أطلقت "حركة رجال الكرامة" سراح 60 شخصاً، نصفهم من الأطفال والنساء، بعد قرابة شهرين على اختطافهم في أنحاء متفرقة من السويداء خلال حملة مداهمات سابقة نفذتها "الحركة" في آب/أغسطس.
مصادر "المدن" أكدت أن ضغوطاً شديدة من الهيئات الدينية الدرزية في السويداء ولبنان وفلسطين، تعرض لها قائد "الحركة" الشيخ يحيى الحجار، خلال الأيام الماضية، طلبت منه إطلاق سراح جميع المختطفين من أبناء العشائر "من دون قيد أو شرط". كما هددت "الهيئة الروحية الدرزية" في السويداء، رجال الدين في "رجال الكرامة" وعلى رأسهم الحجار، بإبعادهم دينياً وإطلاق حرم عليهم وإخضاعهم لمحكمة دينية. ويأتي ذلك بعد طلبات روسية متعددة رفضتها "رجال الكرامة"، بالإفراج عن المختطفين، والسماح للعشائر بالانتقال إلى درعا.
واتفق على تسليم المختطفين على دفعتين إلى شيخ عقل الطائفة يوسف جربوع، إلا أن عملية التسليم في منزل جربوع، حضرها ضباط روس والمسؤول عن تشكيل "الفيلق الخامس" في السويداء عماد العقباني. وتم تسليم النساء والأطفال في ساعات ظهيرة الأحد، والرجال مساءً.
مدير "شبكة السويداء 24" نور رضوان، قال لـ"المدن"، إن المختطفين من عشائر البادية، وعددهم 18 إمرأة و7 أطفال و37 رجلاً، اختطفوا في ظروف مختلفة في آب/أغسطس إثر حملة أمنية نفذتها "رجال الكرامة" في ريف السويداء الشرقي، داهمت خلالها الأماكن التي نزحت لها عشائر البادية بعد هجوم "داعش" على السويداء نهاية تموز/يوليو، مضيفاً: "الحركة اعتقدت أن اختطاف عائلات من عشائر البدو قد يضغط على الدواعش نتيجة تواجد أفراد من البدو في صفوف التنظيم، واستهدفت عمليات الاختطاف كل عائلة يشتبه بتعامل أحد أقاربها أو انتسابه للتنظيم، لكن أكثر المتورطين من المختطفين كانوا من المهربين، وليس بينهم أي شخص من داعش".
العشائر التي نزحت إلى ريف السويداء الشرقي من البادية، كانت قد تعرضت لانتهاكات واسعة من "داعش" قبل هجوم السويداء، بين سلب لممتلكاتهم واختطاف أبنائهم وقتل بعضهم. التنظيم الذي مارس الانتهاكات بحق البدو، لم يكترث لمصير المختطفين، بحسب رضوان، وهذا ما توصلت إليه "رجال الكرامة" بعد حوالي 50 يوماً من اختطافهم، رغم محاولات بعض وجهاء العشائر التواسط مع "داعش" لإطلاق سراح مختطفي السويداء. إلا أن رد التنظيم كان متوقعاً عندما قال أحد قادته: "انتم البدو مرتدين مثل الدروز اذبحوا بعضكم أو انتظرونا".
الحجار قال خلال الاجتماع في منزل جربوع، إن "الحركة" جاهزة لتحمل ضغط دول، لكن ضغط "الهيئة الروحية" وزعماء الطائفة هو كـ"حد السيف عليهم"، وأضاف أن جميع من اختطفتهم "الحركة" من العشائر متورطين أو تربطهم صلة قرابة مع "الدواعش"، ثم ذكر أن إفراج "الحركة" عنهم كان تكريماً لـ"الهيئة الروحية"، التي كرمت بدورها روسيا وسلمتها المختطفين. ووجه الحجار كلامه إلى ضابط روسي في الاجتماع، بالقول إن على روسيا العمل بشكل جاد على إطلاق سراح نساء وأطفال السويداء المختطفين لدى "داعش"، ثم تطرق إلى "موقف الحركة الرافض للتقسيم ومحاربة الإرهاب والحفاظ على مؤسسات الدولة".
مشيخة عقل الدروز في السويداء تعرضت لضغوطات عديدة من النظام والروس من أجل الإفراج عن مختطفي العشائر، وفق رواية مصدر مقرب من مشيخة العقل لـ"المدن". وأوضح المصدر أن مسؤولي النظام في السويداء، ومبعوثين من جانب روسيا، ترددوا مرات إلى شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، طالبين منهم الإفراج عن مختطفي العشائر، لكن "رجال الكرامة" لم تستجب لمطالب "الهيئة" في السويداء. الضغط تزايد على "الحركة" من الهيئات الدينية الدرزية في لبنان والأردن وفلسطين التي زار الزعيم الروحي للطائفة الدرزية فيها الشيخ موفق طريف، روسياً مؤخراً، وعقد لقاءات مع مسؤولين فيها منهم المبعوث الخاص للرئيس لشؤون الشرق الأوسط، وطالب خلالها روسيا بحماية دروز سوريا والإفراج عن المختطفين لدى "داعش".
روسيا "تلعب على الحبلين"، بحسب مدير "السويداء 24"، إذ ستسلم أطفال ونساء العشائر المفرج عنهم إلى "الفيلق الخامس" في درعا الذي يتزعمه القائد السابق لـ"شباب السنة" أحمد العودة، مقابل توجه 350 مقاتلاً من "الفيلق" لمؤازرة قوات النظام التي تتعرض لخسائر فادحة في معاركها مع "داعش" على جبهة تلال الصفا شرقي السويداء، منذ شهر ونصف. "الفيلق" كان قد رفض المشاركة في معارك بادية السويداء طالما أبناء البدو مختطفين لدى فصائل السويداء. ونجح العودة، من خلال تبني ملف مختطفي العشائر ومطالبة الروس بالإفراج عنهم باستقطاب العشرات من أبناء عشائر بادية السويداء، للانخراط في "الفيلق الخامس"، الأمر الذي سيضفي فاعلية أكبر في قتاله "داعش" في تلال الصفا. فأبناء البادية يمتلكون خبرة عالية في هذه المنطقة المعقدة جغرافياً، تفوق خبرة النظام الذي فشل في ضمهم لصفوفه سابقاً من خلال "التسويات" التي طرحها عليهم.
وقتل أكثر من 40 عنصراً من قوات النظام، خلال الأسبوع الماضي، نتيجة المواجهات مع "الدواعش" شرقي السويداء. وقالت مصادر إعلامية أن القيادي في التنظيم أحمد الدكاك، وثلاثة عناصر معه، قتلوا الجمعة، في قصف جوي، أثناء محاولة "الدواعش" فتح جبهة جديدة باتجاه منطقة رجم البقر شمال شرقي السويداء التي يسيطر عليها النظام.
التوتر الذي تعيشه السويداء لا زال قائماً، رغم الإفراج عن مختطفي البدو. وبعد ساعتين من الاتفاق، دخلت سيارة يستقلها مسلحون مجهولون إلى حي المقوس الذي تقطنه عشائر البدو في مدينة السويداء، وأطلقوا النار على مجموعة أطفال ما أدى لإصابة طفلين بجروح بالغة، نقلوا على إثرها إلى العناية المشددة. وتزامنت الحادثة مع إطلاق نار مجهول المصدر تعرضت له سيارات عابرة يستقلها مواطنون من السويداء، على طريق ظهر الجبل، قرب حي المقوس. واتهم البدو دروزاً بإطلاق النار على الأطفال، واتهم الدروز البدو بإطلاق النار على السيارات العابرة.
وفي قرية أم الرمان جنوبي السويداء رحلت عشائر البدو التي كانت تقطن المنطقة باتجاه ريف درعا قبل أيام، بعد تعرض أحد أفرادها سلمان عيد المحارب، للخطف مطلع أيلول/سبتمبر، ورفض العشيرة دفع الفدية المالية التي يطلبها الخاطفون. العشائر أطلقت تهديدات لأهالي المنطقة بعد رحيلها بعمليات خطف مضاد في حال لم يطلق سراح المحارب.
مصير مختطفي السويداء لدى "داعش" لا زال مجهولاً، وسط وعود روسية أطلقت خلال تسليم مختطفي العشائر، بالعمل على إطلاق سراحهم. ووردت أنباء متضاربة عن قرب انتهاء الملف وموافقة النظام على الإفراج عن عشرات الأسرى من نساء ورجال تابعين لـ"داعش" مقابل الإفراج عن مختطفي الدروز. النظام والجانب الروسي سبق وقدموا وعوداً مشابهة مراراً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها