تكررت خلال الفترة الماضية عمليات الاستهداف لحواجز تتبع "الفرقة الرابعة" و"المخابرات الجوية" في درعا، بعضها تبنته ما تسمى "المقاومة الشعبية"، في حين أن الغالبية العظمى من تلك العمليات بقيت مجهولة المصدر.
وقد بات واضحاً أن عمليات الاستهداف المتكررة تهدف إلى إجبار المليشيات الإيرانية على الانسحاب من المنطقة، وهو ما يستحيل تطبيقه في هذه المرحلة، بناءً على معطيات ومعلومات حصلت عليها "المدن" من قيادات مُعارضة.
عام على التسوية؟
بعد مضي عام على اتفاق التسوية مع النظام، يبدو العجز واضحاً لدى جميع الأطراف عن إحكام السيطرة المطلقة على الجنوب. إذ ظل الجناح الروسي ممثلاً بـ"الفيلق الخامس" بزعامة أحمد العودة، مسيطراً على مدينة بصرى الشام وبعض القرى القريبة منها في ريف درعا الشرقي، في حين انقسمت فصائل المعارضة في ريفي درعا الغربي والقنيطرة بين موالٍ لإيران يعمل على تنفيذ مشاريعها، وآخر يجد في الحياد أو التقارب مع النظام حلاً للحفاظ على مناطق سيطرته تجنباً للاعتقال أو التصفية في حال عدم الرضوخ.
وعلى النهج ذاته سارت مدينة درعا بالتقارب مع الروس عبر "الفيلق الخامس"، واصطفاف بعض قادتها إلى جانب أحمد العودة، في حين وجد البعض من قياداتها التقارب مع النظام ممثلا برئيس "الأمن العسكري" العميد لؤي العلي، أقصر الطرق للحفاظ على المدينة من بطش النظام.
بناءً على ما تقدم، يبدو طبيعياً أن تتحول بعض المدن في الجنوب إلى كانتونات ضمن منطقة جغرافية واحدة، تعدد فيها اللاعبون، وكل منهم يسعى لتنفيذ مشروعه الخاص، بمساعدة أبناء المنطقة، وتجنيد العدد الأكبر منهم لتنفيذ مآربه الخاصة.
الورطة الروسية
لم تتمكن روسيا طوال الشهور الماضية من إحكام سيطرتها على المنطقة، ولا الوفاء بتعهداتها بإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدود الجولان. غيّرت روسيا أكثر من فريق للتواصل مع أبناء المنطقة منذ اتفاق التسوية الأخير. وقبل أقل من شهر كلفت قيادة قاعدة حميميم العسكرية، الفريق الثالث من نوعه للتواصل مع أحمد العودة، الذي عاد من الأردن، بغرض متابعة تطور الأوضاع في المنطقة، ومحاولة اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على الجنوب. وتدخل ضمن تلك الحسابات الروسية؛ جعل المنطقة آمنة بالنسبة لإسرائيل، والإلتزام بإبعاد المليشيات عن الحدود السورية-الأردنية، وفقاً للاتفاق بين روسيا والأردن قبيل تسليم المنطقة.
عبّر الروس مراراً عن امتعاضهم من فشل أحمد العودة في لمّ شمل فصائل الجنوب تحت رايتهم، الأمر الذي كان سبباً مباشراً في تعدد الولاءات وإحراج روسيا أمام دول الجوار، والطلب الإقليمي المتكرر منها بتنفيذ وعودها بإبعاد المليشيات عن الحدود، وبسط الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومع فشل المشروع العسكري لأحمد العودة، المدعوم سياسياً من الرئيس السابق لـ"هيئة التفاوض" خالد المحاميد، لم يجد الأخير طريقة سوى بالتواصل مع قادة فصائل معارضة سابقة متواجدين في الأردن، بهدف إعادة ترتيب البيت الداخلي في الجنوب. وطلب العودة من قادة الفصائل في الأردن، الرجوع إلى سوريا لرأب الصدع في المنطقة، وإحكام السيطرة مجددا تحت راية الروس. وقد وجد عرض العودة آذانا صاغية لدى بعض قادة الفصائل الذين بدأوا العمل على التواصل مع عناصرهم في الجنوب السوري، وإقناع المُهجّرين قسرياً إلى الشمال بالعودة إلى درعا.
كذلك، قدّم العودة عرضاً للروس، يجده كثيرون منطقياً كطريقة لحلّ الفوضى التي تعيشها المنطقة ومقدمة لإعادة الأمور إلى نصابها، وخطوة لقطع الطريق على إيران التي تحاول التمدد. ويتلخص عرض العودة باعتراف النظام وروسيا بقوات العودة، واعتبارها "لواءً" ضمن "الفيلق الخامس"، ونشره في كامل المنطقة الجنوبية، مقابل سحب الحواجز التابعة للنظام الموالية لإيران. ومن شأن هذه الخطوة الحدّ من النفوذ الإيراني، وهو ما تسعى إليه روسيا، وكذلك من شأنها ضبط الأمن في المنطقة، والحدّ من تجاوزات النظام، وهو مطلب قديم جديد للمعارضة خاصة وأبناء المنطقة عامة.
النظام وإيران؟
يبدو أن الفرصة التي أعطيت للعودة من قبل الروس، هي الأخيرة، وفشله في تحقيقها يعني بالضرورة رفع الغطاء الروسي عنه، ما يمهد الطريق لتمدد النظام ومن خلفه إيران في المنطقة.
ولعل العودة وقادة في المعارضة يدركون ما يحيكه النظام للمنطقة، بافتعال بعض التفجيرات والفوضى الأمنية. إذ يعمد النظام لرفع تقارير للروس، تتهم معارضة "التسوية" بالفلتان الأمني في المنطقة، والتأكيد على ضرورة التدخل لوضع حد لهذه التجاوزات. مثل هذه العمليات الأمنية باتت تقض مضاجع الروس، خاصة بعد استهداف دورية للشرطة العسكرية الروسية في ريف درعا الشرقي قبل أيام.
وحتى اللحظة، يقف النظام في موقف المتابع لكل ما يجري، بالإضافة لمحاولاته اللعب على التناقضات، وزيادة الخلافات في صفوف المعارضة. النظام استغل تلك الخلافات، وأعاد عماد ابو زريق، من الأردن، وأعطاه السلطة على منطقة نصيب وبعض القرى المحيطة وسهل أعماله التجارية في معبر نصيب، وكذلك فعل مع القيادي المعارض السابق محمود البردان، الذي افتتح مؤخراً استراحة في معبر نصيب لتمويل عناصره. وهذه المسالك تُعتبر إضعافاً للعودة والروس، وسيطرة فعلية للنظام على المنطقة.
وعلى الرغم من التنافس الإيراني-الروسي على المنطقة، إلا أن هناك طرفاً ثالثاً قد يسمى بـ"المقاومة الشعبية"، يجد في مقاومة النظام واستهداف قواته الحل الأفضل. وهذا الطرف، وعلى الرغم من عدم ولائه لأحد، إلا أنه قد يخدم النظام من حيث لا يدري في تسويق عودته للمنطقة لضبط الأمن فيها، خاصة أن بعض المجموعات تعمل تحت أنظار النظام.
وسط هذه الخلافات بين الحلفاء والأعداء في المنطقة، لا يبدو أن الجنوب السوري قد يشهد انفراجاً في المدى القريب. إذ أن خلافات المعارضة التي كانت يوماً سبباً في تسليم المنطقة، قد تكون إن استمرت، سبباً في إعادة قبضة النظام الأمنية من جديد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها