ولعبت مصر دور الوساطة مع تكتم رسمي على تفاصيل الاتفاق، بقبول لافت من "جيش الإسلام" أحد أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، إلى جانب "تيار الغد" السوري، الذي يعتبر جهة سياسة سورية من حصّة القاهرة وأبوظبي ويرأسه رئيس الائتلاف الأسبق أحمد الجربا.
وتأتي الاتفاقية نتيجة لسلسلة زيارات واتصالات، لم تنقطع، بين أجهزة الاستخبارات السورية والمصرية. وكانت آخر زيارة مُعلنة للقيادات الأمنية بين مصر وسوريا، هي زيارة رئيس مكتب "الأمن الوطني" اللواء علي المملوك إلى القاهرة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، برفقة خمسة مسؤولين سوريين، التقى خلالها رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء خالد فوزي.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية وجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، قال لـ"المدن"، إن رعاية جهاز أمني مصري لهذه الوساطة ينطلق بالأساس من المهام الواسعة التي بات يضطلع بها هذا الجهاز في عدد من الملفات الإقليمية كالقضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل التنسيق الأمني بينه وبين أجهزة الأمن السورية، موضحاً أن التغييرات الإقليمية في دول الخليج أتاحت لمصر هذه الوساطة في الملف السوري.
وأضاف السيد أن الحكومة المصرية تدعم الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وهو الأمر الذي صرح به الرئيس عبدالفتاح السيسي بشكل غير مباشر، من خلال تأكيده في تصريحات سابقة أنه ضد تدمير أي جيش عربي، ويوضح أن هذا الموقف من جانب السلطات المصرية عزز موقع مصر التفاوضي في الوساطة .
مصدر مطلع على الملف السوري داخل وزارة الخارجية المصرية، أكد لـ"المدن"، أن جهاز المخابرات العامة المصرية سيكون إحدى الجهات الراعية لاتفاق التهدئة في الغوطة الشرقية. وأوضح أنه لم تتم دعوة أحد من مسؤولي الملف في الوزارة لإطلاعه على طبيعة الدور المصري في هذه الوساطة.
وتابع المصدر، أنه جرى تكثيف زيارات الوفود الأمنية والسياسية السورية بشكل غير مُعلن للقاهرة بتنسيق مع الجهاز الأمني المصري، الذي سعى عبر هذه الزيارات لتوطيد صلاته مع النظام السوري، وفتح قناة اتصال وثيقة تؤهله للعب دور الوساطة بدعم سعودي وإماراتي.
في المقابل، قال نائب مدير مبادرة "الإصلاح العربي" سلام الكواكبي، لـ"المدن"، إن دور مصر في هذا الاتفاق ليس دلالة على النفوذ السياسي والثقل التفاوضي لها، فما حصل كان مجرد لعب لدور الوسيط بين النظام والحليف السعودي؛ فللأجهزة المصرية علاقات متينة بالطرف السوري كما السعودي.
وأضاف الكواكبي، أن زيارات الوفود الأمنية السورية لمصر لم تنقطع منذ انقلاب 2013 على الاقل، إن اعتبرنا أن الأجهزة الأمنية ابتعدت قليلاً عن دمشق خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، ويوضح أن الروس هم من اقنعوا النظام السوري بالقبول بالوساطة المصرية، ولم يكونوا المصريين الذين اقتصر دورهم على إيصال الرسائل، وربما سيلعبون دوراً عسكرياً مباشراً على الأرض من خلال ما يسمى بعملية المراقبة التي طلبها رئيس الهيئة السياسية في "جيش الإسلام" محمد علوش، بناء على طلب سعودي وليس على مصلحة سورية.
وتوقع الكواكبي أن تكون رقابة الروس أكثر حيادية من رقابة المصريين، لارتباطات تتعلق بالنضج السياسي المحدود لدى بعض قادة الفصائل، والذي يُضاف اليه تأثير التدخلات الخارجية للداعمين في قراراتهم، ما يؤدي أحياناً إلى إساءة الحسابات والتقدير. لكن، تتضاءل احتمالات صمود هذه الوساطة، في ظل الخرق المتوقع من جانب النظام السوري، الذي اعتاد إفشال أي اتفاقية، كما جرى في اتفاق بوتين-ترامب بخصوص الجبهة الجنوبية، والذي خرقه النظام السوري عشرات المرات خلال الايام الاولى لتطبيقه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها