في الطابق الثالث من مشفى الأسد، اجتمع الأطباء والممرضون حول امرأة، كانت قد وصلت إلى المشفى قبل دقائق، ضيق في التنفس ارتفاع بالحرارة أهم الأعراض التي كانت تعاني منها، زيها التقليدي يوحي بأنها قادمة من المناطق الريفية.
صوت جلبة الكادر المرتفع أثار حفيظة جميع من في المشفى، اجتمع بعض المرضى في الصالة الرئيسية لمعرفة ما يدور هناك، الكادر الطبي لم يقترب من المرأة المتروكة على النقالة، كان طبيب القسم الوحيد الذي حاول معاينة الحالة ثم ما لبث أن عاد وتمتم لرفاقه بصوت خافت، "أنها تعاني من أعراض مشابهة لفيروس كورونا".
الصمت الذي ساد ممرات الطابق الثالث في مشفى الأسد للحظات، قاطعه وصول الدكتور مأمون حيزة مدير المشفى، الذي سأل عن سبب التجمهر، قبل أن يسارع إليه طبيب القسم ويحدثه بصوت خافت، آثار صدمة بدت على وجهه وبصوت مرتجف صرخ كل واحد إلى مكانه، "المريض إلى غرفته والطبيب إلى عيادته وهاي خذوها ع غرفة حجر خلوها تموت ما عندنا شيء نقدمه لها".
4 وفيات من المدنيين
يوم الجمعة 20 آذار/مارس، توفيت السيدة فضيلة العلي، 57 عاماُ من أهالي قرية الدوير في ريف ديرالزور الشرقي، داخل مشفى الأسد في مدينة ديرالزور، نتيجة إصابتها بفيروس كورونا.
العلي كانت قد وصلت إلى المشفى الخميس، وتعاني من ارتفاع في الحرارة وضيق في التنفس وإجهاد وتعب، حيث تم وضعها داخل غرفة حجر صحي في الطابق الثالث من مشفى الأسد، معدة مسبقاً لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورنا.
مصدر طبي داخل مشفى الأسد رفض الكشف عن أسمه لأسباب أمنية قال ل"المدن"، إن "العلي لم تتلقَ العناية الكافية داخل المشفى، بسبب فقدان المشفى للمعدات الازمة للتعامل مع مثل تلك الحالات، ما فاقم من أزمتها الصحية وأدى لوفاتها في اليوم الثاني لدخولها إلى المشفى".
وأضاف المصدر أن "دورية من فرع الأمن العسكري قامت بأخذ جثة المريضة بعد وفاتها، واكتفت بتسليم ورقة تثبت واقعة الوفاة لذويها من دون تسليمهم الجثة، وبحسب المعلومات فإن عناصر الدورية قاموا بنقل الجثة وحرقها بالقرب من منطقة البانوراما جنوب مدينة ديرالزور".
فضيلة العلي ليست أول حالة وفاة لمدني تسجل في محافظة دير الزور بسبب فيروس كورونا، بل سبقتها ثلاث حالات مشابهة منذ مطلع آذار، من بينها وفاة عبير السالم وشخصين آخرين، ليرتفع عدد حالات الوفاة المسجلة داخل مشفى الأسد في محافظة دير الزور نتيجة الفيروس إلى أربع حالات.
النظام ينفي وينشئ مراكز للحجر
بالرغم من تسجيل حالات وفاة وإصابة مؤكدة بفيروس كورنا، لاتزال مؤسسات النظام في دير الزور وعلى رأسها مديرية الصحة تنفي وجود أي حالات إصابة، معتبرة الأمر مجرد شائعات يتم الترويج لها من قبل جهات إعلامية لا تملك المصداقية في نقل الأخبار.
مدير الصحة في ديرالزور بشار الشعيبي قال في بيان: "لم يتم تسجيل إي حالات إصابة في المحافظة، باستثناء الاشتباه بحالتين لشخصين عراقيين لديها أعراض الإصابة، كانا قادمين عبر معبر البوكمال القائم الحدودي وتم منعهم من دخول الأراضي السورية".
نفي مديرية الصحة يترافق مع عمل مكثف تقوم به لإنشاء مراكز حجر صحي في المحافظة مقسمة على ثلاث مناطق، تشمل ريفي المحافظة الغربي والشرقي ومركز المدينة، منها ما تم الانتهاء من تجهيزه وأخرى ما تزال قيد الإنشاء.
ويعد مركز الحجر في مشفى الأسد الأكبر، حيث يضم قرابة 12 غرفة حجر، كل غرفة تحتوي على أربع اسرة وجهاز تنفس صناعي، إضافة لغرفة عناية مركزة داخل قسم الحجر، بينما لايزال العمل جاري في مركزين للحجر في منطقة البغيلية غرب دير الزور ومدينة الميادين في الريف الشرقي، بطاقة استيعابية تصل إلى 140 سريراً.
أحمد طبيب من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في ديرالزور أكد ل"المدن" أن "مراكز الحجر لا يتوفر فيها مقومات الحجر الصحي الجيد وتعاني من نقص المعدات، فجهاز تنفس وحيد لكل أربع مرضى غير كافٍ، خاصة أن المريض الواحد قد يحتاج الجهاز معظم الوقت لمساعدته للبقاء على قيد الحياة".
وأشار أحمد إلى أن "النظام سوف يعمل على إدخال الحالات الصحية الحرجة إلى داخل مراكز الحجر، بينما يتم صرف بقية المصابين أو المشتبه بإصابتهم إلى منازلهم لإجراء حجر منزلي، كطريق لتلافي أزمة محتملة قد تؤدي لعجز كوادره ومشافيه في ديرالزور".
أكثر المصابين من المليشيات
يعتبر عناصر المليشيات الإيرانية والعراقية المتواجدين في دير الزور، الأكثر أصابة بفيروس كورونا، بسبب قدومهم من مناطق ينتشر فيها الوباء خاصة القادمين من إيران.
ففي شهر آذار، تم تسجيل أكثر من 60 إصابة في صفوف عناصر تلك المليشيات خاصة المتواجدة في مدن البوكمال على الحدود السورية العراقية ومدينة الميادين ومركز مدينة دير الزور، توفي منهم 12 مصاباً فيما يخضع البقية لحجر صحي، بحسب ما علمت "المدن".
وتقوم المليشيات الإيرانية والعراقية بعلاج وحجر صحي للمصابين من عناصرها داخل مشافٍ خاصة، قامت بإنشائها خلال العامين الآخرين في مناطق متفرقة من المحافظة، منها مشفى عائشة في مدينة البوكمال التي يوجد فيها قرابة 38 مصاباً، ومشفى الزهراء في مدينة الميادين التي تضم 10 مصابين.
وقال عبد السلام الحسين من شبكة نهر ميديا الإعلامية ل"المدن"، إن "90 في المئة من المصابين هم من العناصر الإيرانية خاصة عناصر الحرس الثوري، فيما القسم المتبقي من المصابين هم من عناصر المليشيات العراقية والأفغانية وبعض العناصر المحلية من سورية، يعملون مع المليشيات الإيرانية بصفة مترجمين".
وأضاف الحسين أن "قوات النظام السوري أصدرت خلال الأيام الماضية تعليمات لقواتها المتواجدة في ديرالزور وقوات الدفاع الوطني، بعدم الاختلاط بالعناصر الإيرانية والعراقية كإجراء احترازي لعدم انتقال الفيروس لهم".
وترتفع حالات الإصابة بين صفوف عناصر المليشيات بشكل مضطرد، بسبب عدم إجراء الفحوص اللازمة للعناصر القادمين إلى المحافظة عبر المعابر البرية مع العراق، والتي تسجل دخول العشرات من المقاتلين والزوار في كل يوم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها