استفاقت مدينة السويداء على جريمة غير مسبوقة، الأربعاء، تمثلت بوضع رأس مقطوع لبدوي من عشائر السويداء، في باحة جامع بلدة المقوس، مرفقاً بعبارة: "هذا مصير كل بدوي في السويداء".
مدير "شبكة السويداء 24" نور رضوان، قال لـ"المدن"، إن الرأس المقطوع يعود لعلي خلف النادر، الذي اختطف قبل أسبوع بعد مداهمة مسلحين مجهولين لمنزله قرب قرية ولغا غربي السويداء. وطالب خاطفوه بفدية مالية قدرها 8 ملايين ليرة، مقابل إخلاء سبيله، قبل يومين من قتله. وأوضح رضوان أن الجهة الخاطفة لم تعلن عن نفسها، واتصلت بذوي الضحية قبل ثلاثة أيام، من جوال النادر الشخصي، تطالب بالفدية المالية وتهدد بقتله في حال عدم دفعها. والنادر كان راعياً للمواشي، ونفت عائلته وجود أي تهم تستدعي اعتقاله سواء من النظام أو من الفصائل المحلية.
أهالي حي المقوس، الذي تقطنه أغلبية عشائرية، تفاجأوا برأس جثة النادر داخل باحة المسجد. وهي حادثة لم يسبق لها مثيل في السويداء، بقطع رأس مدني أعزل، ووضعه في أحد دور العبادة المقدسة، مرفقاً بعبارات طائفية. رضوان أكد أن الفاعل يسعى لإثارة عداء طائفي بين الدروز والبدو، المستفيد منه هو المسؤول عن الجريمة.
وحضرت دورية من فرع "الأمن الجنائي" إلى مكان الحادثة، وأخذت أقوال بعض السكان، ثم انصرفت وبحوزتها رأس القتيل.
وتأتي هذه الحادثة بعد انتهاكات واسعة طالت أبناء العشائر في السويداء، في الآونة الأخيرة. واختطفت فصائل محلية أكثر من 40 بدوياً، بينهم نساء وأطفال، بتهم مختلفة، يتعلق أغلبها بالتعامل مع "داعش"، وهي التهمة الأكثر شيوعاً اليوم في السويداء، والتي تستغلها الفصائل المحلية والمليشيات الموالية وحتى العصابات في عمليات اختطاف المواطنين. وتبرر تلك المجموعات المُسلّحة، بشكل دائم، انتهاكاتها بحق البدو، بقضية العثور على جثث بدو من عشائر البادية الشرقية بين قتلى "الدواعش" يوم هجمات التنظيم على السويداء في تموز/يوليو.
القتيل هذه المرة، النادر، هو من عشائر ريف السويداء الغربي، ما ينفي أي ادعاء بعلاقته مع "داعش"، وفقاً لأقاربه الذين أكدوا أنه مجرد راع للمواشي، ولم تمتلك عائلته المبلغ الذي طلبه الخاطفون لدفع الفدية المالية.
أقارب الضحية وضعوا أطرافاً متعددة في السويداء في دائرة الاتهام، من بينهم "حركة رجال الكرامة" التي سبق وأعلنت عن إطلاق حملة أمنية لاعتقال المشتبه بتعاملهم مع "داعش" من عشائر ريف السويداء الشرقي، ونفذت مداهمات في المنطقة. كما اتهم أقارب الضحية فصائل محلية أخرى، وأشخاصاً متهمين بالانتماء لعصابات الخطف، من دون تقديم أي دلائل ملموسة حول الجهة المنفذة للحادثة.
عملية اختطاف النادر نفذها أكثر من عشرة مسلحين، كانوا يستقلون سيارتي دفع رباعي، إحداهما مزودة برشاش متوسط. وهذه السيارات والأسلحة بات بامكان أي مجموعة في السويداء الحصول عليها، وسط
انتشار السلاح بشكل عشوائي وغير مسبوق منذ هجوم تنظيم "داعش".
"حركة رجال الكرامة" أدانت الجريمة في بيان صدر عن جناحها الإعلامي، معتبرة أنها "محاولة من أيادٍ خفية لإثارة الفتنة بين مكونات المحافظة المتعايشة منذ مئات السنين"، وأكدت أن الجريمة "لا تمت بأي صلة لعادات وتقاليد مجتمع السويداء ومخالفة للتعاليم الدينية"، مشيرة إلى أنها لا تختلف عن ذبح مهند ابو عمار، على يد "داعش" مطلع آب/أغسطس.
"الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء" نددت بالجريمة، واعتبرت أنها تهدف "لتقويض العلاقات الأهلية والتاريخية بين سكان الجبل بكل مكوناته"، مؤكدة أن ما حصل "هو رد شرير على ما تم التوصل اليه من تكاتف اهله جميعا من اجل الحفاظ على اللحمة الوطنية والسلم الأهلي". وصدرت بيانات شجب واستنكار من فعاليات ثقافية وشخصيات اجتماعية عديدة على ساحة المحافظة، من ضمنهم زعيم عائلة هنيدي، أكبر عائلات ريف السويداء الغربي عاطف فضل الله هنيدي، الذي شدد على أن البدو مكون أساسي من مكونات المحافظة.
و
يزداد التوتر الطائفي/الإثني في السويداء بين الدروز والبدو، وسط محاولات العقلاء من الطرفين احتواءه، إلا أنه يرتبط بشكل وثيق بملف مختطفي دروز السويداء من النساء والأطفال لدى "داعش". وتعتبر مليشيات السويداء المحلية اختطاف أبناء العشائر حقاً مشروعاً لها، بهدف جمع المعلومات عن مكان ومصير النساء والأطفال المخطوفين. ما يؤكد أن المماطلة في إنهاء ملف المختطفين لدى "داعش" تؤدي لزيادة التوتر بين الطرفين.
وقد ذهبت وعود الضباط الروس ومسؤولي النظام لوجهاء المحافظة بإطلاق سراح المخطوفين قبل عيد الأضحى أدراج الرياح، وسط تكتم النظام عن تفاصيل المفاوضات، والإدعاء بأن الملف مرهون بالعمليات العسكرية في بادية السويداء. ويثير ذلك قلق الأهالي من تقصّد المماطلة، بهدف اشعال اقتتال داخلي في السويداء، ينهك المجتمع، ويُسهّل للنظام والروس السيطرة على المحافظة المحايدة بذريعة إنهاء الاقتتال.
وسيطرت قوات النظام والمليشيات الموالية على سد مياه هاطيل في منطقة الصفا، أبرز معاقل "داعش" شرقي السويداء، وفق وكالة "سانا". وتقدمت المليشيات كيلومتراً من غربي الصفا وكيلومترين من جنوبها. تقدم بطيء جاء بعد أربع محاولات اقتحام فاشلة للمنطقة نفذها النظام خلال أسبوعين، في ما قيل إنه نتيجة مقاومة عناصر التنظيم واعتمادهم على الكمائن وعمليات الالتفاف مستغلين وعورة التضاريس في المنطقة. وتجاوزت حصيلة المواجهات خلال أسبوعين في منطقة الصفا لوحدها 40 قتيلاً من عناصر النظام، وأكثر من 150 جريحاً. فيما قتل حوالي 30 من عناصر "داعش" وألقى النظام القبض على عشرة أخرين، بحسب إحصاءات ناشطين في السويداء.
ضراوة المواجهات في المنطقة أدت لانسحاب حوالي 50 عنصراً من "الفرقة 15" من قوات النظام، وجميعهم من أبناء السويداء، ممن عادوا إلى منازلهم رافضين الذهاب مجدداً إلى المنطقة. وأعلن مقاتلون من مليشيا "الدفاع الوطني/مركز السويداء"، الأربعاء، إتمام مهمتهم ضمن قطاع "الفرقة الثالثة"، بعد السيطرة على قبر أم مرزوقة، وسط معلومات عن انسحاب معظم مقاتلي المليشيا من محور الصفا وإعادة انتشارهم في ريف السويداء الشرقي. وقد أرسلت قوات النظام تعزيزات جديدة خلال الأسبوع الماضي.
ورغم إعلان وسائل إعلام النظام عن السيطرة على كامل الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، لا تزال الفصائل المحلية والمليشيات الموالية في قرى الريف الشرقي ترصد محاولات تسلل لـ"الدواعش"، كما تتعرض نقاط الفصائل لإطلاق نار بين الحين والأخر، كان أعنفها ليل الأربعاء/الخميس تزامناً مع سقوط قذائف هاون قرب نقطة تابعة لمليشيا "الدفاع الوطني" في تل بركات، الذي يبعد كيلومتراً واحداً عن قرى السويداء الشرقية، من دون وقوع أضرار بحسب الشبكات المحلية.
وتغيب سلطات النظام في محافظة السويداء عن الأحداث الداخلية، وتقتصر مهمتها على إحصاء أعداد المخطوفين ونقل جثث المقتولين، وسط ترقبها لاندلاع الاقتتال الداخلي. أخر إنجازات أجهزة النظام، الأسبوع الماضي، كانت إلقاء القبض على متهم بسرقة بقرة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها