تجددت الاشتباكات في مدينة القامشلي شمال شرقي الحسكة، ظهر الخميس، بين "وحدات حماية الشعب" الكردية ومليشيا "الدفاع الوطني" مدعومة بقوات النظام ومليشيا "السوتورو" السريانية.
وجاءت الاشتباكات لتقطع الهدنة التي حصلت بين الطرفين في وقت متأخر من مساء الأربعاء، بعدما تعرض حاجز لقوات الأمن التابعة لـ"الإدارة الذاتية" المعروفة بـ"الأسايش"، لتفجير سيارة مفخخة، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد ساعات مسؤوليته عنه. وعادت الاشتباكات إلى دوار الوحدة وسط المدينة، وانتشرت سريعاً لتشمل السوق المركزي وشارع الوحدة بدءاً من المحكمة العسكرية ومشفى الكلمة إلى حي السياحي.
تجدد الاشتباكات، بشكل مفاجئ، غيّر من مسار الأحداث، لتقوم المدفعية الثقيلة لقوات النظام المتمركزة في "الفوج 54"، المعروف باسم "فوج طرطب"، بقصف سجن علايا "السجن المركزي" شرقي القامشلي، واستمر القصف أكثر من ساعتين. وكانت "الأسايش" قد سيطرت الأربعاء على السجن.
وتسربت وثيقة صادرة عن "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، قيادة القوات الخاصة، كلية التدريب والتأهيل"، وبتوقيع مدير "مدرسة الصاعقة والتأهيل الخاص والرياضة" العميد الركن معن سلمان طراف، نشرها موقع "روجافا"، تفيد بـ"استكمال تدريبات العناصر الكردية.. البالغ عددها سبعون عنصراً.. ومتابعة تلك العناصر بشكل دقيق بعد انتهاء الدورة الخاصة بهم على التكتيك الجديد للهجوم والمداهمة الخاصة مع السلاح الخفيف، والمتوسط إضافة إلى صواريخ الكتف ميلان م المضاد للدروع". الوثيقة التي حملت تصنيف "سري جداً"، والموجهة إلى قيادة "الفوج 54"، بدأت بـ"لاحقاً للأمر رقم 7735 تاريخ 10/11/2014 المتضمن تدريب عناصر من PKK..".
واستهدف القصف تدمير سجن علايا، ما تسبب بتركز الأضرار في حي علايا ذي الغالبية العربية. كما شمل القصف أحياء الزيتونية والعنترية وقناة السويس، في القسم الشرقي من المدينة، وخلّف العشرات من القتلى والجرحى، ونزح أغلب سكان الأحياء المحيطة بسجن علايا باتجاه مدن عامودا والدرباسية وسري كانيه والقحطانية والمالكية. واستقبلت مشافي تلك المدن العشرات من الجرحى، بعضهم فارق الحياة قبل الوصول إليها.
قصف قوات النظام سجن علايا ونقاط أخرى لـ"وحدات حماية الشعب" في مدينة الشباب وبلدية "الإدراة الذاتية" في "فندق هدايا"، بنيران المدفعية الثقيلة انطلاقاً من "فوج طرطب"، كان الورقة الوحيدة المتبقية للنظام، بعدما تمكنت "الوحدات" من قطع الطريق بين حارة الطي و"المربع الأمني" من جهة، وبين "المربع الأمني" و"فوج طرطب" من جهة أخرى.
وظلت الاشتباكات متقطعة حتى صباح الجمعة، وشهدت مناطق التماس بين "الوحدات" ومليشيا "الدفاع الوطني"، في محيط حارة الطي و"المربع الأمني" اشتباكات عنيفة استخدم فيها الطرفان الأسلحة المتوسطة.
وتتركز الاشتباكات حالياً في المناطق الممتدة بين دوار الوحدة وحي السريان حتى بداية حارة الطي، وتُستخدم فيها الأسلحة المتوسطة من القناصات وقذائف "آر بي جي" وقذائف الهاون. والملفت أن مسلحي "الدفاع الوطني" يحاربون بطريقة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" عبر اطلاق عشوائي للرصاص، بكثافة، والتكبير عند إطلاق النار.
ونجحت القوى المتصارعة في جر المعارك في ما بينها إلى حرب أهلية، إذ نصبت مليشيا "الدفاع الوطني" منذ الأربعاء خيمتين في حارة طي العربية، ودعت أبناء العشائر العربية للتطوع لخدمة النظام، فيما حمل مناصرو حزب "الاتحاد الديمقراطي" الأسلحة لمساندة مليشيا "الوحدات" مع توارد أنباء عن توافد أبناء العشائر العربية في الحسكة إلى مدينة القامشلي لمؤازرة قوات النظام. ويروّج النظام إشاعات بين أبناء العشائر العربية، وإحداها أن الضابط من عرب الجزيرة اللواء حسن المحمد، هو من يقود المعارك ضد "الوحدات".
الاشتباكات سرعان ما تمددت إلى حي النشوة ذي الغالبية العربية في مدينة الحسكة، بين "الوحدات" و"الدفاع الوطني".
ميزان القوى العسكري في القامشلي يميل من حيث العدة والعتاد لصالح قوات النظام، ومن حيث العديد والانتشار لصالح "الوحدات" التي يبدو بأنها قادرة على السيطرة على كامل المدينة، والهجوم على مركز ثقل قوات النظام في "الفوج 54". وذلك استناداً إلى أن أجواء المناطق الكردية محمية من قبل طيران "التحالف الدولي"، إلا أن مجريات الأحداث تسير في اتجاه حرب أهلية أكثر من كونها حرباً بين قوات النظام والقوات الكردية، إذ إن النظام يحارب بمؤيديه من أبناء المنطقة العرب، ما يجعل النزاع على أساس عرقي بين مخلفات التيارين القوميين الكردي والبعثي.
وعلى الرغم من تداول بعض وسائل الإعلام المقربة من النظام أنباء عن وصول قوات من "الحرس الجمهوري" إلى القامشلي والحسكة، إلا أنه من المستبعد أن يفتح النظام جبهة جديدة كرمى لعيون عرب الجزيرة، في وقت يستطيع "التحالف" مع الأكراد المنفتحين عليه للانتصار بسهولة. كما أن بعداً طائفياً للأزمة، يحسب له حساب، وهو موالاة "الاتحاد الديموقراطي" المنبثق عن "العمال الكردستاني" ذي القيادات الكردية العلوية، للحلف الإيراني في المنطقة، ما يجعل القطيعة النهائية بين "الاتحاد" والنظام مستبعدة حالياً.
وما يفهم من المواجهات الحالية، أن النظام إما لم يعد يستطيع السيطرة على التناقضات بين القوى العسكرية الموجودة في الجزيرة وأن الأمور خرجت من يده لتسير في اتجاه نزوع الأكراد لتحصيل مكتسبات جديدة والاستفراد بالقرار، أو أن النظام يقوم بإنهاك القوى العسكرية في المنطقة، عبر ضربها، بعضها ببعض، لتبقى مرهونة لأوامره.
وبخلاف "الاتحاد الديموقراطي" والنظام، يبدو عرب الجزيرة ذوي التوجهات البعثية أو "الداعشية"، الخاسر الأكبر في مثل هذه الاشتباكات، وما يمكن أن ينتج عنها. وعرب الجزيرة الموالون للنظام لا يتبعون لسلطة عشائرية سياسية، على عكس عشيرة شمر التي يسعى زعماؤها إلى تحقيق "الإمارة الشمرية" في مناطق من محافظتي الحسكة ودير الزور مع إمكانية امتدادها إلى مناطق وجودها في العراق.
المعارك بين "الوحدات" و"الدفاع الوطني" في الحسكة والقامشلي، يمكن أن تفضي إلى خلق خريطة عسكرية وسياسية جديدة في الجزيرة، لا وجود فيها، سياسياً وديموغرافياً، للعرب الموالين للنظام، الذين استخدمهم للانتساب إلى "الدفاع الوطني"، أو جنّدهم ضمن صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها