بعد 4 شهور على إعلان فصائل المعارضة السورية في الجنوب معركة "الموت ولا المذلة"، والتي تمكنت خلالها من السيطرة على 95 في المئة من حي المنشية في درعا البلد، بدأت قوات النظام بحشد تعزيزاتها العسكرية، في ما يتوقع أن يكون بداية لهجوم جديد يستهدف المنطقة المشمولة باتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" المنبثقة عن مؤتمر "أستانة-4".
وباتت قوات المعارضة بعد احكام سيطرتها على معظم حي المنشية، تُشكِّلُ تهديداً مباشراً لمليشيات النظام المتواجدة في حي سجّنة، الذي يعتبر أحد أكبر حصون مليشيات النظام وخط دفاعها اﻷول عن المراكز اﻷمنية في درعا المحطة. وتقسم مدينة درعا إلى قسمين؛ درعا البلد التي تسيطر على معظمها المعارضة، ودرعا المحطة الخاضعة لسيطرة مليشيات النظام.
المحاولات المتكررة من قبل مليشيات النظام، تدعمها مليشيا "حزب الله" اللبنانية ﻹستعادة ما سيطرت عليه المعارضة، كانت قد باءت بالفشل، وتكبدت القوات المهاجمة عشرات القتلى عدا الخسائر في العدة والعتاد، بالإضافة إلى تقهقرها المتواصل بعد كل هجوم. ودفع ذلك إلى زيادة التوتر بين قوات النظام ومليشيا "حزب الله" التي أقدمت في منتصف نيسان/إبريل، على إعدام ضابط من قوات النظام برتبة مقدم، بعد انسحابه مع عناصره من إحدى النقاط.
حالة التخبط والفوضى وانعدام التنسيق بين مليشيا الحزب و"الفرقة 15" من قوات النظام المسؤولية عن العمليات في درعا، أدت إلى خسائر جسيمة في صفوفهما، بالإضافة إلى ازدياد الشرخ وقلة الثقة بين الحليفين. اﻷمر الذي دفع بالطيران الروسي لمضاعفة غاراته الجوية بهدف منع تقدم المعارضة، رغم أن كثافة القصف، بمختلف أنواع اﻷسلحة لم تحقق المطلوب منها.
قاعدة "حميميم" الروسية لم تكن راضية بدورها عن أداء قوات النظام والمليشيات المساندة لها، وظهر ذلك من خلال تصريحات المسؤولين الروس عن عدم انضباط قوات النظام وتعاملها بشكل غير جدي مع المعارضة. وبعد تلك التصريحات، بدا الوضع مختلفاً، إذ زجت "الفرقة الرابعة" بحشود عسكرية وصلت تباعاً إلى مدينة درعا خلال اﻷيام القليلة الماضية. وقدّر عدد اﻵليات التي وصلت المدينة بـ30 عربة مدرعة ودبابة وسيارة دفع رباعي مصفحة مزودة برشاشات ثقيلة، بحسب شهود عيان. التعزيزات استقرت في "الملعب البلدي" وبعض نقاط التماس بالقرب من حي المنشية.
وعلمت "المدن" أن من بين اﻵليات التي دخلت المدينة 3 دبابات "T90" حديثة روسية الصنع، من المرجح أنها قد شاركت سابقاً في حملات النظام على مدينة داريا في ريف دمشق الغربي.
ودخلت التعزيزات مدينة درعا، تحت غطاء من القصف المدفعي والصاروخي الكثيف للقرى والبلدات القريبة من طريق دمشق-درعا، الأربعاء والخميس. واستهدف طيران النظام الحربي بلدة النعمية شرقي درعا، الجمعة، بـ16غارة و6 براميل متفجرة، وطالت 3غارات درعا البلد، بالإضافة إلى قصف بالمدفعية وصواريخ "فيل". مواكب الآليات المدرعة رفعت العلم الروسي، وأكدت مصادر "المدن" وجود عناصر من مليشيا "حزب الله" ومليشيات عراقية وأفغانية ضمنها.
ويعتبر العقيد غياس دلة، من مرتبات "الفرقة الرابعة"، القائد الجديد لقوات النظام في المعركة المرتقبة، وهو المسؤول عن مجازر داريا والمعضمية في غوطة دمشق الغربية، وأحد المسؤولين عن هجمات قوات النظام على أحياء دمشق الشرقية مؤخراً، ما تسبب في تهجير قسري لأهلها. التعزيزات التي دفعت بها "الفرقة الرابعة" باتجاه درعا، كانت متواجدة في حيي برزة والقابون الدمشقيان، وأخرى في داريا والمعضمية. استقدام تلك التعزيزات تم بعد تأمين تلك الجبهات في العاصمة دمشق.
رتل التعزيزات كان قد حاول التقدم من بلدة خربة غزالة، باتجاه درعا، ليلة 29 أيار/مايو، لكن تصدي فصائل المعارضة وقصفها له براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة حال دون ذلك، وأجبره على التراجع إلى مدينة إزرع ومنطقة "الجامعات" على الطريق الدولي دمشق-درعا. المعارضة تمكنت حينها من تحقيق إصابات مباشرة في صفوف قوات النظام المتقدمة، بحسب ما قاله "فوج المدفعية" التابع لفصائل "الجبهة الجنوبية".
وانتشرت تسريبات خلال الأيام الماضية تفيد بأن التحركات المكثفة التي تقوم بها قوات النظام مدعومة من روسيا جنوباً جاءت بالتنسيق بين روسيا وغرفة العمليات العسكرية الداعمة للمعارضة "الموك"، بهدف إعادة ما خسرته قوات النظام في حي المنشية والسيطرة على جمرك درعا القديم. ويعني ذلك إذا ما تحقق فصل شرقي مدينة ومحافظة درعا عن غربها.
(المصدر: LM)
قادة عسكريون في المعارضة، اعتبروا أن الشائعات تجاوزت الحد المعقول، واستبعدوا أي تنسيق بين روسيا واﻷردن أو بين روسيا وغرفة عمليات "الموك"، لكنهم أكدوا أن الهدف من التحشيدات هو محاولة استعادة السيطرة على حي المنشية، ومنع المعارضة من التقدم والسيطرة على نقاط جديدة. المعارضة أشارت إلى أن محاولة النظام وإيران وروسيا التقدم في درعا البلد هو تجاهل لما نصت عليه قرارات مؤتمر "أستانة-4" من إعلان "مناطق تخفيف التوتر" التي كانت درعا من ضمنها.
ورجحت المعارضة أن يكون التحرك الروسي جنوباً بهدف الضغط على أميركا لتحقيق مكاسب لها، خاصة في البادية السورية التي تشهد معارك بين قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي ومليشيات إيرانية، وبين فصائل المعارضة، بهدف التقدم والسيطرة على معبر وقاعدة التنف العسكرية على الحدود السورية الأردنية.
وكانت فصائل المعارضة قد أعلنت رفع جاهزيتها واستعدادها لخوض معركة قد تكون مصيرية في "مهد الثورة"، متوعدة قوات النظام بمفاجآت لن تتوقعها. وجاء ذلك بالتزامن مع قصف مكثف لقوات النظام على أحياء درعا البلد بصواريخ أرض-أرض من نوع "فيل" والبراميل المتفجرة، تمهيداً للمعركة المرتقبة خلال الأيام المقبلة، والتي قالت تسريبات إن وجهتها الأولى ستكون إلى محور النعيمة-الصوامع-سجن غرز، بدلالة تحرك "لواء مدرع" لقوات النظام مع عناصر المشاة باتجاه هذا المحور، وسط إشغال وقصف لباقي المحاور.
وباعتماد كامل للمليشيات على قصف الطيران الروسي الذي يُشكلُ رأس الحربة في معركة "كسر عظم" في درعا، تعمل المعارضة جاهدة على الصمود ومنع سقوط المنشية بيد المليشيات مجدداً في معركة غير متكافئة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها