رغم تفاقم حالته الصحية خلال الأسبوعين الأخيرين قبل موته، إلا أن وزير خارجية النظام وليد المعلم لم ينقطع عن الدوام والحضور إلى مكتبه بشكل يومي، حتى في يوم وفاته تواجد على رأس عمله وهو في حال سيئة أجبرته على المغادرة باكراً، لتكون المرة الأخيرة التي يرى فيه كرسي الوزارة.
قد يعتبر البعض ذلك تفانياً في العمل، لكن من يعرف تفاصيل التنافس والصراع على المناصب في مؤسسات النظام ودوائره الرسمية، يدرك سبب إصرار المعلم على عدم التغيب ساعة واحدة عن مكتبه حتى وهو يصارع الموت. ربما أراد وزير الخارجية السابق ألا يسمح للمرشحين المحتملين للفوز بمنصبه الظفر به في حال قررت القيادة أنه أصبح عاجزاً عن القيام بمهامه، وقد يكون من حسن حظ المعلم أنه رحل سريعاً وهو على رأس عمله من دون أن يرى أحد منافسيه يأخذ مكانه.
ورغم أن هذا الهاجس كان مسيطراً على الوزير الراحل منذ تعيينه في منصبه عام 2006 إلا أنه، وحسب المطلعين، أصبح شديد الهوس به بعد تشخيص إصابته بسرطان الغدد اللمفوية قبل خمس سنوات تقريباً، ومع خشيته المستمرة من إقالته في أي وقت وتعيين شخصية من خارج دائرة مسؤولي مكاتب الوزارة الرئيسية في دمشق، إلا أن وجود اثنين من أبرز المرشحين لخلافته يعملان إلى جانبه، أمر ظل يدفعه باستمرار للتعامل معهما بقسوة والعمل دائماً على الحد من نفوذهما وصلاحتيهما.
الأول هو نائبه فيصل مقداد، المولود في قرية غصم بريف درعا عام 1954، ويحمل بكالوريوس في الأداب من جامعة دمشق وشهادة الدكتوراه في الأدب الإنكليزي من جامعة تشارلز التشيكية في العام 1993.
انضم إلى السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية عام 1994 موظفاً في الوفد السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، قبل أن يشغل في العام 2003 منصب سفير سوريا الدائم في الأمم المتحدة، حتى توليه منصبه كنائب لوزير الخارجية في العام 2006.
أما الثاني فهو معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، المولود في دمشق والذي استطاع أن يشق طريقه داخل النظام بجهوده الشخصية، إذ لا تربطه أي قرابة أو صلات بالمسؤولين البعثيين القدامى، لذا يتهمه الكثيرون بأن بدايته كانت من خلال الوشاية بزملائه من الناشطين السياسيين في جماعة الإخوان واليساريين في ثانوية جودت الهاشمي الشهيرة في دمشق.
وبمرور الوقت كان سوسان يرتقي السلم الوظيفي في السلك الديبلوماسي بشكل مثير للتساؤلات، حتى تم تعيينه سفيراً لسوريا لدى الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2014 استُدعي إلى دمشق ليشغل منصب معاون وزير الخارجية، في إجراء رأى فيه البعض وضع حد لطموحاته ومسيرته المهنية، بينما رأى فيه آخرون محطة على طريق كرسي الوزارة.
لكن الدبلوماسي والسفير السوري المنشق بسام العمادي يستبعد في حديث ل"المدن"، أن يتم تعيين سوسان خليفة للمعلم، ويرى أنه لم يتمكن من إقناع قيادته إلى اليوم بأهليته لشغل مثل هذا المنصب على الرغم من مهاراته في تقديم الخدمات للنظام والمتنفذين الرئيسيين فيه، مثله مثل فيصل المقداد أيضاً.
ويضيف أن "المقداد على ارتباط وثيق بماهر الأسد وضباط القصر الجمهوري وينفذ أوامرهم دون تردد، لكن هذا غير كافٍ ليجعل منه الخليفة المحتمل للمعلم، بالنظر إلى أنه لا يمتلك الكاريزما والمهارات المطلوبة لتسميته كوزير خارجية، ولذا فهو على الأغلب لن يستمر في هذا المنصب إلا مؤقتاً بحكم التسلسل الوظيفي، وسيذهب لشخص آخر في النهاية".
ويميل العمادي إلى ترجيح كفة منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والذي أتاح له عمله السابق كمسؤول عن المراسم في القصر الجمهوري نفوذاً واسعاً ووصولاً كبيراً لمختلف مواقع صنع القرار في سوريا وبناء علاقات قوية معها، بل وغالباً القدرة على التدخل بعملها كما هو الحال مع وزارة الخارجية التي تعتبر حلمه الرئيسي بعد أن شغل أيضاً منصب نائب مدير المعهد الدبلوماسي. وما يعزز من حظوظ عزام القوية هو أن زوجته ابنة أحد كبار ضباط القصر الجمهوري العلويين، إلا إذا وضعت إيران ثقلها لصالح تعيين بشار الجعفري، مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة.
لكن العمادي يرى أن الجعفري، ورغم أنه وفق كل المعطيات هو المرشح الأقوى ليكون خليفة للمعلم، إلا أنه غير مهتم بهذا المنصب، وأنه يفضل البقاء في نيويورك للاستفادة من المزايا المادية والمعنوية لعمله في منصبه الحالي، بينما لا يرى أي حظوظ لبثينة شعبان مستشارة رئيس النظام بشار الأسد، التي أصبحت أوراقها محروقة وبحكم المنتهية مهنياً اليوم، بدليل تعيين لونا الشبل للقيام بالمهام نفسها التي كانت محصورة بشعبان، والأخيرة انتهت طموحاتها بتسلم حقيبة الخارجية عام 2006 بعد أن بذلت جهوداً كبيرة للظفر بهذا المنصب وقتها.
ومن الاسماء المطروحة أيضاً، عماد مصطفى، سفير سوريا في الصين، وهو مقرب من الأسد منذ تأسيس الأخير الجمعية العلمية للمعلوماتية قبل تسلمه الحكم منتصف تسعينيات القرن الماضي، فمصطفى المولود في حلب عام 1952، مجاز في علوم الحاسوب وموظف سابق في عدد من المنظمات الدولية المختصة، كما شغل منصب عميد كلية المعلوماتية بجامعة دمشق.
اقتحم مصطفى السلك الديبلوماسي لدى تعيينه سفير سوريا في واشنطن عام 2004 حتى العام 2011، قبل أن تتهمه السلطات الأميركية بالتجسس على المعارضيين السوريين في الولايات المتحدة وتهديدهم بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، ليتم نقله إلى بكين.
ورغم أنه مقرّب من رئيس النظام شخصياً، إلا أن هذا ليس كافياً لترجيح كفة عماد مصطفى، حيث يلعب عدد من الاعتبارات دوراً مهماً في توزيع المناصب داخل مؤسسات النظام، مثل الانتماء الطائفي إذ جرت العادة أن يشغل منصب وزارة الخارجية شخص سني، والانتماء المناطقي حيث يحاول النظام إظهار توازن في توزيع المناصب على المحافظات، بالإضافة إلى الاختصاص العلمي والملاك الوظيفي وغيرها، مع الإشارة إلى أن هذه الاعتبارات تم خرقها بشكل متكرر خلال سنوات حكم بشار الأسد، بدءاً من تعيين العلوي حسن حبيب وزيراً للدفاع وهو المنصب الذي بقي حكراً على السنة حتى عام 2009، ومنذ ذلك التاريخ وقواعد التحاصص غير الرسمية التي وضعها الرئيس السابق حافظ الأسد لم تعد مطبقة بشكل كامل في ما يتعلق بتوزيع المناصب.
يمكن القول إن هذه هي الاسماء التي قد يخرج من دائرتها الخليفة المحتمل لوليد المعلم في حمل حقيبة الخارجية، ورغم أن إمكانية المفاجأة تبقى واردة، إلا أنه من المستبعد حدوثها في هذا التوقيت وفي هذا المنصب تحديداً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها