على الرغم من بدء عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم في مثلث الموت بين درعا وريف دمشق والقنيطرة، عقب اتفاق "مصالحة" بين المعارضة والنظام، فالانتهاكات بحقهم لم تتوقف من قبل قوات النظام ولا من قبل "مؤسسات الدولة".
وسمحت قوات النظام لأهالي قرى مثلث الموت بالدخول إلى بلداتهم منذ مطلع آب/أغسطس، وبدأت إصدار بطاقات مؤقتة للمطلوبين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، ومدتها 6 أشهر. قوات النظام والأجهزة الأمنية لم تأخذ "التسوية" بعين الاعتبار، وفق ما قالته مصادر ميدانية لـ"المدن".
مصادر "المدن" أشارت إلى أنه ومنذ يومين، بدأت قوات النظام السؤال بشكل مكثف عن المطلوبين رغم عدم انتهاء عملية "التسوية" للجميع. المطلوبون لفرع "الأمن العسكري" في سعسع، تبحث عنهم الحواجز بشكل يومي، بالتفتيش والتدقيق، وإزعاج ذويهم واستدعائهم للتحقيق.
أحد المفاوضين مع الجانب الروسي، قال لـ"المدن"، إنه لا توجد ضمانة حقيقية بـ"عدم التعرض أو اعتقال أحد، فالجانب الروسي حتى الآن لم يلتزم بما قاله، خاصة على صعيد التسهيلات"، وأضاف: "تواصلنا مع الروس لمرات بخصوص تجاوزات حواجز دير ماكر وبوابة المثلث قرب كفرناسج، لكن الروس يستمعون إلى ذلك من دون اتخاذ أي قرار أو الضغط على قوات النظام".
وتابع المفاوض: "الروس يبلغون قوات النظام بلا أي تغيير ملموس. بل على العكس، عقب إبلاغنا الطرف الروسي بمضايقات الحواجز زادت تصرفاتها سوءاً". وباتت بعض الحواجز تفتش السيارات والأفراد بشكل مخزٍ ومهين، بحسب الأهالي، بالإضافة إلى الكلام المستفز لافتعال المشاكل. وينذر ذلك بالخطر، عقب انتهاء صلاحية بطاقات "تسوية الوضع" التي تمنحها "اللجنة الأمنية" جنوب سوريا لهم. المفاوض أكد أنه :"لا وجود لضامن حقيقي يضمن حياة الشباب".
وأكدت مصادر "المدن"، أن النظام طالب الأهالي فور عودتهم إلى قرى المثلث بدفع حوالي 100 دولار عن كل منزل، أو تسليم قطعة سلاح فردي عن كل شاب يزيد عمره عن 18 عاماً.
وتصل نسبة الدمار في قرى وبلدات منطقة مثلث الموت إلى نحو 80 في المائة، وتفوق قدرة الأهالي على إعادة تأهيل منازلهم. مصادر "المدن" أشارت إلى أن المنطقة تحوي أكثر من 1000 منزل متضرر بحاجة لإعادة تأهيل أولي بما لا يقل عن 2000 دولار للمنزل الواحد. قوات النظام والمليشيات الموالية عمدت قبل خروجها من المنطقة، والسماح للأهالي بالدخول، إلى تعفيش كل شيء، بما في ذلك الأبواب والنوافذ.
أبو أحمد، العائد إلى بلدته مؤخراً، قال لـ"المدن"، إن أغلب الأهالي عادوا إلى قراهم ضمن إطار المصالحة والتسوية مع قوات النظام، ليتفاجأوا بأن منازلهم معفشة بالكامل حتى من سيراميك الحمامات والبلاط. وأضاف أن المليشيات هدمت سطوح بعض المنازل لتعفيش الحديد منها.
وعلى الرغم من التعفيش واسع النظاق والمنهجي، فقد قررت "مؤسسات الدولة"، فور عودة الأهالي، ملاحقتهم لتسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف. وقال أبو أحمد، إن فواتير جيرانه وصلت إلى ما يقارب 4 آلاف دولار، على الرغم من انقطاع الخدمات كلياً منذ العام 2015، وتهجير أهالي المنطقة.
وقالت مصادر ميدانية من مثلث الموت إن "التسوية" لم تشفع للأهالي. فـ"الدوائر الرسمية" تطالب بدفع كافة المستحقات المالية قبل إعادة الخدمات، ولا سبيل لدى الأهالي سوى الطعن بقيمة هذه الفواتير لتخفيضها.
وأضافت مصادر "المدن" أن التخفيض بعد الطعن كان شكلياً، فوصلت قيمة الفواتير إلى 200 ألف ليرة سورية، بينما رفضت "الدوائر الرسمية" كثيراً من الطعون، لكنها قبلت بتقسيط الدفع لبعض العائلات. فقبلت بتقسيط فاتورة كهرباء صادرة بحق أحد البيوت المهدومة والمُعفّشة بـ400 ألف ليرة، على 16 شهراً بواقع 25 ألف ليرة شهرياً. تتهكم المصادر بالقول إن "دوائر النظام تعتبر ذلك حقاً، وأموال للدولة يجب إعادتها".
ولم تبدأ حتى اللحظة عمليات ترميم المؤسسات الرسمية كالمدارس والمراكز الطبية، ولم تُستبدل الحواجز العسكرية المنتشرة بكثافة بمخافر الشرطة، ولم تخرج المجموعات العسكرية والمليشيات بشكل كامل من المنطقة.
ورغم تضمين اتفاقيات "المصالحة" بنوداً حول الكشف عن مصير المعتقلين وتهرب النظام من تطبقها، فقد غابت عن اتفاقية مثلث الموت جنوبي سوريا، وظلّ مصير أكثر من 100 معتقل مجهولاً. وأرجعت مصادر "المدن" غياب تلك البنود إلى رفض النظام نقاش الموضوع، وسط تخوّف لجنة التفاوض عن المثلث حينها، بأن تمسكها بهذا البند سيكون سبباً لافشال اتفاق "المصالحة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها