أعلن الأمير الجديد لـ"هيئة تحرير الشام" في درعا أبو جابر الشامي، عن البدء بتشكيل "قوات النخبة" في الجنوب لـ"استرجاع أمجاد حوران". وأبو جابر الشامي، من سراقب والقادم حديثاً من إدلب، تم تعيينه قائداً لـ"الهيئة" خلفاً ﻷبو أحمد أخلاق، ابن درعا. ونُقل عن الشامي قوله إن "الهيئة" تنوي إقامة معسكرات تدريب للشباب لتخريجهم كإنغماسيين ومقاتلين ضد قوات النظام.
وبعد الاتفاق الذي أبرمته "جبهة النصرة" مع النظام، في كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي قضى بخروج مجموعة من قياداتها ومقاتليها من درعا إلى إدلب، مروراً بمناطق سيطرة النظام، عادت مجموعة من قيادات "هيئة تحرير الشام" ومعهم أبو جابر الشامي، في مطلع أيار/مايو، في رحلة معاكسة إلى الجنوب السوري، ربما لاستعادة الدور الذي كانت قد خسرته "جبهة النصرة" سابقاً.
وأكدت "هيئة تحرير الشام" مؤخراً، ما تداوله ناشطون عن وصول 30 قيادياً عسكرياً وشرعياً منها إلى محافظة درعا. واعتبرت "الهيئة" أن إرسال هذه المجموعة في هذا الوقت هو أمر ضروري لاستمرار معركة "الموت ولا المذلة" الهادفة لتحرير حي المنشية في مدينة درعا، بالإضافة إلى ضرورة إشعال الجبهات مع النظام، بحسب قولها. "الهيئة" لم تُشر إلى الطريق الذي سلكته المجموعة من نقطة انطلاقها في إدلب، إلى أن وصلت منطقة اللجاة شمال شرقي درعا، وسط ترجيح بأن يكون الطريق ذاته الذي سلكته مجموعة تتبع لها في رحلتها من مدينة إزرع جنوباً وصولاً إلى إدلب. ويمر طريق المجموعة من إدلب إلى درعا، بمناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة "داعش" في البادية السورية.
ورجّحت مصادر "المدن" أن يكون من بين الشخصيات التي وصلت إلى درعا حديثاً أبو ماريا القحطاني، القيادي البارز في "الهيئة"، والذي كان متواجداً في درعا سابقاً قبل مغادرتها إلى الشمال. وقالت المصادر إن مغادرة القحطاني السابقة من درعا قد تكون لأداء مهمة موكلة إليه، وإن عودته جاءت بعد انتهاء المهمة في الشمال.
وألغت قيادة "الهيئة" الجديدة تقسيمات "قواطعها" في درعا، واستبدلتها بثلاثة ألوية عسكرية؛ "لواء المنطقة الغربية" و"لواء المنطقة الشرقية" و"لواء مدينة درعا"، وحرّمت قتال الجيش الحر، وأكدت على قتال "الدولة الإسلامية" ومبايعيها.
واستبعد ناشطون أن يكون الهدف من وصول هذه المجموعة هو قيادة أعمال عسكرية ضد قوات النظام، خاصة أن المعارك في حي المنشية تقودها فصائل الجيش الحر، وأن "الهيئة" لا تمتلك القرار باستمرار المعركة. ويحتمل مشاركة "الهيئة" في درعا، بالعمليات ضد "جيش خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية" في حوض اليرموك، والتي تقودها فصائل "الجبهة الجنوبية".
ويبدو أن الهدف المباشر من عودة قيادات "الهيئة" هو استعادة توازنها في المنطقة الجنوبية بعدما طرد الجيش الحر تنظيم "الدولة الإسلامية" من المناطق المحاذية لمنطقة اللجاة شمال شرقي درعا في منتصف آذار/مارس، بالإضافة إلى تقلّص أعداد مقاتلي "الهيئة" بشكل كبير خلال العامين الماضيين، نتيجة المعارك مع "لواء شهداء اليرموك" حينها، والذي غيّر اسمه إلى "جيش خالد بن الوليد" بعد اندماجه مع "حركة المثنى" ومبايعتهما لـ"داعش". "جبهة النصرة" كانت قد قادت لأكثر من عام المعارك ضد "شهداء اليرموك"، وخسرت خلالها العشرات من العناصر والقادة الميدانيين.
واعتبر البعض أن تكون هذه العملية بداية لسلسلة متواصلة من العمليات المشابهة، التي تهدف لنقل قيادات "تحرير الشام" من الشمال باتجاه الجنوب، تحسباً لتصعيد محتمل ضد "الهيئة" هناك، قد تقوده فصائل معتدلة بدعم تركي.
قادة عسكريون في درعا، قللوا من أهمية وصول قيادات من "هيئة تحرير الشام" إلى مناطق المعارضة في درعا، معتبرين أن "جبهة النصرة"، رغم حلتها الجديدة، فقدت حاضنتها في الجنوب عموماً، ودرعا خصوصاً، نتيجة ممارساتها بحق أهالي المناطق التي سيطرت عليها. فـ"النصرة" قامت بقتل قائد "المجلس العسكري في درعا" أحمد النعمة، في العام 2013، ونفّذت عمليات اعتقال بحق أبناء درعا والقنيطرة، من دون الرجوع إلى "دار العدل في حوران" بتهمة الانتماء لتنظيم "الدولة الإسلامية". واختفى معظم المعتقلين من دون التمكن من معرفة مصيرهم، منذ سنوات.
تلك الذاكرة الحية بانتهاكات "النصرة" تُقلّل من فرصتها في تحقيق مكاسب جديدة وكسّب ثقة الأهالي، وبالتالي فإن محاولتها تجنيد الشباب وزيادة أعداد مقاتليها ستكون أشبه بالحلم.
مصادر إعلامية اعتبرت أن ما تسعى إليه "تحرير الشام" في الجنوب لن يتم إلا بعد الحصول على ضوء أخضر من دول الجوار، خاصة الأردن، والذي كان العشرات من أبنائه قد انضووا تحت راية "النصرة" سابقاً، وظلوا على اتصال مع مخابرات بلدهم. ولا تستبعد تلك المصادر أن يكون الهدف المباشر لـ"تحرير الشام" في الجنوب، هو قيادة المعارك ضد "جيش خالد بن الوليد" بعد عجز المعارضة عن إحراز تقدم يذكر خلال العام الماضي، وبالتنسيق المباشر مع الأردن، أكثر المتضررين من وجود "داعش" بالقرب من حدوده الشمالية.
ويبقى باب الاحتمالات حول هدف "تحرير الشام " من إرسال قيادات عسكرية وميدانية إلى الجنوب السوري مفتوحاً، لكن الثابت هو اختلاف الوضع في جنوب سوريا عما هو في الشمال. فأهالي حوران فضلوا إنضمام أبنائهم إلى فصائل "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش الحر بعدما خبروا مسالك "النصرة"، ويشكل هذا عائقاً أمام طموحات "هيئة تحرير الشام" المستجدة في السيطرة والتمدد جنوباً، خاصة بعد تغيير قائدها في الجنوب أبو أحمد أخلاق، وتعيين أبو جابر الشامي، من ادلب، أميراً لها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها