بدأ (أ.س) العمل مع الجيش في منطقة الشيخ زويد، في يناير/كانون الثاني 2015، كعنصر مدني تتضمن مهامه تقديم معلومات عن أهالي المنطقة، والإرشاد إلى عناصر التنظيمات المُسلحة، ولكن مهمّته توسّعت ليصبح أحد العناصر المسلحة، وبات يُشارك في حملات المُداهمة مع الجيش لقرى جنوب الشيخ زويد وجنوب مدينة رفح وغربها وشرق الماسورة.
يتقاضي (أ.س) راتباً شهرياً من الجيش، بخلاف المكافآت المالية والعينية التي يحصل عليها بعد تنفيذ عمليات خاصة، بجانب الإقامة شبه الدائمة داخل معسكرات الجيش. ويقول لـ"المدن"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "ننال ثقة قيادات الجيش المصري، التي وصلت لتوسيع صلاحياتنا بتفويضنا التحقيق مع المشتبه بهم من أهالي سيناء في معسكر الزهور، وإمدادنا بالسلاح الميري (سلاح من مخزون الحكومة)، كما أننا نحمل كارنيهات شخصية مختومة من الجيش والمخابرات لتسهيل المرور على الأكمنة".
و"الكتيبة 103"، هو الاسم الذي اكتسبه هؤلاء المدنيون المتعاونون مع الجيش داخل سيناء، لتمييزهم عن تمركز قوات الجيش في "الكتيبة 101"، ومسلحي سيناء من الجهاديين، الذين يطلق الأهالي عليهم وصف "الكتيبة 102".
الشاب الثلاثيني (أ.س) كان قد فقد شقيقه الأصغر خلال مرافقته لقوات الأمن أثناء حملات مداهمة في فبراير/شباط الماضي. ويقول "فقدت شقيقي الأصغر بعد تفجير مدرعة كان يستقلها مع قيادات الجيش بعبوة ناسفة في منطقة الماسورة، لكن هذا لن يثنيني عن العمل مع الجيش، وتقديم كافة المعلومات له حول الإرهابيين".
تزامن انضمام (أ.س) للفرقة 103 مع زميله ( أ.ج) الذي انكشفت هويته في الفيديو المُسرب مؤخراً لعناصر من الجيش وهم يقومون بتصفية أشخاص في سيناء، ويقول إنه "كان معروفاً لعدد كبير من أهالي الشيخ زويد بعمله مع الجيش. ليس منتمياً لقبيلة، وسبق له العمل في تجارة الأنفاق، قبل أن ينضم للكتيبة 103، وهو مُقيم في معسكر الزهور في منطقة الشيخ زويد، وأخذ وعداً من قيادات الجيش بعدم تسليمه أو التضحية به".
"أبو اصبع"، و"البيشمركة"، و"الفرقة 103"، هي جميعها أسماء شعبية لهذه العناصر المتعاونة مع قوات الجيش في سيناء، حسب الصحافي السيناوي ياسر صبري. ويضيف "أبوأصبع تُشير إلى من يرافق قوات الجيش في حملات المداهمة، ويشير بإصبعه ليدل على المتهم المطلوب، أو المنزل الذي يراد هدمه، أما البيشمركة فهي كلمة كردية تعني الفدائيين، الذين تعاونوا مع الجيش ضد تنظيم داعش، وتم استخدام المصطلح في سيناء لتوصيف مهامهم".
ويقول صبري لـ"المدن"، إن هذه المجموعات المدنية تحولت إلى تجار حرب، والمستفيدون الأكبر من تدمير الأنفاق، في ضوء تعاظم نفوذهم، والاستيلاء على كُل ما هو أتٍ من هذه الأنفاق في ضوء الحرب على مكافحة الإرهاب. ويوضح "كانت ولاية سيناء قد أصدرت بيانات مكتوبة ومرئية حذرت فيها أهالي سيناء- وأحيانا أبناء قبائل ومناطق معينة شرقي العريش- من التعاون مع الجيش، وطالبت المتعاونين بالتوبة، محذرة من قتلهم عقاباً على مساعدة القوات النظامية".
وتعرض العشرات من المتعاونيين مع الجيش للقتل والذبح على يد التنظيم في سيناء، منذ ظهور القوات الموالية للجيش في أوائل 2015. كما أن (أ.س) طلب من "المدن" حجب اسمه خوفاً من التنظيم.
في هذا السياق، يقول الناشط السيناوي ج . أبوفريح، لـ"المدن"، إن معظم هؤلاء "المناديب" المتعاونين مع الجيش، هم من أعضاء الفرقة المسلحة 103، ولديهم سجل جنائي أو أحكام غيابية صدرت بحقهم في قضايا سابقة وتم إسقاطها مقابل التعاون مع الجيش. ويوضح أن هؤلاء "استخدموا نفوذهم وصلاتهم مع قيادات الجيش في ابتزاز أعداد كبيرة من سكان سيناء، مقابل عدم الإبلاغ عنهم".
ويؤكد أبوفريح المنتمي إلى إحدى قبائل مدينة رفح الحدودية، أن المتعاونين سبق لهم تهديد سكان، أو التسبب في إلقاء القبض على عدد من الأشخاص بسبب خلافات شخصية أو مهنية، وهم يتقاضون أمولاً مقابل الإفراج عن بعض المعتقليين من أبناء سيناء، فضلاً عن تهريب مواد عبر استخدام التصاريح المختومة من قوات الجيش لعبور الحواجز الأمنية.
رئيس اتحاد قبائل سيناء، الشيخ إبراهيم المنيعي، يرى أن اعتماد قوات الأمن على مجموعة من "المناديب"، ممن لديهم سجلات جنائية، سيؤدي إلى اقتتال قبلي. ويضيف لـ"المدن"، إن "الجيش هو المسؤول وحده عن تأمين سيناء، ومنح هذه العناصر صلاحيات واسعة أثبت أنه يؤدي إلى فوضى وخسائر بشرية من أهالي سيناء، غير المتورطين في عمليات عنف، خصوصاً مع استخدام هؤلاء المناديب لهذه الصلاحيات لأغراض شخصية وانتقامية".
ويشير المنيعي إلى أن هؤلاء العناصر هم مجموعات قليلة تنتمي لعشائر صغيرة، لا تخضع لقيادات رؤوس القبائل والعائلات، موضحاً أن هذه المجموعات ستؤدي الى مزيد من تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء على المدى البعيد.
استخدام قوات الجيش لمدنيين وتوريطهم في عمليات تصفية بحق سكان عزل من سيناء، أصبح دليلاً دامغاً على استراتيجية أجهزة الأمن التي تحولت وظائفها باتجاه حراسة النظام الحاكم، وليس تنفيذ القانون. وليس أدل من فشل هذه الاستراتيجية الامنية التي يسوقها أنصار النظام تحت مسمّى "مكافحة الإرهاب" في سيناء، هو عجزها عن السيطرة على الهجمات الإرهابية التي وسّعت نشاطها وأصبحت قادرة على تنفيذ عمليات نوعية في العمق المصري.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها