نقلت أجهزة النظام الأمنية خلال الأسبوع الماضي مئات الشبان من "مراكز الإيواء" المخصصة لأهالي الغوطة الشرقية إلى أماكن مجهولة بذريعة استكمال عملية "التسوية الأمنية".
وتم ترحيل العدد الأكبر من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18-50 عاماً، بحافلات جماعية على دفعات من مركز مؤسسة الكهرباء في بلدة عدرا شمال شرقي الغوطة. وشملت الدفعة الأولى 200 شاب والثانية 300، بالإضافة لدفعات من مراكز أخرى. وسبق ذلك إحضار الشبان المتواجدين في مركزي النصر والمدارس في عدرا وتجميعهم في مركز الكهرباء بعد توفر بعض الأماكن نتيجة السماح لعشرات العائلات بالعودة إلى الغوطة الشرقية. وبعدها اقتصر مركزا النصر والمدارس على وجود العائلات فقط.
وذكر مصدر خاص من مركز إيواء الكهرباء لـ"المدن"، إن بعض حافلات الشبان تم إرسالها إلى بلدة ببيلا جنوبي دمشق لإتمام عملية "التسوية" بإشراف الشرطة الروسية بشكل مباشر. وأضاف المصدر إن وفداً من الشرطة الروسية زار الأحد مراكز الإيواء الثلاثة في عدرا بعد إبلاغ الشرطة الروسية بعشرات الشكاوى المنقولة عن العائلات المقيمة هناك والتي أعربت عن استيائها من طول فترة المكوث في المراكز ومن سوء معاملة عناصر النظام لهم، ومن سوء الخدمات الصحية والطبية والغذائية، بالإضافة إلى تشتيت أفراد العائلة في مختلف المراكز.
وتطالب العائلات المحتجزة في مختلف مراكز الإيواء بالسماح لها بالعودة إلى منازلها في الغوطة الشرقية، خاصة أن مليشيات النظام فتحت معظم الطرقات من وإلى مدن الغوطة الشرقية وسمحت لكافة العائلات المتواجدة في مختلف مناطق دمشق وريفها بالعودة إلى منازلها.
في المقابل، رفضت عائلات مغادرة مراكز الإيواء، بعدما سُمح لها بذلك، من دون الرجال الذين ما زالوا قيد الاحتجاز حتى إتمام "التسوية الأمنية". وفعلت العائلات ذلك كي تضغط بشكل غير مباشر على الأجهزة الأمنية للإسراع بفك احتجاز الرجال.
ويوضح ترحيل الشباب إلى ببيلا أن الشرطة الروسية قررت أخيراً التدخل لإنهاء ملف مراكز الإيواء بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على سيطرة مليشيات النظام على الغوطة بدعم روسي مباشر. وتخضع ببيلا جنوبي دمشق لسيطرة الروس بشكل كامل مع تواجد رمزي لمليشيات شيعية ومليشيات النظام. وكانت وسائل الإعلام قد نشرت صوراً في أيار/مايو لجنود روس وهم يعاقبون جنوداً سوريين بسبب إقدامهم على تعفيش منازل المدنيين في المنطقة.
وربما يميل الروس الى ضرورة الإسراع بإتمام عمليات "التسوية الأمنية" لمنطقة الغوطة الشرقية خاصة المحتجزين في مراكز الإيواء، بعدما تأخرت عن بقية المناطق كالقلمون الشرقي وجنوبي دمشق. كما دخلت مدن ريف درعا الشرقي التي سيطرت عليها مليشيات النظام مؤخراً في ملفات "التسوية"، وفيها آلاف الشبان الذين هم بحاجة لـ"دراسة أمنية". لذا، يعتقد أن الشرطة الروسية قررت التدخل بشكل مباشر وإنهاء إجراءات "التسوية" بالسرعة القصوى للموجودين في مراكز الإيواء، لا رغبةً بطمأنة الشبان الذين كانوا خلال السنوات السابقة قوة مضادة ولو نظرياً للنظام السوري وإنما لتجميل الوضع الأمني السوري والانتقال إلى المراحل التالية من سيناريو الحل الذي ترسمه روسيا في سوريا.
"تسوية الأوضاع الأمنية" للذكور في مراكز الإيواء لم تأخذ اتجاهاً واحداً قبل تدخل الروس، إنما تنوعت عمليات "التسوية" ما بين الأمنية الصرفة والأمنية القانونية. والأمنية الصرفة كانت بتسابق مختلف الأجهزة الأمنية النافذة في ملف الإيواء إلى انتقاء فعاليات ثورية سابقة، كالأطباء والمعلمين والإعلاميين وعناصر الدفاع المدني، وترحيلهم إلى أماكن إقامة جبرية تتبع لرقابة تلك الأجهزة وسلطتها المباشرة، في حي الميدان الدمشقي ومدينة التل.
الطرق الأمنية القانونية هي التي إعتمدتها الأجهزة الأمنية مع الشبان البسطاء الذين لم يكن لهم دور في الحراك الثوري أو العسكري وجرت عملية "التسوية" معهم كإجراء روتيني. معظم الذين سمح لهم بمغادرة مركز الإيواء كانوا من هذه الفئة.
ونجم عن إطالة التحقيق مع محتجزي مراكز الإيواء اعتقال عشرات الشبان من مدن الغوطة الشرقية بعدما وشى بهم معارفهم في التحقيقات، واتهموهم بالتورط بأعمال أمنية وجنايات خلال الثورة. كما طالت الاعتقالات منتسبي فصائل المعارضة البارزين ممن وجهت لهم أسئلة عن أماكن دفن جثث قتلى المليشيات الأجنبية الموالية للنظام في مختلف معارك الغوطة، خاصة "معركة الله أعلى وأجل" في العام 2013 والتي قضى فيها 800 عنصر من مختلف المليشيات وفق بيان قيادة المعارك آنذاك. كما سُئل المعتقلون عن أماكن وجود أسلحة وذخيرة قد تكون فصائل المعارضة قد أخفتها قبل تهجيرها إلى الشمال السوري.
كما اعتقلت الأجهزة الأمنية شباناً مبتوري الأطراف ممن لا يليقون للخدمة العسكرية، وغيرهم من الوحيدين لوالديهم والذين يمنع القانون تجنيدهم في الجيش. وطالت الاعتقالات رجالاً كانوا قد خرجوا مع قوافل التهجير للشمال السوري وعادوا من تلقاء أنفسهم بوسائط النقل العادية بعدما أشاع الإعلام الرسمي السماح لمن يرغب بالعودة إلى منزله ويسمح له بـ"تسوية وضعه" أسوة بمن بقي في الغوطة.
ووفقاً لاتفاق "التسوية" كان من المفترض إعطاء الشبان مهلة 6 أشهر قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية أو الاحتياطية أو متابعة الحياة الطبيعية، إلا أن ما حدث هو سوق مئات الشبان من مراكز الإيواء إلى جبهات القتال في مخيم اليرموك والحجر الأسود منذ وجبهات درعا.
سوق شبان الغوطة إلى الجبهات، مخالف لشروط "التسوية"، ويتم بنسبة أكبر من مناطق "التسويات" الأخرى، لأن تلك المناطق كجنوب دمشق والقلمون الشرقي تخضع لسلطة الشرطة العسكرية الروسية بشكل مباشر. في حين استغلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بُعد الشرطة الروسية عن ملف مراكز الإيواء في الغوطة وخالفت شروط التسوية ومهلة الشهور الستة، وزجت شبان الغوطة بالمعارك.
كما أن الخبرة العسكرية الكبيرة لمقاتلي الغوطة وقدرتهم على التأقلم مع كافة الظروف القتالية والمعيشية، كونهم عاشوا في ظروف الحصار القاسية وشاركوا بمعارك الغوطة على مدار 6 سنوات وعلى مختلف جبهات الغوطة بين معارك المدن والاراضي الزراعية، تؤهلهم، من وجهة نظر النظام، لخوض المعارك الحالية وتجعلهم ركيزة صمود وورقة رابحة. في حين أن شبان بقية المناطق عاشوا "هدناً" مع النظام لم تشهد معارك حقيقية منذ سنوات، وكانت تتوفر لديهم كافة الاحتياجات المعيشية التي كفّت عن إكسابهم خبرات مميزة.
أظهرت الاعتقالات الأخيرة والتفاف الأجهزة الأمنية على القرار الروسي انتهاء شهور العسل بين النظام وأهالي الغوطة، وانتهاء دعايته الإعلامية التي قالت إن "حضن الوطن يتسع للجميع". فقط معتقلات النظام تتسع للجميع.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها