أثار ذكرى مرور مئة عام على اتفاقية سايكس-بيكو، تنديداً واسعاً في الأوساط السياسية والمدنية الكردية، وقام نشطاء سياسيون وتنظيمات سياسية كردية بالدعوة إلى حملة بعنوان "من أجل يوم مستقل".
وشملت الحملة التي سبقت مئوية سايكس بيكو، بيومين، اعتصامات في المناطق الكردية في سوريا، ومدينة كولن الألمانية، دعا لها "المجلس الوطني الكردي" وبعض القوى السياسية، وأطلقوا بيانات سياسية ودعوات، كان أبرزها الدعوة التي أطلقها عبد الحميد درويش، الذي أبدى دعمه وتأييده لحملة "من أجل يوم مستقل". ودرويش من الرعيل الأول للسياسيين الأكراد في سوريا، ومن مؤسسي أول حزب كردي في سوريا، الحزب "الديموقراطي الكردستاني في سوريا" في العام 1957، وهو صديق مقرب من الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، ويشغل حالياً منصب سكرتير الحزب "الديموقراطي التقدمي في سوريا". و"المجلس الوطني الكردي" ينضوي في "الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة" الذي لم يصدر عنه أي تعليق رسمي حول نشاط "المجلس".
وعبرت القوى السياسية الكردية السورية المشاركة في حملة التنديد بالاتفاقية عن رفضها لها، داعية إلى إلغائها و رسم خريطة جديدة للمنطقة، ورفعت شعارات تُعبر عن معاناة الأكراد من الاتفاقية، مؤكدة دعمها لمشروع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني، بإقامة دولة كردية.
وأكد أحد منظمي اعتصام مدينة كولن فرهاد ميرو، لـ"المدن"، أن أكثر من خمسة آلاف مُهاجر كردي أغلبهم من الأكراد السوريين شاركوا في النشاط، مضيفاً أن لجنة من النشطاء والمثقفين الأكراد خططوا منذ بداية العام 2016 لإقامة هذا النشاط الاحتجاجي.
وأوضح ميرو أن الاحتجاج جاء بمناسبة مئوية اتفاقية سايكس-بيكو، والتي تجزأت كردستان بموجبها، وأصبحت خاضعة لكل من تركيا والعراق وسوريا، عدا عن الجزء الشرقي من كردستان الخاضع لسيطرة إيران منذ اتفاقية "قصر شيرين" بين الصفويين والعثمانيين في العام 1639. وقال ميرو إن اختيار كولن يعود إلى كونها أهم مدينة سياحية وإعلامية في أوروبا، مشيراً إلى أن جميع الأوساط الكردية في أوروبا كتنظيمات سياسية أو شخصيات ومثقفين شاركت في الفعالية، ونفى علاقة الاحتجاج في كولن بمشروع إقامة دولة كردية في كردستان.
وعدا عن أن حزب "الاتحاد الديموقراطي" يعارض كل سياسات الحزب "الديموقراطي الكردستاني"، فـ"الاتحاد الديموقراطي" يخشى أن تلحق بعض مناطق إدارته "الذاتية" في سوريا بـ"الدولة الكردية" المفترض أن تتبع للبرزاني، والتي تشمل مناطق إقليم كردستان العراق مروراً بمناطق الأكراد في سوريا وصولاً إلى البحر المتوسط.
وعلى الرغم من معارضة حزب "الاتحاد الديموقراطي" لهذا النشاط السياسي، إلا أن "المجلس الوطني الكردي" استطاع خلال اليومين الماضيين إخراج جماهيره في مدن القامشلي والمالكية ورميلان، إلى الشوارع للاعتصام حيث رُفعت شعارات "لا لسايكس بيكو" و"سايكس بيكو قسمت كردستان للمرة الثانية" و"جميع المشايع الظالمة بحق الشعوب مصيرها الفشل".
الخطاب السياسي لـ"المجلس الوطني الكردي" في دعوة جماهيره ضمن سوريا، اختلفت عن دعوته في أوروبا؛ إذ جاء بيان "المجلس" لمنظمة أوروبا داعياً الدول الأوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا إلى الغاء الاتفاقية والاعتراف بحق الأكراد في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران في تقرير مصيرهم. فيما جاء خطابه لجماهيره في سوريا، متناقضاً، فمن جهة دعا لالغاء اتفاقية سايكس-بيكو، ومن جهة أخرى أكد أنه لا يتطلع إلى سايكس-بيكو جديدة بقدر ما يهمه شكل النظام السياسي للدول في المنطقة وتطبيق الفيدراليات بما ينسجم مع الواقع الديموغرافي.
وتُشكّل اتفاقية سايكس-بيكو، التي يصادف الإثنين ذكراها المئوية الأولى، في الوعي السياسي الكردي خريطة قُسمت بموجبها الأراضي الكردية وألحقت بالعراق وتركيا وسوريا وإيران. وركزت الأحزاب الكردية في سوريا، في أدبياتها السياسية منذ تأسيسها في خمسينيات القرن الماضي على خطاب "حق تقرير المصير" الذي فقده الأكراد بموجب الإتفاقية. ويظهر ذلك في عدم نعت الأحزاب الكردية نفسها بالسورية وإنما بالقول "الحزب الكردي الفلاني في سوريا"، ما يمثل عدم اعتراف بأنهم جزء من الكيان السوري.
وأغلب المشاركين في الحملة، في كولن أو في التفاعل معها في مواقع التواصل الاجتماعي، هم من أكراد سوريا. الصحافي الكردي علي نمر، قال إنه ومن خلال متابعاته للحملة، لم يلحظ أي تفاعل من أكراد العراق أو تركيا أو إيران، مع مئوية سايكس-بيكو.
القيادي في "المجلس الوطني الكردي" عبد الكريم محمد، قال لـ"المدن"، إن دعوتهم إلى الغاء اتفاقية سايكس-بيكو، تأتي ضمن مساعيهم لتسليط الضوء على معاناة الشعب الكردي في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران. وأضاف أنهم في "المجلس الوطني الكردي" يرفضون نتائج سايكس-بيكو، ويتطلعون إلى حق تقرير المصير للشعب الكردي أسوة بشعوب المنطقة، مؤكداً دعمهم لجهود رئاسة إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء والضغط باتجاه دولة كردية مستقلة، والتزامهم باستمراية التواصل والعلاقة مع المعارضة الوطنية السورية من أجل بناء سوريا اتحادية ديموقراطية برلمانية بدستور عصري يحفظ حقوق الجميع.
التفاعل الكردي السوري مع الخريطة الجديدة للمنطقة، كان قد بدأ منذ إعلان رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني، سعيه لاقامة دولة كردية في تموز/يونيو 2014، والذي أكد أكثر من مرة لوسائل الإعلام بأن اتفاقية سايكس-بيكو أصبحت من الماضي وأن الحدود الجديدة ترسم بالدم.
وجاءت مساعي برزاني بالتزامن مع الصراع الكردي، بشقيه السوري والعراقي، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويفهم الأكراد في سوريا من التعاون والتنسيق بين القوات الكردية في سوريا والعراق، بأنه رسم لخريطة جديدة في المنطقة، ويقرأ المسؤولون الأكراد في سوريا بأن الخطوط الفاصلة بين تنظيم "داعش" والأكراد هي الخريطة الجديدة للمنطقة.
وتمتاز الشخصية الكردية السياسية في سوريا ببعدها القومي الكردي أكثر من بعدها الوطني، وذلك يُعزى بحسب المراقبين إلى السياسة التي مارسها الرئيس السابق حافظ الأسد، في توجيه أكراد سوريا إلى الخارج، من خلال دعمه لحزب "العمال الكردستاني" وفتح مكاتب للحزب "الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني في سوريا". إذ فضّل حزب "البعث" في ظل حافظ الأسد، تحويل المسألة الكردية إلى مشكلة إقليمية، ورفض التعامل معها من بابها الوطني السوري. وذلك ما دفع أكراد سوريا لربط مصيرهم بدولة كردية قومية، خارج الإطار الوطني السوري.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها