ما زال النظام يحاول تقليل أهمية اجتماع "اللجنة الدستورية" المقرر عقده في جنيف نهاية تشرين الأول/أكتوبر، ما يعكس شعوره بالخسارة، خاصة أنه سبق ووافق على سحب "قراره المطلق" بمستقبل سوريا حين وافق على الدخول في مسار "الدستورية".
وقبل انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية بأيام، قدمت "هيئة التفاوض السورية"، إلى "المجموعة المصغرة" والأمم المتحدة، وثيقة مذيلة بتوقيع رئيسها نصر الحريري، أكدت فيها على أهمية تطبيق القرار 2254، وعدم حرف مسار "اللجنة الدستورية" عن القرارات الدولية ومصلحة الشعب السوري.
ووفق مصادر "المدن" فإن المعارضة قدمت هذه الوثيقة قُبيل انطلاق اجتماع "اللجنة الدستورية" في جنيف، وأثناء اجتماع "هيئة التفاوض" مع "المجموعة المصغّرة" للتأكيد على أن الهيئة لن تكون جزءاً من أي عملية خارج نطاق القرارات الدولية، ولن تقبل بأي حرف لمسار اللجنة. كما أن الوثيقة تشير إلى أن الحديث عن انتخابات دون تطبيق بنود القرار 2254 كاملة لن يكون لها دور إيجابي، بل ستكون بمثابة حرف لمسار القرار وشرعنة للنظام.
وأكدت المصادر أن "هيئة التفاوض" شددت خلال اجتماعها مع "المجموعة المصغرة"، التي تضم مصر وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا وأميركا، على ضرورة تبني الأخيرة موقفاً جاداً وحازماً حيال الملف السوري، والضغط لتطبيق بنود القرار 2254 كافة، من دون الذهاب في أي مسار أحادي، كما أكدت على أهمية البدء بإطلاق سراح المعتقلين وضمان وجود البيئة الآمنة لاستكمال العمل على الحل السياسي.
وأيضاً شددت "الهيئة" على ضمان سلامة أعضاء اللجنة الدستورية، خاصة أن هناك من ينسحب منها نتيجة الضغوط التي يمارسها النظام عليهم. كما علمت "المدن" أن بعض الشخصيات الموجودة في قائمة المعارضة تتعرض لضغوط من قبل النظام عن طريق ذويهم المقيمين في سوريا، أو عن طريق التواصل المباشر.
وتتحدث الوثيقة التي سلمتها "الهيئة" باليد، لممثلي "الدول المصغرة" والأمم المتحدة، وحصلت "المدن" على نسخة منها، عن رؤية "هيئة التفاوض" للقرار 2254، وأن الهيئة تسعى لتطبيق القرار بكليته عبر: "التنفيذ الفوري للبنود الإنسانية فوق التفاوضية وعلى رأسها حماية المدنيين، إرساء قواعد وقف إطلاق النار، إطلاق سراح المعتقلين، تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات مصداقية غير طائفية وشاملة وذات صلاحيات تنفيذية كاملة، كتابة مسودة دستور جديد، وانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة وفقاً لأعلى المعايير الدولية".
وأكدت الوثيقة أن "الهيئة" اتخذت قرارها "بالمشاركة في اللجنة الدستورية كبوابة لتطبيق كل ما سبق وفق محددات تنسجم مع القرار 2254 حددتها وأرسلتها للأمم المتحدة وشاركتها مع كثير من دول العالم، (رغم رفض ومعارضة قسم كبير من الشعب السوري)"، كما قامت "الهيئة"، "بكافة الأعمال التحضيرية للجنة الدستورية وبقية بنود القرار 2254"، و"تفاعلت بإيجابية مع الأمم المتحدة والأسرة الدولية"، و"أرسلت قوائمها للجنة ومجموعة الصياغة"، و"سمت رئيسها المشترك للجنة"، كما "تبنّت مجموعة من القواعد الإجرائية التي تنظم عمل اللجنة وتحافظ على ثوابت ومرجعية الهيئة في العملية التفاوضية عموماً وفي اللجنة الدستورية خصوصا".
وشددت الهيئة في الوثيقة على أنها "لن تتورع أبداً أو تتردد في وقف العملية الدستورية فوراً ورفع الشرعية السورية منها؛ إذا حادت اللجنة الدستورية عن الطريق الذي يلبي تطلعات الشعب السوري ويحقق آماله، أو خرجت عن روح تطبيق قرار مجلس الأمن 2254".
ونبّهت الوثيقة أيضاً بأن "التفكير في إجراء انتخابات مبكرة في ظل الظروف الراهنة من دون وجود هيئة حكم انتقالية، وتوفير البيئة الآمنة والمحايدة هو أمر مستحيل ولن يكون له إلا معنى واحداً ألا وهو شرعنة النظام القائم حالياً، وهو ما لا يمكن أن ترضى به هيئة التفاوض وإنما سترفضه وتواجهه بكل الوسائل".
وتأتي هذه الوثيقة في الوقت الذي تتكثف فيه الاجتماعات الدولية لمناقشة الملف السوري. وكأن هذه الوثيقة تحاول رسم معالم الطريق الذي ينبغي أن تسلكه اللجنة، وتُذكر المجتمع الدولي بأن اللجنة هي بوابة للدخول إلى الحل السياسي، وأن الدستور والانتخابات ليسا كافيين دون تطبيق بقية القرارات، كما أن الوثيقة تُذكر بمرجعية اللجنة الدستورية.
في غضون ذلك، ما زال النظام السوري يحاول التقليل من أهمية اجتماع "اللجنة الدستورية" المقبل، إذ لن تحضر لائحة النظام في "الدستورية" إلا وقت الاجتماعات، وقد رفضت الاجتماعات المشتركة، كما أنها لن تُطيل الإقامة في جنيف، ولا تريد أن يكون افتتاح اللجنة رسمياً. وكلها مؤشرات على أن النظام يرفض الدخول في هذا المسار، لكنه يتعرض لضغوط كبيرة من الجانب الروسي للدخول في هذا المسار، بحسب ما علمت "المدن".
وقد اعتذرت لمى قنوت، عن المشاركة في لائحة "المجتمع المدني" ضمن "اللجنة الدستورية"، وأصدرت بياناً جاء فيه: "لقد تجاوز تشكيل اللجنة الدستورية الانتقال السياسي وتشكيل هيئة حكم انتقالي وبذلك أصبحت العملية السياسية كمن يضع العربة أمام الحصان ويتوقّعها أن تسير إلى الأمام"، إذ "لم يكن هدف السوريين/ات هو كتابة دستور، بل الانتقال من الاستبداد واحتكار السلطة إلى الديموقراطية ودولة المواطنة"، و"إن الدستور يجب أن يصدر عن هيئة منتخبة أو عن هيئة منبثقة عن هيئة منتخبة بطريقة حرة ونزيهة، لكن هذه اللجنة ومنتجها مشكوك في شرعيتها، وأنا لا أقصد شرعية قرارات مجلس الأمن، بل الشرعية الوطنية والتوافق الوطني، وقد لاحظتم أن الكثير من السوريين/ات عبروا/ن عن رفضهم/ن لهذا المسار ولهذه اللجنة".
وتابعت: "تتضمن كتلة المجتمع المدني أفراداً غير مستقلين/ات كما يفترض أن تكون، وأفراداً لا يملكون/ن المعرفة التي تؤهلهم/ن للخوض في نقاشات نصوص دستورية". إذ "إن هذا المسار، سيجذر تعويم الأسد وأجهزته الأمنية، رغم كل ما ارتكبه هذا النظام من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسيبسط يد أمراء الحرب، وسيغلق الباب أمام العدالة الانتقالية".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد قال الجمعة: "يسرني عدم ورود أي أنباء عن تصعيد جديد أو صدامات بشمال شرقي سوريا". وأكد "من الواضح بالنسبة إلي أن ما حدث بشمال سوريا يدل على أن الوقت حان لمناقشة إنهاء اللعبة بشكل جدي". وتابع الأمين العام قائلاً: "وإذا كان هذا صحيحا، فإن العملية السياسية تكتسب أهمية أكثر مما كان في أي وقت مضى. ونركز جهودنا على أن تبدأ اللجنة الدستورية بالعمل في جنيف، في الخطوة الأولى نحو إنهاء هذا الفصل المأساوي في حياة الشعب السوري".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها