كمن أخذته المفاجأة، بدأ مجلس الوزراء السوري، الثلاثاء، مناقشة مشروع إدارة واستثمار وتشغيل مرفأ طرطوس من "الأصدقاء في جمهورية روسيا الاتحادية"، وتطويره ليصبح "منافساً على المستوى الإقليمي" ويسهم بـ"تحقيق جدوى اقتصادية وتعزيز الإيرادات المالية التي تعود بالفائدة المشتركة"، بالإضافة إلى" الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه المرفأ في تأمين احتياجات سوريا من مختلف المواد".
ويربط كثيرون من المحللين بين الأنباء عن تأجير مرفأ طرطوس لروسيا وانفراج أزمة المحروقات في سوريا. ويتردد حالياً القول إنه في حال وافق النظام على توسيع اتفاق استئجار قاعدة طرطوس البحرية لتشمل كل الميناء ومحيطه، سيبدأ تسليم شحنات النفط الروسية إلى سوريا.
روسيا كانت قد وقّعت في 2016 اتفاقاً لاستئجار القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس لمدة 49 سنة قابلة للتجديد، وأعيد طرح الموضوع أثناء زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي إلى سوريا، قبل أيام، لتوسيع الاتفاق ليشمل كامل ميناء طرطوس. وتأمل موسكو أن يتم توقيع العقد "في غضون أسبوع، وأن يبدأ ميناء طرطوس العمل الروسي لمدة 49 عاماً".
يوري بوريسوف
صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، قالت: "تشير نتائج الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، إلى دمشق إلى أنه سيتم قريبا تزويد سوريا بالنفط بشكل أساسي من قبل روسيا، وليس إيران".
ويرأس بوريسوف في الوقت ذاته، الجانب الروسي في اللجنة الروسية السورية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني بين البلدين.
وتابعت الصحيفة، التي سردت مجموعة كبيرة من المغالطات، أن "القاهرة منعت سراً مرور ناقلات النفط الإيرانية عبر قناة السويس، ولذلك فقد اندلعت أزمة البنزين في سوريا، وأدت، على ما يبدو، إلى زيارة بوريسوف المفاجئة لدمشق".
وأضافت: "كما اتضح، من خلال اجتماع نائب رئيس الوزراء الروسي مع الرئيس السوري بشار الأسد، اتفقت موسكو ودمشق على أن كامل ميناء طرطوس السوري، وليس فقط قاعدة الخدمة التقنية البحرية، "سينقل إلى روسيا لمدة 49 عاما للنقل والاستخدام الاقتصادي".
بوريسوف كان قد قال إن "حقول النفط الرئيسية أصبحت الآن بعيدة عن متناول الحكومة السورية" (في إشارة إلى الحقول الواقعة شرقي الفرات)، والتي يبدو أنها الدافع الرئيس لتأجير روسيا ميناء طرطوس. وتابع: "بالطبع نوقشت هذه المسألة. هناك مقترحات محددة. وعلى الجانب السوري التوصل إلى قرار".
خبير عسكري قال لـ"نيزافيسيمايا غازيتا": "بالطبع، روسيا، التي أوقفت صادرات النفط إلى أوكرانيا، قادرة على تلبية احتياجات الصناعة السورية من النفط. ومع ذلك، فإن تأجير ميناء طرطوس للروس لفترة طويلة يشير إلى أن مصافي النفط الخاضعة لسيطرة نظام الأسد قد لا تتلقى أبدا النفط السوري المنتج في الأراضي المحتلة (تحت سيطرة أميركا شرقي الفرات) لفترة طويلة جدا. أي من خلال هذه الخطوة، توافق روسيا بشكل غير معلن على تقسيم البلاد، حيث سيخضع شرق الفرات مع كل البنية التحتية المنتجة للنفط في سوريا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة".
اللافت أن وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، اكتفت بالقول إن بشار الأسد التقى بوريسوف وبحث معه "الآليات العملية لتجاوز كافة العوائق، إن كانت الإدارية منها، أو تلك الناتجة عن العقوبات التي تفرضها الدول المعادية للشعب السوري على سوريا، بالإضافة إلى توسيع آفاق التعاون لتشمل قطاعات جديدة".
فوائد التأجير؟
صحيفة "الاقتصادي"، نقلت بدورها أراء خبراء في الاقتصاد، لترويج "التعاون" السوري-الروسي لتطوير ميناء طرطوس. وأشارت إلى أن "العقد لن يكون تأجيرياً بمعنى إخلاء ودخول أحد مكان الآخر، وإنما عقد استثماري أو بحق الانتفاع، أي أنه سيبقى تحت ملكية الحكومة السورية، وستبقى الكوادر الإدارية، لكن يحق للجانب الروسي الانتفاع منه باستثمارات وعمليات تجارية". وتكون مسؤولية الجانب الروسي هي "حماية المكان والبضائع التي تأتي من المنشأ إلى الميناء، وتطويره، خاصة وأنه يعاني حالياً مشكلة فنية وهي عمق الغاطس، حيث يُدخل سفن بطاقة 20–25 ألف طن كحد أقصى للسفينة الواحدة، وبالتالي فإن تطويره يساعد بالعملية الاقتصادية ودخول سفن كبيرة".
وأضافت "الاقتصادي"، إنه لم يعلن بعد عن شكل التعاون بين الجانبين في ما يتعلق بالميناء رسمياً، ولكن بحال تم، فإنه "سيخفف بشكل كبير من العقوبات المفروضة على سوريا، عبر تسهيل عبور البواخر الروسية من الموانئ الروسية لميناء طرطوس، وانسياب السلع والخدمات بين السوقين، وتكثيف عدد السفن القادمة والمغادرة".
وكالة "سبوتنيك" الروسية نقلت عن خبيرة سورية بالاقتصاد قولها: "أعتقد أن أهم ما في العقد هو زيادة حجم الاستثمارات الروسية على الأراضي السورية، ودخول شركات التصدير والاستيراد وبالتالي تنشيط الاقتصاد السوري الذي يعاني حالياً من الانكماش". وأضافت: "سوريا بلد زراعي وهي قادرة على تصدير جميع المزروعات لاسيما الزيتون وزيت الزيتون والحمضيات، وهذا يخدم المزارع بالدرجة الأولى لأنه يوفر له سعراً أعلى من السوق المحلية وينشط قطاع الزراعة كما يوفر للسوق الروسية منتجات جيدة".
من حميميم إلى طرطوس
ويتوج هذا الاتفاق سلسلة من الخطوات التي أقدمت عليها روسيا لتكريس وجودها في سوريا منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/أيلول 2015. وكانت القوات الروسية قد اتخذت من مطار حميميم في ريف اللاذقية، قاعدة لها، بعدما قررت عام 2016 توسيع المطار الذي كان معداً لاستقبال الطائرات المروحية، بناء على اتفاق في أغسطس/آب 2015، حصلت فيه على حق استخدام هذه القاعدة من دون مقابل.
وإلى جانب حميميم، أنشأت روسيا قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس، تستوعب سفناً حربية كبيرة. وصدّق البرلمان الروسي في عام 2017 على اتفاق لترسيخ وجود روسيا في سوريا، ولتمهيد الطريق أمام وجود عسكري دائم في قواعد بحرية وجوية هناك. وتقضي الاتفاقية بإقامة مركز لوجستي للمعدات الفنية للأسطول الروسي في طرطوس لمدة 49 عاماً. كما تم الاتفاق على قيام روسيا بتوسيع وتحديث إمكانات الميناء لتقديم خدمات وتسهيلات لأسطولها، ليكون قادراً على استقبال حاملات الطائرات والغواصات النووية.
إيران في اللاذقية
وتأتي هذه التطورات بعد أنباء عن نية إيران استئجار ميناء اللاذقية. وكان مصدر رفيع المستوى في مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد أكد، في تصريحات صحافية، الأنباء التي ترددت عن وجود مباحثات لتسلّم إدارة ميناء اللاذقية بشكل استثمار طويل الأمد مقابل إسقاط طهران لديون دمشق المستحقة لها. وتوقع المصدر أن يتم توقيع الاتفاقية خلال زيارة مرتقبة لروحاني إلى دمشق.
وكان وزير النقل السوري قد طلب في شباط، من المدير العام لمرفأ اللاذقية العمل على "تشكيل فريق عمل يضم قانونيين وماليين للتباحث مع الجانب الإيراني في إعداد مسودة عقد لإدارة المحطة من الجانب الإيراني"، تلبية لـ"طلب الجانب الإيراني حق إدارة محطة الحاويات لمرفأ اللاذقية لتسوية الديون المترتبة على الجانب السوري"، بسبب الدعم المالي والعسكري الذي قدمته طهران لدمشق في السنوات الثماني الماضية.
وتُشغّل مرفأ اللاذقية منذ سنوات "شركة سوريا القابضة" المتعاقدة مع شركة فرنسية، لكن رئاسة مجلس الوزراء وجّهت كتباً خطية إلى الشركة، للالتزام بالاتفاق بين دمشق وطهران، لمنح إيران حق تشغيل المرفأ اعتباراً من خريف 2019.
وأبلغ مسؤولون إيرانيون الجانب السوري أن مرفأ اللاذقية سيستعمل لنقل المشتقات النفطية الإيرانية إلى سوريا عبر البحر المتوسط و"حلّ أزمة الغاز والنفط والكهرباء التي تعاني منها مناطق الحكومة في الأشهر الماضية".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها