وأضاف ترامب: "تحركنا الليلة الماضية لمنع حرب. لم نتحرك لإشعال حرب"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام في إيران. وأضاف: "استخدام إيران لمقاتلين بالوكالة لزعزعة استقرار دول الجوار يجب أن يتوقف الآن".
ترامب وصف العملية أيضا بالضربة الاستباقية، وقال "كان سليماني يخطّط لهجمات وشيكة وشريرة ضد الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين، لكننا أمسكنا به وهو يخطط وحيّدناه". ويُذكّرنا هذا الكلام بحقبة إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، التي استخدم فيها الهجوم الوقائي ذريعة لاجتياح العراق 2003.
اللافت في هذا الأمر هو تبني ترامب، منذ حملته الانتخابية، سياسة خارجية مختلفة تماماً من جورج دبليو بوش، التي ما يزال يتبعها الكثيرون من السياسيين الجمهوريين، بتفضيل استخدام القوة العسكرية من دون كثير تردد لحماية مصالح أميركا وحلفائها. ويشمل ذلك حماية مصالح من الدرجة الثانية أو الثالثة، بينما تدعو سياسة "اميركا أولاً" للرئيس ترامب إلى شيء قريب من العزلة.
عبر المنصات الإعلامية الأميركية، أجمع الحزب الجمهوري على أن قتل سليماني يمثّل ضربة استباقية، بالإضافة الى كونه ثأراً لضحاياه خصوصاً الأميركيين بينهم، أو كما قال عضو مجلس الشيوخ السيناتور ليندسي غراهام: "الرئيس قام بعملية صارمة استباقية لإفشال مخطط ضد الموظفين الأميركيين".
"قاسم سليماني كان ارهابيا شريرا وخطيرا وايديه ملطخة بدماء الالاف، بما في ذلك مئات الأميركيين. كان ترامب على الصواب عندما امر بعملية حازمة لقتل سليماني من أجل منع هجمات مستقبلية ومن أجل حماية الارواح والمصالح الاميركية"، بحسب ليز تشيني، العضو الجمهورية في مجلس النواب، وإبنة الصقر الجمهوري الشهير، نائب الرئيس الاسبق، ديك تشيني.
"الجنرال سليماني قتل مئات ومئات الاميركيين، وكان يخطط للمزيد. وقائد القوات المسلحة، أي قائد للقوات المسلحة، يجب عليه حماية اميركا عن طريق قتل هذا الوغد"، بحسب ما قاله بن ساسي، السيناتور الجمهوري الذي
انتقد سياسة "اميركا اولا" في شباط، داعياً إلى "نظام عالمي بقيادة وقوة اميركية".
من جهة اخرى، انتقد مشجعون لسياسة "أميركا أولا" قتل سليماني، بما يحمله من احتمال تورط أميركا في حرب جديدة في الشرق الأوسط. المذيع في قناة "فوكس نيوز" الجمهورية تكر كارسن، الذي يمثّل تيار "أميركا أولاً" الشعبوي، قال: اشعر ان الرئيس لا يريد حرباً، تم انتخابه بناءً على وعد بأنه سيتحاشى الحروب إلا عند الضرورة القصوى. وتساءل كارلسن إذا كان مستشارو ترامب قد نفذوا العملية على عكس إرادة الرئيس. وأكّد ضيف كارلسن في نهاية الحلقة: إذا فعل ترامب هذا (شن الحرب ضد إيران) فهو ساقط سياسياً.
ومن الصعب توقع السيناريوهات التي قد تعقب مقتل قاسم سليماني، إذ تملك إيران خيارات متعددة للرد على هذا التصعيد الكبير، وقد لا تنحصر باستهداف الجنود والرعايا الاميركيين في العراق وسوريا فقط، بل قد تمتد ارتداداتها إلى لبنان ودول الخليج وغيرها. كما تعقّد شخصية الرئيس الأميركي المتهورة وغير المهتمة بتفاصيل الملفات الخارجية الساخنة، قراءة وتقييم هذه السيناريوهات. قد تتجه الامور باتجاه الحرب المباشرة بين المليشيات المدعومة إيرانياً والجيش الأميركي في العراق، نظرا لاستعداد ترامب الظاهر لاستخدام القوة من جهة، وأهمية قاسم سليماني الاستراتيجية ورمزيته من جهة أخرى.
السياسة الداخلية الأميركية
لا ريب أن السياسة الداخلية الأميركية، قد أثرت بشكل مباشر على مجرى الأحداث مع محاولة الديموقراطيين الحالية عزل الرئيس ترامب. ترامب كان قد تقيّد في بداية ولايته بنصائح وزرائه ومستشاريه أصحاب الرؤية الجمهورية التقليدية، لكنه اتجه شيئاً فشيئاً باتجاه تطبيق سياسة "أميركا أولاً" خلال رئاسته. ومع نهاية 2019 ابتعد ترامب عن سياسته مجدداً، سالكاً الطريق نحو السياسة الجمهورية التقليدية، خصوصاً أن قرار قتل سليماني جاء بعد إلغاء مؤقت
لقرار الانسحاب الكامل من سوريا. وبذلك، قد يندرج قتل سليماني وإلغاء قرار الانسحاب ضمن محاولة من ترامب لإرضاء حلفائه من صقور الجمهوريين في الكونغرس، وفئات أخرى متنفذة سياسياً في واشنطن.
وربما يريد ترامب استخدام مقتل سليماني كورقة ضغط على القيادة الإيرانية، لكي يقنعها بإجراء مفاوضات من موقف ضعيف، للتوصل إلى "الصفقة الممتازة" التي طالما تكلم عنها، بما يثبت قدرته على صنع الصفقات الكبرى، واضعاً نصب عينيه حشد الدعم الانتخابي قبل انتخابات 2020. إلا أنه باتخاذ الخيار العسكري، يكون ترامب قد تجاهل أن 18% فقط من الأميركيين يريدون مواجهة ايران عسكرياً، بينما يفضل 78% منهم الاعتماد على الطرق الدبلوماسية والضغط الاقتصادي، بحسب استطلاع للرأي تم إجراؤه في آب/أغسطس.
فهل يستطيع ترامب استيعاب معارضة حاضنته الشعبية التي تشجّع سياسة "
أميركا اولا" لاستهداف سليماني، وهي تنظر بعين الريبة إلى عودة أميركا إلى حروب الشرق الاوسط. ولكن، ماذا لو تطورت الأحداث نحو الحرب؟ فهل يعتمد ترامب على شريحة أخرى من مؤيديه، كما
أشار استطلاع رأي في نوفمبر 2019، قال فيه 63% من مشجعيه، إنهم لا يستطيعون التفكير في أي فعل او سياسة لترامب، من الممكن أن تخفّض من دعمهم له.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها