انتشرت في وسائل التواصل اﻹجتماعي تسجيلات لمكالمات صوتية بين ضباط من النظام وناشطين من مناطق المعارضة في ريف درعا الشمالي، يتضمن بعضها معلومات عن عمل منظمات خدمية وإغاثية وتمويلها، وأسماء العاملين فيها. التسريبات وصفت بالخطيرة لجهة المعلومات التي قدمها عملاء النظام لجهاز "الأمن العسكري" حول نشاطات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مناطق المعارضة.
والتسجيلات، التي اطلعت عليها "المدن"، كانت أشبه بالتحقيق، رغم "الجو الودي" الذي طغى عليها. ويُعتقد أن أولئك الناشطين أدلوا بتلك المعلومات رغبة منهم في "تسوية أوضاعهم" الأمنية مع النظام ضمن سياق "المصالحات" التي يسعى النظام لعقدها في الجنوب السوري.
أحد التسريبات تعلق بموضوع 10 شبان كانوا قد دخلوا من المعبر الواصل بين بلدتي كفرشمس وديرالبخت، وكانت وجهتهم المناطق المحررة قادمين من مناطق سيطرة "داعش" في الحجر اﻷسود جنوبي دمشق في 19نيسان/أبريل. وقد ألقي القبض على أولئك الشبان، حينها، للتحقيق معهم في علاقتهم بـ"داعش" والطريق الذي سلكوه للوصول إلى المنطقة. ونتيجة ثبوت عدم تورطهم، قررت المعارضة تسليمهم لذويهم المتواجدين في المنطقة.
التسجيلات المُسرّبة تناولت ضرورة التنسيق بين قائد فصيل معارض والنظام، وإبلاغ "الفرقة التاسعة" في الصنمين بنتيجة التحقيقات التي أجرتها المعارضة، وبقرار تسليم المجموعة لـ"جيش الثورة"، الذي من الممكن أن يخلي سبيلهم لعدم وجود إثباتات بتورطهم مع "داعش". التسجيل تناول مناقشات بين عرابي "المصالحة"، فكان رأي أبرزهم؛ محمد خير السعدي "أبو فادي"، بأن يتم ابلاغ "الفرقة التاسعة" من قوات النظام، قبل تسليم المجموعة لذويهم.
تسجيل مُسرب آخر لمكالمة هاتفية، تتجاوز مدتها 30 دقيقة، يُسمع فيه صوت الناشط في منظمات خيرية تعنى بكفالة اﻷيتام أحمد شحادة، وهو يشرح طبيعة عمل المنظمات في كفرشمس ومحيطها، وأسماء العاملين معها وتوجهاتهم وأماكن إقامتهم. شحادة كان يدلي بتلك المعلومات، لضابط من "الأمن العسكري" في قسم الصنمين يُدعى "أبو المجد"، الذي استغرق في أسئلته "الودّية" مع شحادة.
"أبو المجد" طلب في التسجيلات الصوتية، من أحمد، الأسماء الثلاثية للعاملين في المنظمات الإغاثية مع إسم الأم، ما يمكن أن يتسبب باعتقال أقارب العاملين في تلك المنظمات.
وفي تسجيل آخر، وبعد دراسة يبدو أن "أبو المجد" قام بها، عاد ووجه أسئلة بخصوص منظمة "فاب"، والعديد من المنظمات العاملة في المنطقة مثل "أورانيتيس" و"فرح"، والمشاريع التي تقدمها، وأسباب تخفيض كميات الطحين، بل وكان معنياً بمعرفة البدائل لدى المعارضة.
التسجيلات المُسرّبة تكشف أيضاً تورط أسماء في ملف "المصالحات" الذي يسعى النظام من خلاله للسيطرة على الجنوب السوري، منذ أكثر من سنة. فراس الشعير، المنسق الرئيسي مع "أبو المجد"، وجد طريقه إلى لبنان، بعد تسريب التسجيلات.
مصادر في المعارضة، قالت لـ"المدن"، إن بلدة كفرشمس في القطاع الشمالي من درعا، هي من أكثر البلدات التي يُروّج وجهاؤها لـ"المصالحة". وكانت البلدة قد وقّعت "اتفاق مصالحة" مع قوات النظام عام 2014، بهدف تحييدها عن القصف، وإدخال المواد التموينية من مناطق النظام.
مصادر من بلدة كفرشمس، قالت لـ"المدن"، إن فراس الشعير، والعقيد المتقاعد محمد خير السعدي، وخالد أبو شاهين، هم عرابو "المصالحة" في البلدة بدعم من أحد قادة فصائل المعارضة الذي كان قد تلقى العلاج في مشافي النظام، في حزيران/يونيو 2017، بعد انفجار مجموعة من العبوات على الطريق الواصل بين بلدتي كفرشمس وعقربا في ريف درعا الشمالي. انفجار تلك العبوات أودى بحياة 15 شخصاً، أغلبهم من عناصر الجيش الحر التابعين لـ"الفرقة 46 مشاة"، ومن بينهم المقدم أحمد الحسين، أحد القادة العسكريين في "الفرقة". العبوات كانت مزروعة على جانب الطريق على بُعدِ كيلومترين من حاجز يسيطر عليه قائد ذلك الفصيل. والملفت، أن شقيق قائد الفصيل، كان قد قتل في تلك الحادثة، أثناء محاولته إخلاء الجرحى من موقع الانفجار، بقصف مدفعي من مليشيات النظام استهدف مكان التفجير.
وتُعيد تلك التسجيلات المُسرّبة فتح ملف الاغتيالات وتفجير العبوات الناسفة التي شهدها الجنوب السوري، والتي كانت تستهدف عناصر وقيادات المعارضة خاصة في تل عنتر القريب من بلدة كفرشمس، والذي قتل فيه أكثر من 10 عناصر من المعارضة بتفجير عبوات ناسفة خلال تبديل مجموعات الرباط في التل.
مصادر "المدن" أشارت إلى أن النظام فتح معبر كفرشمس-ديرالبخت الذي يربط بين مناطق سيطرته ومناطق المعارضة في الريف الغربي من درعا، ومن خلاله استطاع خالد أبو شاهين وفراس الشعير إدخال المحروقات؛ غاز وبنزين ومازوت، وبيعها في المناطق المحررة، وتمكنوا من جمع ثروات وأموال طائلة منذ تلك التجارة، بمشاركة مع عناصر من "اﻷمن العسكري" المتواجدين على حاجز في الجهة المقابلة للبلدة.
وعمل عرابو "المصالحة" (أعضاء في "لجنة المصالحة") على تسليم أشخاص أثرياء لعناصر "اﻷمن العسكري" الذين طالبوا بدورهم بمبالغ مالية كبيرة تجاوزت 10 ملايين ليرة (20 ألف دولار) للإفراج عنهم. مصادر "المدن" أكدت أن 5 من أبناء المنطقة كان قد ألقي القبض عليهم، بهدف اﻹبتزاز، ودفعوا ما يزيد على 75 مليون ليرة للإفراج عنهم، بعدما تم الإيقاع بهم من أعضاء "لجنة المصالحة".
العلاقة بين عملاء النظام والأجهزة اﻷمنية، هي ذات منفعة متبادلة بين الطرفين، يحصل فيها عناصر اﻷمن على المعلومات والمال، ويجندون المزيد من الأشخاص للعمل لصالحهم، مقابل حصول عرابي "المصالحات" على بطاقات تسهيل مرور على الحواجز العسكرية، ومعاملة تفضيلية في "دوائر الدولة"، بالإضافة للأموال التي يجمعونها عبر إدخال البضائع والتسهيلات الخاصة ﻹدخالها.
التسريبات التي حصلت "المدن" عليها، تشير بوضوح إلى مدى اختراق أجهزة النظام الأمنية لمناطق المعارضة في الجنوب السوري، وقدرتها على جمع المعلومات، وإثارة الفوضى. التسريبات، التي لم يُعرف بعد مصدرها، ربما ليست سوى قمة جبل الجليد العائم، لكنها تُفسرُ بقوة اندفاع بعض مدن وقرى حوران باتجاه "المصالحة" مع النظام.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها