لا تزال الفضائح المالية التي تلاحق أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد تتفاعل، وسط معلومات متناقلة عن وقوف الروس خلفها، ما يعكس استياء حلفاء الأسد من الطريقة التي يُدار بها ما تبقى من اقتصاد محلي.
ومما لا شك فيه أن الغضب الروسي بلغ أقصاه، مع عجز النظام السوري عن تأمين الاحتياجات الغذائية بالحد الأدنى للسوريين، الأمر الذي يقوض كل ما قامت به روسيا عسكرياً لحماية هذا النظام، بينما ينشغل الأسد وزوجته بشراء لوحات فينة بمبالغ خيالية، وتمكين شركات تعود ملكيتها لشخصيات مقربة منهم.
ويبدو واضحاً أن الصراع بات على أشده بين الحرس الاقتصادي القديم الذي يمثله آل مخلوف، وبين تيار أسماء الأسد التي تسلمت إدارة الملف الاقتصادي من خلال رئاستها ل"الغرفة المالية التابعة للقصر الجمهوري".
ويؤكد الباحث بالشأن الاقتصادي السوري، يونس الكريم، أن طريقة عمل شركة "تكامل" المتحكمة بما يسمى ب"البطاقة الذكية"، التي فجرت الخلاف وأظهرته إلى العلن، توضح حقيقة الدور الذي تقوم به أسماء الأسد، التي تحاول الاستئثار بمقدرات الدولة الاقتصادية، لصالح عائلتها (زوجها وأولادها).
ويوضح في حديثه ل"المدن"، أن آل مخلوف ينظرون إلى "الغرفة" كأداة لتمويل مفاصل النظام الحيوية، لمواجهة أي خطر اقتصادي يهدد بسقوطه، بينما تتعامل أسماء مع "الغرفة" على أنها أداة لزيادة ثروة عائلتها.
وقال الكريم إنه "نتيجة للانقسام الحاصل بين أسماء ومخلوف بدأت تطفو الفضائح إلى العلن، حيث تستحوذ شركة "تكامل" المملوكة لابن خالة أسماء، مهند الدباغ، على مبالغ خيالية (1 في المئة، من قيمة كل معاملة تتم عن طريق البطاقة)".
روسيا تستثمر بالفضائح
تداعيات كورونا أظهرت بوضوح أبعاد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها نظام الأسد، الأزمة التي قد تصل بالاقتصاد إلى حد التمزق، وسوء إدارة الأسد لها، قد زاد من حدة الغضب الروسي، على النظام، لتوعز موسكو إلى مصادرها بتسريب بعض الفضائح الاقتصادية، بالاتفاق مع آل مخلوف.
وما أجّج غضب موسكو، عقد الأسد صفقة مع الإمارات لتعطيل التنسيق الروسي-التركي حول إدلب، مقابل تقاضي الأسد ملايين الدولارات من الإمارات، وفق الكريم، الذي أضاف أن روسيا "قامت على الفور بتسريب هذه الفضائح، لإيصال رسائل إلى الأسد وزوجته بالكف عن العبث، لأن هذه الطريقة تعارض مصالح روسيا الاقتصادية، وتحديداً جذب رؤوس الأموال للاستثمار في سوريا".
كذلك تحاول روسيا من خلال تسريب هذه الفضائح، إجبار الأسد على تقديم تنازلات لصالح العملية السياسية (لجنة الدستور)، وفق الخبير بالشأن الروسي، الأكاديمي محمود الحمزة.
وقال الحمزة ل"المدن"، إن روسيا زادت من وتيرة ابتزازها للأسد، وبدأت تستخدم لهجة شديدة، مع اقتراب العمليات العسكرية في سوريا من نهايتها، مضيفا أنه "لم يبقَ أمام موسكو إلا تفعيل المسار السياسي، غير أن الوضع الاقتصادي المتدهور لا يساعد بحال من الأحوال على ذلك، وخصوصاً أن النقمة الشعبية والتذمر بلغا درجات خطيرة".
وأضاف الحمزة أن سياسات النظام غير المسؤولة، اصطدمت بمصالح روسيا، لجهة رغبة النظام في العودة إلى مربع الصراع العسكري في إدلب، وهذا ما يتعارض مع المصالح الروسية، لأن روسيا أولاً لا تريد توتير علاقاتها مع تركيا، وثانياً لأن الاقتصاد الروسي يمر بأزمة كبيرة نتيجة تفشي كورونا، وانخفاض أسعار النفط.
وتابع أن روسيا تريد تصدير الصورة عن سوريا، بأن البلاد تتجه للاستقرار بعيداً عن العمليات العسكرية، مستدركاً "ما يجري هو تنبيه روسي للأسد، بأن موسكو قد تسير في مسار فضح النظام إلى النهاية، لتؤكد أن الأسد غير جدير بحكم سوريا".
صراع أسماء-مخلوف إلى أين؟
وقال الباحث يونس الكريم: "لا أحد من الطرفين سيقدم تنازلات للآخر، والآن هناك حالة قطيعة كاملة بينهما، وانتصار أي طرف تحكمه العلاقات الدولية، والحلفاء المحليين، وهذا ما سيفسح المجال لزيادة تغلغل روسيا في الاقتصاد السوري".
وأضاف أنه "من الواضح أن أسماء ستبدأ بالبحث عن حلفاء جدد والصين على قائمتها، بينما سيحاول الأسد إيجاد حل وسطي، ما قد سيؤدي إلى اختفاء شخصيات بارزة عن الواجهة السياسية والاقتصادية، وظهور أخرى".
تداعيات الصراع الاقتصادي ستكون قوية على السوريين وتحديداً في مناطق سيطرة النظام، فالروس يريدون من النظام سداد ديونه، ويرفضون إمداده بالقمح دون الدفع، فيما تنشغل إيران بمواجهة كورونا، ومتاعبها الاقتصادية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها