لم يتوقع أهالي قرى وبلدات القنيطرة أن يختلف عيد الأضحى الحالي عما سبقه من اﻷعياد، خاصة من اختار منهم النزوح إلى مناطق سيطرة النظام بعيداً عن مناطق المعارضة. الواقع هذا العيد كان مختلفاً، فقد تواصل النظام قبل أيام، عبر وسطاء مدنيين، مع ممثلين عن المجلس المحلي وفصائل المعارضة من بلدة جباتا الخشب في ريف القنيطرة الشمالي، بهدف فتح الطريق الواصل بين بلدة جباتا الواقعة تحت سيطرة المعارضة ومدينة خان أرنبة الواقعة تحت سيطرة النظام، خلال أيام العيد.
وأسفرت المفاوضات عن تفاهم بين الطرفين، يقضي بفتح الطريق بدءاً من الخميس 31 آب/أغسطس حتى اﻹثنين 4 أيلول/سبتمبر، ليتمكن المدنيون من الذهاب عبر حواجز قوات النظام، من وإلى بلدة جباتا.
الطريق الواصل بين جباتا وخان أرنبة، كان قد أغلق من قبل النظام منذ عام ونصف العام، بهدف حصار جباتا وتجويع أهلها، ما اضطر أهالي البلدة ﻹختيار طريق بديل يربط البلدة بريف القنيطرة المحرر لتأمين احتياجاتهم. والطريق البديل معروف بإستهدافه المتكرر من قبل قوات النظام المتواجدة في مدينة البعث.
الاتفاق هش، بحسب أهالي البلدة، الذين اشترطوا أن يتم اﻹفراج عن معتقلي جباتا لقاء استمرار فتح الطريق.
المشهد ذاته تكرر في ريف المحافظة الشمالي، حيث أقدمت قوات النظام على إزالة السواتر واﻷلغام بين بلدتي جبا الخاضعة لسيطرة النظام وأم باطنة الخاضعة لسيطرة المعارضة، وسمحت للمدنيين بالعبور إلى قرى وبلدات الريف الأوسط والشمالي الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وبحسب قادة ميدانيين في المعارضة، فإن ما جرى كان من دون أن تنسق معهم قوات النظام بشكل مسبق، وهي التي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عنهم، الأمر الذي أكدته المجالس المحلية في المنطقة.
وسُمح لأهالي المنطقة المتواجدين في مناطق النظام، بدخول مناطق المعارضة، ولا سيما قرى وبلدات أم باطنة وممتنة ومسحرة والعجرف والمشيرفة وأم العظام ونبع الصخر ومجدوليا ورويحينة، في الريف الشمالي واﻷوسط من القنيطرة. وتجاوز عدد العائلات القادمة إلى مناطق المعارضة 200 عائلة، خلال اليومين الماضيين.
آراء المدنيين تباينت حول الموضوع، خاصة مُهجّري المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في ريفي درعا الشمالي واﻷوسط وريف دمشق الجنوبي، والمتواجدين في مناطق المعارضة. فقد منع النظام أهالي تلك البلدات من العودة إلى منازلهم، إلا عن طريق "المصالحة"، ومروراً من مناطق سيطرته.
بعض القادمين من مناطق النظام قالوا لـ"المدن"، إن النظام في مناطق سيطرته أبلغ رؤساء بلديات تلك القرى قبل أيام بأن الطريق الواصل بين بلدتي جبا وأم باطنة، سيعمل خلال أيام عيد اﻷضحى، وسيتم دخول الأفراد من دون سياراتهم أو أي وسائل نقل آخرى. والهدف من ذلك أن يتمكن المدنيون من تفقد ممتلكاتهم وزيارة أقاربهم في مناطق سيطرة المعارضة.
قوات النظام كانت قد أغلقت طريق جبا-أم باطنة منذ 4 سنوات، نتيجة المعارك التي شهدتها المنطقة، وبعد اتفاق "وقف إطلاق النار" أصبحت الفرصة مؤاتية لفتحه، بحسب الأهالي، الذي أملوا أن يستمر دخولهم وخروجهم منه من دون اعتراض الفصائل، اﻷمر الذي يمكنهم من العودة إلى بلداتهم والتنقل بينها وبين مناطق النظام.
ناشطون قالوا إن الهدف من إقدام النظام على فتح هذه الطرق، هو فتح ملف "المصالحات" وإعادة القرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة، تدريجياً لسيطرته، من دون الحاجة إلى القتال، وذلك عبر المغريات بإعادة الخدمات كالصحة والمياه والكهرباء مقابل بعض الطلبات المتمثلة بفتح المراكز الحكومية ورفع علم النظام وانعدام المظاهر المسلحة داخل المناطق السكنية. وهو ما يعني بسط سيطرة النظام بطريقة ناعمة، وضمان عدم شنّ المعارضة لهجمات في المستقبل القريب، على اعتبار أن النظام سوف يستخدم المدنيين كدروع بشرية وأداة ضغط على فصائل المعارضة.
قادة عسكريون معارضون قالوا لـ"المدن" إنه ليس باﻹمكان منع المدنيين من الدخول للمنطقة الخاضعة لسيطرة الفصائل. وعلى الرغم من عدم وجود أي تنسيق مسبق مع وسطاء في مناطق النظام، كما جرت العادة، خاصة وأن أغلب القادمين هم من النساء واﻷطفال، إلا أن اﻹجراءات اﻷمنية لا يمكن تجاوزها، وتم تفتيش جميع المارين. وقال القادة إن عودة أهالي المنطقة إلى مناطق النظام ستكون عبر الطريق ذاته، والذي سيتم إغلاقه آخر أيام العيد.
وهناك مخاوف عديدة في حال استمر عمل طريق جبا-أم باطنة، بالنسبة للمعارضة، وذلك لوجود نقاط رباط للفصائل في تل كروم القريب، والذي لا يبعد أكثر من كيلومتر واحد. وتزداد المخاوف من تجنيد النظام لبعض العملاء في المنطقة وزرع العبوات الناسفة بالقرب من نقاط الرباط، خاصة وأن الطريق مكشوف، وبإمكان قوات النظام تفجير العبوات عن بعد، كما يحدث في ريف درعا المحرر القريب من مناطق سيطرة النظام.
لطالما كانت المعابر التي تمّ فتحها مؤخراً بين مناطق المعارضة والنظام، سبباً في قتل العشرات، لكنها تعود اليوم لتكون متنفساً لحياة جديدة بحسب النظام، وخطراً على فصائل المعارضة إذا ما استمرت.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها