروس".
وأضاف أن معالجة المصابين بكورونا تتم "دون أن تتوفر لنا وسائل الوقاية من بدلات العزل والكمامات والكفوف؛ فالإدارة تقوم بتوزيع هذه المستلزمات الوقائية علينا بشكل شحيح، وأصدرت تعليمات لإعادة استعمال الكمامات لأيام متتالية؛ وهو ما دفع عدداً كبيراً من الأطباء إلى شراء الكمامات والكفوف من الصيدليات على حسابهم الخاص".
وربما يكون سبب شح توزيع الكمامات في المشافي الحكومية هو ضخّها في الأسواق، بحسب مصدر من إحدى صيدليات دمشق. وقال المصدر ل"المدن"، إنه بعد الإعلان الرسمي عن اول حالة إصابة بفيروس الكورونا في البلاد ، تم توفير الكمامات والمعقمات بالصيدليات بكميات كبيرة من قبل الشركات الدوائية الحكومية، بعد أن كان من الصعب تأمينها، ولكن سعرها اليوم يفوق سعرها السابق بأضعاف.
زيادة الأسعار لا تنحصر فقط بالكمامات والمعقمات، وإنما شملت أيضاً جميع أنواع الأدوية. وفي هذا السياق قال مصدر يعمل في إحدى شركات الأدوية ل"المدن": "نقوم اليوم باستخدام المخزون الاحتياطي الدوائي في سوريا، ولن يصمد هذا المخزون سوى لأسابيع قليلة. سوريا تقوم باستيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية وهذا أدى إلى توقف معظم مصانع الأدوية، وهو ما ينذر بأزمة صحية وشيكة، إذا لم تتحرك الحكومة بسرعة وتتمكن من إيجاد حلول بديلة".
وفي ظل رفض وزارة الصحة السورية إجراء اختبارات للكشف عن الفيروس سوى للحالات المتقدمة، في محاولة منها للحفاظ على أرقام متدنية قي معدل الإصابات التي بلغت حتى اليوم 19 إصابة فقط مسجلة بشكل رسمي. فإن هذا فتح الباب أمام نوع جديد من المتاجرة في دمشق، وهي تجارة أجهزة الكشف عن كورونا.
وقد ساهم العديد من الأطباء بالترويج لهذه الأجهزة غير الناجعة وغير المعترف بها عالمياً لفحص كورونا. وقال مصدر مطلع ل"المدن"، إن "هناك عدداً كبيراً من الأطباء يقومون بالتسويق لبيع جهاز قياس الحرارة الذي يتم استعماله في المطارات، على أنه جهاز لفحص الكورونا. وبعد أن ازداد الطلب على هذه الجهاز وخلت الأسواق منه، ووصل سعر الجهاز إلى 300 ألف ليرة سورية".
وأضاف أن "العديد من المراكز والصيدليات قامت بالتسويق لجهاز صناعي لقياس الحرارة، هو مصمم بالأصل لقياس حرارة الألات والمعدات الصناعية الضخمة؛ فتم ضبط هذه الأجهزة على أن تعطي الضوء الأحمر للحرارة التي تتجاوز 37 درجة. ويتم اليوم بيع هذا النوع من الأجهزة بما يزيد عن 50 ألف ليرة سورية، وكل ذلك يتم تحت غطاء حكومي لمنافع متبادلة مع التجار".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها