لن يكلفك الإدلاء بصوتك في الانتخابات التشريعية التي تجري في مناطق سيطرة النظام، سوى إرسال رقم بطاقتك الشخصية عبر "واتساب"، أو عبر أي تطبيق أخر، ليصوت أي شخص عنك. الحبر السري غائب عن كثير من مراكز التصويت، وذلك لإعطاء المواطنين المتحمسين فرصاً متعددة للتصويت في أماكن متعددة.
المراقبون البعثيون يتابعون، بكل دقة وشفافية، سير انتخاب "القوائم البعثية" في المحافظات. وأمناء الصناديق يحددون ويشطبون الأسماء في القوائم، من دون إيلاء أدنى أهمية لرأي المنتخب ورغبته. فالسلطة تحتاج فقط لحضورك الفيزيائي أو الافتراضي، ولكنها ستصوت عنك. وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية حاضرة دوماً لتغطية الحدث، إلى جانب الإعلام "الوطني". فالتجربتان "الديموقراطيتان" في إيران والعراق لن تكتملا من دون نقل تفاصيل العملية "الديموقراطية" السورية. المهم هو إيصال الصورة المرغوبة إلى الخارج، بأن العملية حقيقية، مطلوبة وشرعية، وفقاً للدستور.
ولا يمكن للمتابعين تجاهل حالة الصدمة التي يعيشها مؤيدو النظام تجاه مجريات هذه الانتخابات، فقوائم المرشحين الصادرة عن حزب "البعث العربي الاشتراكي"، والتي تعرف باسم "قائمة الوحدة الوطنية"، فائزة لا محالة. كانت تلك صفعة جديدة للموالين من قيادتهم الحكيمة. وتتكرر في "قائمة الوحدة الوطنية" اسماء المرشحين المعروفين بتورطهم في عمليات فساد كبيرة، تم التستر عليها وطي ملفاتها بانسيابية بالغة. كما أن تسريب اسماء الفائزين في عدد من المحافظات، وأولها اللاذقية وطرطوس، قبل يومين من انطلاق العملية رسمياً، اعتبره موالون للنظام استهانة بتضحيات الشباب الذين قدموا أرواحهم للتصدي للمؤامرة "الكونية" التي تستهدف وجود البلاد وكينونتها، وتحاول منع قيام الانتخابات التي تؤكد استمرار المؤسسات الحكومية التي يديرها النظام.
التعاطي مع موضوع التسريبات جاء متوقعاً، ورغم الصدمة قوبل الترويج لمقاطعة الانتخابات بحدود دنيا من الاستجابة، والكثير من أبناء القرى الساحلية التي قدمت أبنائها دفاعاً عن النظام، أصروا على الادلاء بأصواتهم، كرمى لأرواح من رحل من ذويهم. أما في مدينة اللاذقية، فالموظفون وطلاب الجامعات ومراجعو الدوائر الحكومية، يعتبرون عماد إنجاح العملية، طالما أن الصناديق موجودة في المدارس والكليات والمديريات الحكومية، على اختلاف أنواعها. حتى المشافي الحكومية شملها توزيع الصناديق، وأجبر المرضى على المشاركة، طالما هم قادرون على المشي. الخوف من كتابة تقارير تشي بمقاطعة الموظف أو العامل للانتخابات دفعت الكثيرين للإسراع إلى الصناديق. لكن لا يخلو الأمر من وجود بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة التي تحيكها دول لا تريد لهذه العملية ان تحدث لإبطال شرعية النظام السوري، ولعل "الحلفاء يرفضونها قبل الأعداء"، كما يقول العديد منهم في جلساتهم المغلقة.
لم تختلف الحملات الانتخابية للمرشحين عما عهده المواطن السوري قبل انطلاق الثورة؛ اللافتات العشوائية الموزعة هنا وهناك، والتي سقطت عفوياً مع أول عاصفة مطرية حصلت الثلاثاء، شوّهت التلوث البصري القائم سلفاً، وأضافت إلى الطنبور أوتاراً. حفلات "حزب البعث" الذي اعتاد إقامتها للترويج لمرشحيه "الناجحين سلفاً"، حضرت بخطاباتها الحماسية التي ستتصدى للإمبريالية والمؤامرة الكونية، من دون نسيان الأغاني الوطنية والدبكات الحماسية التي أثارت اشمئزاز الكثير من أهالي قتلى قوات النظام، خاصة وأنها تزامنت مع اشتباكات جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، والتي اوقعت قتلى وجرحى مرّت سيارات الإسعاف التي تقلهم إلى جانب حلقات الدبكة.
حضور نسائي لافت برز ضمن أسماء المرشحين المستقلين، وهو أمر أتى بتوجيه أمني، لإبراز أهمية المرأة في المجتمعات التي يحكمها النظام. مرشحات قدمن أنفسهن بناء على شكل الوجه، وتعديلات "الفوتوشوب" التي أظهرتهن بشكل متميز، وسط غياب تام لأي برنامج انتخابي لهن أو للمرشحين الباقين. ما جعل الناخب يختار مرشحته المفضلة هو لون الشعر وشكل العينين وصفاء البشرة، أما المرشحون المستقلون الذكور، فلجأ البعض منهم إلى توزيع علب السمن وربطات الخبز، في محاولة يائسة للحصول على مقعد برلماني. فقرار القيادة "الحكيمة" في اختيار الناجحين، قبل خوض الانتخابات، هو الفيصل.
مرشحو المحافظات الخارجة عن سيطرة النظام كانت لهم حصة في "العرس الديموقراطي" العظيم، في محافظة اللاذقية. صور ولافتات ولوحات إعلانية لمرشحين عن حلب وإدلب وديرالزور ظهرت أيضاً ضمن المشهد الفوضوي. وجرى التركيز على مخيمات النازحين، حيث وزّعت صناديق انتخابية فيها، وأجبر النازحون على ممارسة حقهم الانتخابي. وذلك يُدرج كبند في خطة النظام لإنجاح المشروع ومحاولة الاستفادة من وجود النازحين في معقل النظام.
آلاف المواطنين، ترشحوا لدخول مجلس لن يتسع سوى لمئتين وخمسين منهم، الرقم أثار الجدل حول سبب هذا الإقدام الكبير على انتخابات تعرف نتائجها سلفاً. الإجابة بسيطة، هناك نوعان من المرشحين، أولهم تحركه الأجهزة الأمنية، والثاني يسعى وراء القرض المعفى من الضرائب، الذي يحصل عليه المرشح بمجرد قبول أوراقه من قبل "الهيئة العليا للانتخابات". ومبلغ القرض الذي يصل إلى مليون ليرة سورية، يعتبر صيداً ثميناً في زمن يعاني السوريون فيه من ضائقة مالية كبيرة، دفعت الكثيرين منهم لخوض هذه المعركة الخاسرة، بسرور.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها