يواصل النظام السوري بيع ثروات البلد الطبيعية، بأبخس الأثمان، لحلفائه، وقد يصل في تصرفاته مستقبلاً إلى حد منح روسيا "هبات" مقابل دعمها العسكري والسياسي. والنظام ينتقي ما يبيعه، بعناية فائقة، فالعديد من الشركات التي أعلنت روسيا الاستيلاء عليها، هي شركات رابحة وتكاد تكون الوحيدة الرابحة في القطاع العام السوري. وترتكز تلك الشركات على الصناعات المرفقة بمنشآت وحقول الثروات الطبيعية ومشتقاتها، كالنفط والفوسفات، والتي بقيت محور اهتمام إقليمي، حتى عندما فقد النظام سيطرته عليها.
"شركة ستروي ترانس غاز" الروسية العملاقة، وضعت يدها مؤخراً على مجمع الأسمدة الوحيد في سوريا، من خلال عقد طويل الأجل، لمدة 40 عاماً. المدير العام لـ"الشركة العامة للصناعات الكيماوية" أسامة أبو فخر، كان قد أعلن التوصل لاتفاق سيجري توقيعه خلال الأيام القليلة المقبلة مع شركة "ستروي ترانس غاز" تسيطر بموجبه الشركة الروسية على مجمع الأسمدة المكون من ثلاثة معامل؛ معمل السوبر فوسفات، ومعمل اليوريا، ومعمل نترات الأمونيوم، وتكون حصة "الحكومة" من الأرباح 35 في المئة، مقابل 65 في المئة للشركة الروسية.
وتتراوح فترة الاستثمار ما بين 25 إلى 40 سنة، ويتم تجديدها بموافقة الطرفين بعد الفترة الأولى من الاستثمار وتقييمها، والتي غالباً ستكون أول 25 سنة.
ويعني الاتفاق الجديد، أن النظام يتخلى مجدداً عن أحد الأصول الاقتصادية الرئيسية للسوريين، ويضعها بين يدي دولة أجنبية، كما يربط سوريا بالتزامات طويلة لا يمكن التنصل منها بسهولة حتى إذا ما تغيّر النظام.
الاتفاق لا يحمّل الشركة الروسية أي مسؤولية عن ديون المعامل السابقة أو مستحقاتها المالية. وهذا قد يكون مُحقاً في ظروف غير الحرب، إلا أنه وفي ظل غياب المعلومات الدقيقة حول الوضع المالي لهذه المعامل، فما الجدوى من التخلي عن المجمع لصالح الاستثمار؟ وكيف يمكن تسديد الشركة العامة لديونها أو تحصيل مستحقاتها إن وجدت؟ وماذا يمكن أن يحصل في حال ترتّبت على مجمع معامل الأسمدة ديون بسبب الشركة الروسية، أو حتى إذا أصبح لها مستحقات؟ وهل تكفي حصة 35 في المئة لمواجهة الاستحقاقات الحالية والمستقبلية؟
ومن الأساسيات المتفق عليها في العقد الجديد، هي ملكية مجمع الأسمدة، والتي ستبقى ملكية عامة وكذلك لجميع الأصول الثابتة والمتداولة أي المعدات والآلات وملحقاتها. وكذلك تم الاتفاق على الاحتفاظ بالموظفين السوريين، بما في ذلك التوظيف الجديد الذي سينتج عن الاتفاقية. هذا بالإضافة إلى إلتزام الشركة الروسية بتأمين احتياجات سوريا من المنتجات الرئيسية والمشتقة للأسمدة خلال فترة الاستثمار وبأسعار مخفضة.
ويبرر النظام هذه الخطوة بأن مجمع الأسمدة بحاجة إلى تأهيل، وبعض الآلات والمعدات بحاجة إلى تحديث، وقد وصف الوضع بـ"المتردّي" للمجمّع. ويشير ذلك إلى ضعف السيولة النقدية بيد النظام، وهذا غالباً أمر واقع، لكن ما يزيد من الاستغراب هو التناقضات في التصريحات الرسمية. مدير الشركة العامة أبو فخر، قال لوسائل إعلام النظام، خلال فترة الحديث عن العقد الجديد مع الشركة الروسية، عن حجم الأعمال المحقق من مجمع الأسمدة خلال الشهور التسعة الماضية من العام 2018، إذ بلغت المبيعات الإجمالية حوالي 10.9 مليارات ليرة سوريا، بحدود 23.5 مليون دولار أميركي.
"ستروي ترانس غاز" هي فرع الهندسة والبناء لعملاق الطاقة الروسية "شركة غازبروم"، ولها تاريخ تعامل قديم مع سوريا ويشمل ذلك بناء محطتين لمعالجة الغاز في منطقة تدمر بقدرة مشتركة تبلغ 9 ملايين متر مكعب في اليوم، وكذلك بناء الجزء الأول من القسم السوري من خط الغاز العربي الذي يمتد من الحدود الأردنية إلى محطة ضخ الرّيان بالقرب من مدينة حمص.
وكانت الشركة الروسية قد وضعت يدها منذ شهور قليلة على حقول الفوسفات في الشرقية بتدمر، ولمدة 50 عاماً، بعدما حصلت على ترخيص يعطيها الحق في استخراج وبيع 2.2 مليون طن سنوياً من منجم الشرقية. وتلك الكمية من أهم المدخلات في صناعة الأسمدة في سوريا. ويبلغ إجمالي الاحتياطي المقدر للمنجم حوالي 1.8 مليار طن، وتبلغ حصلة الشركة الروسية من الأرباح 70 في المئة، مقابل 30% لـ"الحكومة" السورية.
وقد نقل عن "ستروي ترانس غاز"، مع بداية الربع الثالث من العام 2018، أنها ستستثمر نحو 150 مليون دولار في مصنع لـ"غسل" الفوسفات المستخرج من المنجم قبل تصديره بموجب عقد مع النظام.
وقد تأثر قطاع الأسمدة بالحرب الدائرة في سوريا، وأدى إلى توقفه نتيجة خروج حقوله ومعامله عن سيطرة النظام. وبفضل روسيا استعاد النظام حقول الفوسفات والمعامل في العام 2017 ورافق عودة الإنتاج، رفع أسعار الأسمدة المباعة للمزارعين بحسب نوعها من قبل الشركة العامة للأسمدة بنسب تراوحت ما بين 50% و145% ما ضيق الخناق عليهم. النظام برر ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الغاز الطبيعي المستخدم في المعامل. ويحتاج مجمع الأسمدة إلى حوالي مليون متر مكعب من الغاز للعمل. الدعم الروسي للنظام ساهم بإعادة السيطرة على حقول الغاز بالإضافة إلى الفوسفات. وكانت سوريا تلبي احتياجات السوق المحلي كاملةَ من الأسمدة، في حين تسيطر البضاعة المستوردة على السوق. المستقبل غامض أيضاً في ظل السيطرة الروسية على هذا القطاع.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها