كوفىء علي عبدالعزيز رمضان البالغ من العمر 72 عاماً، بمنحه قطعة أرض زراعية في قريته الأبعدية بمحافظة الفيوم، من جانب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، لقاء مُشاركته كعسكري في صفوف القوات المُسلحة المصرية في حرب اليمن. ظل عبدالعزيز على مدار عشرات السنوات يُنفق على عائلته من بيع محصول هذه الأرض، ليرثها أولاده الذين واظبوا على زراعتها، قبل أن تسلبها منهم الحكومة المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي بدعوى عدم امتلاكهم عقود ملكيتها.
تُظهر إحدى الأوراق المطوية داخل محفظة عبدالعزيز شهادة إثبات خدمة في القوات المسلحة للإصلاح الزراعي. البطاقة التي تحمل رقم 560844، تُبرز صورته بالزي العسكري كجندي في هذه الحرب. يحكي الرجل السبعيني وقائع حصوله على قطعة الأرض الزراعية. ويقول "لجنة الإصلاح الزراعي استدعت زوجتي خلال وجودي في اليمن، وطلبوا منها ظرف جواب الجمهورية العربية اليمنية، وقدمته في عام 1968، قبل أن تُخيرني سلطة عبدالناصر بعد انتهاء خدمتي بين تعييني في وظيفة حكومية أو الحصول على قطعة أرض زراعية، بعقد حراسة عام موثق".
يُظهر عقد الحراسة العامة الذي يحتفظ به الرجل استئجاره للأرض بمبلغ 21 جنيهاً من لجنة الإصلاح الزراعي، كما يوضح البند التاسع من العقد أحقية ورثته في هذه الأرض عند وفاته، شريطة تسديد الإيجار في موعده، وتنفيذ كامل إشتراطات هذا العقد الذي يجدد تلقائياً.
يلاحظ أن حملة استعادة تلك الأراضي جاءت بعد كلمة للرئيس المصري أثناء مشاركته بافتتاح عدد من المشروعات التنموية في محافظة قنا، حيث طالب القوات المسلحة والجيش، بالانتهاء من استعادة أراضي الدولة المستولى عليها بوضع اليد مع نهاية مايو/أيار. وقال السيسي في كلمته "مش هقبل واحد يحط أيديه على الأراضي ويقول دي بتاعتي، لا مش بتاعتك دي بتاعت مصر، مش هيبقى مقبول في مصر تاني خلاص، مش من حقي أديلك الأرض دي، ومش هيتم تاني".
خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، سجّلت وقائع مماثلة لمحاولات استعادة تلك الأراضي. وفقاً لعبدالعزيز، فإن ذلك حصل أواخر عهد مبارك، وعندما حاولوا إثبات ملكيتهم لها كانت السلطات تقول "روحوا جيبوا عبد الناصر من التربة يجبلكوا أرضكوا".
عبدالعزيز ليس الوحيد الذي واجهه هذا المصير بعد شقاء أكثر من 30 عاماً في الاعتناء بالأرض، إذ تعرض إبراهيم محمد، وهو حفيد أحد المحاربين المُشاركيين في حرب اليمن، لواقعة مماثلة شرق الدلتا.
يقول محمد "ورثت قطعة أرض زراعية من جدي الذي استشهد خلال مُشاركته في حرب اليمن، قبل أن يستخدم كبار الإقطاعيين نفوذهم في أواخر عهد مبارك بنزع هذه الأراضي من ملكيتنا، واستخدام عقود مزورة للأرض، رغم صدور أحكام قضائية بأحقيتنا في هذه الأرض".
يضيف محمد لـ"المدن": "مكنتنا السلطة من هذه الأرض بعد ثورة 25 يناير (2011)، التي ظلت تحت ملكيتنا طيلة السنوات الفائتة، قبل أن تعاود السلطة الحالية مُمارسة هذا الدور بسحب هذه الأراضي من جديد، والزج بعشرات من مالكي هذه الأراضي في السجون بعد رفضهم ترك أراضيهم، التي تمثل لهم قوتهم اليومي".
ويعود تاريخ منح تلك الأراضي إلى عام 1969، حيث حصل نحو 24 فلاحاً ممن شاركوا في حرب اليمن عام 1962، وتقدر مساحة الأراضي بنحو 41 فداناً.
المتخصص في المنازعات القضائية ياسر فضل، يقلل من ربط دعوة السيسي إلى استعادة تلك الأراضي، ويعتبر أن ما يحصل "هي محاولة ضمن محاولات السلطة المتكررة لاستقطاع مزيد من الأراضي بالمخالفة للقانون كي تُدر دخلاً للدولة". ويعتبر فضل أن دعوة استعادة الأراضي لو كانت جدية، لقامت الجهات المختصة بسحب الأراضي الكُبرى من الجهات السيادية التي تستولي على مساحات شاسعة بطريقة مخافلة للقانون.
ويرى كثيرون أن الرئيس المصري، الذي كان يحاول التشبّه بعبدالناصر، وسعت وسائل الإعلام الموالية له للمساواة بين إنجازاتهما، محا كل ما كان يقال إنه حسنات الرئيس الراحل، ليبقى وجه الشبه بينهما أن الاثنين قفزا إلى السلطة من بوابة الجيش، وتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن في انتهاكات حقوق الإنسان والديموقراطية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها