اﻷردن الجّار القريب من درعا، والمتحكم عبر غرفة العمليات العسكرية "الموك" بمعظم تشكيلات "الجبهة الجنوبية"، كان قد وجّه رسائل تفيد بضرورة عدم إطلاق المعركة، وألزمّ بعض الفصائل بالانسحاب من غرفة العمليات، قبل يومين من بدء المعركة، محاولاً بذلك إلغاء ما خُطط له. فانسحاب "فوج المدفعية" من معركة "الموت ولا المذلة"، تسبب في حرمان المعارضة من التغطية الصاروخية بالراجمات التي يقتصر توزيعها وذخيرتها في درعا والقنيطرة على "فوج المدفعية". وكان لـ"فوج المدفعية" تأثير كبير في كل المعارك السابقة، ووجوده يوصف بالضروري.
(المصدر: LM)إعلامياً، نشر اﻷردن عبر بعض الإعلاميين السوريين الموالين له والموجودين على أراضيه، رسائل تحريضية في وسائل التواصل الاجتماعي، تقول إن المعركة "وهمية" والهدف منها تسليم منطقة "الجمرك القديم" للنظام، وبالتالي فصل ريفي درعا الشرقي والغربي عن بعضهما. بعض الرسائل تضمن عبارات عاطفية بغرض احباط الناس، مثل: "دموع الثكالى لم تجف، وقلوب الآباء تفجرت من كظمها للآحزان، لا تزيدوا من الفاجعة، ولا تكونوا سببا بقتل حلم طفل على ابواب مدرسته، حربنا اليوم سياسية وإن لم تؤتِ ثمارها، فكلنا رصاص في بنادقكم موجه لصدور الأعداء". أو حتى: " من يدخل معركة غير محسوبة النتائج.. لن يختلف كثيرا عن النظام في تسببه في سفك دماء الابرياء. كلنا مع نهاية الدم لا مع تقطيع الرؤوس. لا لمن يريد دفننا احياء بالطائرات الروسية".
كما تضمّنت الرسائل، التي لاقت صدى واسعاً في الشارع، هاشتاغات مثل: #النصرة_تقودنا_للذبح، وادعاءات من قبيل أن "هيئة تحرير الشام" التي تضم "جبهة فتح الشام"، هي من تقود المعركة، فيما بدا أنه تحريض للحاضنة الشعبية للوقوف ضد محاولة "الموت ولا المذلة" السيطرة على حي المنشية، أحد أكثر الأحياء تحصيناً من قبل قوات النظام.
فعلياً، شاركت "هيئة تحرير الشام" في المعركة، ونفذ اثنان من مقاتليها، منهم قائد عسكري سابق في "النصرة" عمليات "انغماسية" استهلّت معركة حي المنشية. وعدا عن عدم قيادة "فتح الشام" للمعركة، فأن الأغلبية الساحقة من عناصرها المشاركين في الاشتباكات الراهنة، هم من أبناء درعا البلد، ولهم نقاط رباط فيها، باﻷساس. كما أنه ليس في مقدور "هيئة تحرير الشام" في الجنوب السوري فتح معركة بمفردها، فهي لا تملك من العدّة والعتاد والمقاتلين، ما يكفي لذلك. ونسبة مقاتلي "تحرير الشام" وغيرها من الفصائل ذات التوجه اﻹسلامي، تشّكل أقل من ثلث المشاركين ضمن غرفة عمليات "البنيان المرصوص". بالإضافة إلى أن 80 في المئة من الذين قضوا نتيجة المعارك والقصف، هم من الفصائل المعتدلة، التي غردت خارج السرب الدولي، وقررت استمرار المعركة تحت أي ظرف كان.
ورغم عدم افصاح غرفة عمليات "البنيان المرصوص" عن المشاركين في العملية، بغرض تجنيبهم "انقطاع الدعم" عنهم، فقد كانت الفصائل المشاركة؛ "قوات شباب السنّة" و"فرقة عمود حوران" و"فرقة 18 آذار"، وكلهم من الجيش الحر. غرفة العمليات لم تصدر حتى بياناً عن بدء المعركة، إذ اعتبرت أنها صدّ لهجمات مليشيات النظام، وأنها ملتزمة بـ"وقف اطلاق النار".
أما لماذا أراد اﻷردن إلغاء المعركة، فهذا سؤال معقد، يمكن تلمّس إشارات للإجابة عليه. فقبل أقل من شهرين، صدرت تصريحات متطابقة
لرئيس "هيئة اﻷركان" اﻷردنية محمود عبدالرحيم فريحات، ووزير الداخلية، تقول إن "ﻻ مانع لديها من سيطرة النظام وحلفائه على المعابر" مع الأردن، وإن المملكة، معنية بالحفاظ على أمنها أولاً، ولن تفتح معابرها مع درعا، قبل أن يتم ذلك. الفريق الركن محمود فريحات، قال إن الأردن لم يعمل يوماً ضد النظام السوري.
ومخاوف اﻷردن من المعركة، بحسب قادة فصائل في "الجبهة الجنوبية" تأتي من مشاركة بعض الفصائل اﻹسلامية، وعدم الرضوخ ﻹملاءات "الموك". كما أن رغبة الأردن في استعادة العلاقات مع النظام، والسيطرة على الحدود، بدت واضحة في تصريحات المسؤولين الأردنيين، وفي أكثر من مناسبة.
الحجج التي قدمها اﻷردن غير كافية ﻹقناع الشارع المعارض في درعا عموماً، والمقاتلين خصوصاً، فسقوط 3 قذائف في اﻷراضي اﻷردنية مصدرها قوات النظام، أول أيام المعركة، و6 قذائف في ثالثها، وصمت اﻷردن تجاه ما حدث، يوضّح الموقف اﻷردني الرسمي من النظام. كما أن إغلاق معبر الجرحى ورفض الأردن استقبال المدنيين والعسكريين نتيجة المعارك يوضح الموقف الثابت مما يجري، والذي تعتبره المملكة أداة ضغط لتحقيق مصالحها.
ورغم كل ذلك، تبقى المخاوف من تكرار سيناريو حلب، في مهد الثورة السورية، قائمة، خاصة وأن الطيران الروسي شّن مئات الغارات الجوية، مخترقاً الأجواء الأردنية في بعض الأحيان، خلال الأيام الماضية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها