لخص الشيخ راشد الغنوشي الرؤية المستقبلية لحركة "النهضة"، بقوله: "حريصون على النأي بالدِّين عن المعارك السياسية، وندعو الى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي"، غير أن بعض المراقين أكدوا أن الحركة الإسلامية التي لطالما ارتبط اسمها بجماعة الإخوان المسلمين، ستواجه صعوبة بإقناع التونسيين بتحولها إلى حزب مدني، فيما ذهب آخرون إلى أن مشروع "النهضة" الجديد قد يساهم بحل أزمة الإسلام السياسي في المنطقة.
الغنوشي أكد أيضاً في المؤتمر العاشر الذي تعقده "النهضة" بمشاركة عدد كبير من الشخصيات السياسية الدولية، أن الحركة الإسلامية "تطورت الى حزب ديموقراطي وطني مسلم، متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الاسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر".
المؤتمر الحالي، وهو العاشر للحركة، يبدو "مصيرياً" بالنسبة لمستقبل "النهضة"، حيث سيشهد إعادة هيكلة الحركة، وتحولها تدريجياً إلى حزب سياسي بمرجعية إسلامية، وفق ما يؤكد رئيس مجلس الشورى فتحي العيّادي.
ويضيف العيادي لـ"المدن"، إن "النهضة ما زالت متشبثة بمرجعيتها الإسلامية وهذا أمر واضح ومحسوم، ونحن كجميع الأحزاب السياسية لدينا رؤى وسياسات لمختلف القضايا، وهي تنطلق من مرجعيتنا الإسلامية التي ما زلنا متشبثين بها، وبالتالي الحركة لن تتجه إلى العلمنة طالما أننا نصر على دستور تونسي واضح يثبّت الهوية الإسلامية لبلادنا ومجتمعنا ودولتنا".
الحركة، وفق العيادي، ستطرح نفسها مستقبلاً كحزب سياسي متخصص في الشأن العام، وبالنسبة للجانب الدعوي والعمل المجتمعي والثقافي والرياضي وغيرها "فهذه من مشمولات المجتمع المدني وتشرف عليها جمعيات قانونية متخصصة بذلك، وهذا يوفر فرصاً كبيرة لتقوية المجتمع المدني الذي لا نريد له أن يظل محكوماً بالأجهزة الحزبية وسياسات الأحزاب، كي يتمكن من خدمة قضايا المجتمع ويكون له دور تعديلي لسياسات الدولة وما تنتهجه من خيارات".
غير أن مسيرة الحركة الإسلامية التونسية شهدت تحولات عديدة، بدءاً بـ"الجماعة الإسلامية" التي تأسست بشكل سري أواخر الستينات، وتحولت لاحقاً إلى حزب علني باسم "حركة الاتجاه الإسلامي"، لتدخل لاحقاً في صراع مع نظامي بورقيبة وبن علي في الثمانيات والتسعينات، وتغير تسميتها إلى "حركة النهضة" التي وصلت إلى الحكم إثر سقوط نظام بن علي في 2011، وواجهت حينها اتهامات بمحاولة "أسلمة البلاد".
ورغم أن النهضة ما زالت، عملياً، الحزب الأكثر شعبية وتنظيماً في البلاد، وفق بعض المراقبين، إلا أنها تواجه حالياً اتهامات بالتوجه نحو "العلمنة" إثر إعلانها كحزب مدني يفصل بين السياسة والدين، وهو ما قد يؤدي إلى فقدانها الكثير من أنصارها.
الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية صلاح الدين الجورشي يؤكد لـ"المدن" أن حركة "النهضة" تواجه تحدياً كبيراً في المرحلة الحالية، و"خاصة أنها تتجه كي تحمل الأرضية نفسها التي تحملها الأحزاب العلمانية، في ما يتعلق بعملية الفصل بين الديني والسياسي، ولكن هي مطالبة بأن تقنع قواعدها وتثبت أنها، وإن كانت قد انبثقت من داخل فضاء الحركات الإسلامية، إلا أنها قادرة على أن تستفيد من تلك الخبرة لكي تلتزم بقواعد اللعبة السياسية الديموقراطية المدنية".
ويضيف "بالطبع، قد تفقد الحركة بعض أنصارها لكنها إذا كانت صادقة والتزمت بهذا السياق فستكسب ثقة مواطنين لا علاقة لهم، لا بالإسلام السياسي، ولا بفضاءات أخرى، فالتونسيون ينتظرون طبقة سياسية وطنية واعية وناضجة، تقدم حلولاً عملية لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية ويقع إنجاز تلك الحلول على أرض الواقع، بغض النظر عن طابعها الإيديولوجي والعقائدي".
الجورشي يؤكد، في السياق، أن "النهضة" بتوجهها الحالي تساهم، ربما من دون قصد، بحل أزمة الإسلام السياسي في المنطقة العربية، مشيراً إلى وجود فرق كبير بين ما تطرحه حركة "النهضة" في تونس، وما تطرحه جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، على اعتبار أن جماعة الإخوان "لا تزال مطالبة بتغييرات جوهرية، ليس فقط في مستوى الشعارات ولكن أيضاً في مستوى التفكير والرؤية وآليات قراءات الإسلام وتنزيله في السياق المعاصر، وهي أيضا مطالبة، بشكل جدي، بمراجعات ذات طابع سياسي وتنظيمي، وربما هناك قيادات في الجماعة بدأوا يدفعونها لإحداث مثل هذه المراجعات لإخراجها من الأزمة الحادة والهيكيلة التي تمر بها".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها