في الساعات الأولي من مساء السبت، بدأ الطبيب بيشوي حنا وعائلته الصغيرة التحرك باتجاه كنيسة كليوبترا في حي مصر الجديدة، لآداء الصلوات بعيد القيامة، بعدما قررت الكنائس المصرية إلغاء الاحتفال به هذا العام حداداً على أرواح ضحايا تفجيرات "أحد الشعانين"، واقتصار مراسم إحيائه على الصلوات.
بيشوي الذي ينتظر موافقة من السفارة الأميركية علي طلبه للهجرة استجاب لتعليمات أسقف الكنيسة، للخروج في ساعة مُبكرة، للانتهاء من أداء صلواتهم قبل موعدها المعتاد، امتثالاً للتعليمات الأمنية التي صدرت لكافة كنائس مصر بمواعيد الصلاة.
حال بيشوي أفضل من ابن عمه القاطن في قرية كوم اللوفي في محافظة المنيا، الذي تعرّض لاعتداءات عقب خروجه من الكنيسة، الأسبوع الماضي، وجاءت التوجيهات الأمنية له بالصلاة في المنزل. يقول بيشوي "الطبيعي أننا كنا نذهب في ساعة متأخرة من الليل، ونفضل في القداس طوال الليل، علشان نفطر في اليوم الجديد، لكن الأمر تغير وأبونا اختصر جزء كبير من القداس، للانتهاء في الساعة التي حددتها الأجهزة الأمنية".
يُكمل بيشوي حديثه لـ"المدن"، بصوت يملأه الحزن، إن "الموضوع ده من ضمن حاجات كتير ضيعت بهجة الأعياد علينا". ويضيف "نحن ضحية قيادات الكنيسة، التي جعلتنا رعايا للكنيسة بحفلات التطبيل للسلطة السياسية. المسيحيون هم مواطنون والسلطة هي المسؤول الأول عن ضمان تمتعهم بحقوقهم وفي مقدمتها الحق في الحياة".
ولم تثن التفجيرات الأخيرة الكنيسة الأرثوذكسية عن توجيه دعوات لعدد من القيادات الرسمية لحضور الصلاة، والترحيب بحضورهم. يقول بيشوي "ليه الكنيسة توجه دعوات من الأساس لحضور الصلاة؟ يعني الزفة بتاع شكر المسؤولين والحضور هتحصل تاني".
في قداس عيد القيامة، الذي ترأسه البابا تواضرس الثاني في الكاتدرائية المرقسية في العباسية، وسط عدد من الوزراء وقيادات القوات المسلحة، كان مشهد غياب التصفيق، الذي غالباً ما يعقب ذكر أسماء بعض الشخصيات، في مقدمتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، شديد الدلالة علي الغضب المسيطر علي قطاعات كبيرة من الأقباط حيال السلطات المصرية.
الناشطة القبطية سالي توما، تعتبر أن القيادات الكنسية هي من أوصلت الأقباط لهذا الوضع البائس الذي يعيشونه داخل مصر . وتقول لـ"المدن"، إن "التسبيح بحمد السلطة السياسية، والدفاع عن مجهودات الشرطة والجيش، هو السمت الرئيسي لأداء الأساقفة والقيادات الكنسية، دون اعتبار لشهداء الكنيسة، أو غضب الأقباط الحقيقي حيال ممارسات السلطة".
وقالت دراسة أعدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن هنالك قرابة 45 حادث عنف طائفي انتهت بالصلح العرفي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن هذا الصلح يؤدي غالباً لتعميق النزاعات الطائفية بدلاً من حلها، ويضر بمبدأ المواطنة والعدالة والمساواة.
تعترض سالي علي القرارات الأخيرة التي أصدرتها السلطات المصرية عقب التفجيرات الأخيرة. وتقول "السيسي يستخدم ورقة الأقباط لتمرير قوانينه القمعية وانتهازيته السياسية.كتمرير قانون الطوارئ لمحاربة الارهاب و حماية المسيحيين، بينما مسيحيو العريش جرى ذبحهم وتهجيرهم في ظل تطبيق الطواريء، وكم من المجازر تم ارتكابه تحت طوارئ مبارك".
وأصدر رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، في يناير/كانون الثاني الماضي، قراراً بإنشاء اللجنة المنوط بها النظر في طلبات توفيق أوضاع الكنائس في مصر. وتضمن القرار تشكيل لجنة من 10 أعضاء، هم: وزراء الدفاع، والإسكان، والتنمية المحلية، والشؤون القانونية ومجلس النواب، والعدل، والآثار، وممثل عن المخابرات العامة، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، وممثل عن قطاع الأمن الوطني في وزارة الداخلية، بالإضافة إلى ممثل الطائفة المعنية.
الباحث في شؤون حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اسحاق إبراهيم، يستشهد بهذه اللجنة للدلالة علي طريقة تفكير السلطة في التعامل مع الأقباط. ويقول لـ"المدن"، إن "إسناد مهمة تنظيم بناء دور العبادة عملياً وبشكل شبه حصري للأجهزة اﻷمنية (..) يعد وصفة جاهزة لإعادة إنتاج ظواهر العنف الطائفي مرة أخرى".
ويعتبر إبراهيم أن غلبة الطابع الأمني على اللجنة، يجعل قراراتها خاضعة لـ"مواءمات أمنية"، والقرارات الأخيرة بفرض حالة الطوارئ وتأسيس المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، هي تطبيق عملي لهذه السياسات الخاطئة حيال ملف الأقباط.
لم تعد حفلات الدعم الإعلامي والجنازات الرسمية والشعبية كافية لاحتواء الغضب المتنامي في قلوب الأقباط، فالسلطة التي اكتفت بالرقص علي جثث ضحايا الأقباط، و البابا – الذي لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها دعمه للنظام الحاكم – أصبحوا عبئاً علي حياة الأقباط، بعد تحويلهم لطائفة داخل المجتمع يُنظر إليها باعتبارها ذراعاً داعماً للسلطة.
ولعل التمرد الداخلي الآخذ بالتوسع بين قطاعات كبيرة في أوساط الأقباط حيال القيادات الكنسية، قد يفقد الكنيسة سطوتها علي الأقباط، خصوصاً في ما يتعلق بعلاقة اﻷقباط بالدولة وحقوقهم تجاهها وتجييشهم واستغلالهم في المناسبات السياسية، وهي المسألة التي تثير قلق النظام التسلطي، الذي اعتمد على "كنيسة مطيعة" لتكميم أصواتهم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها