تؤكد الأوساط الأميركية أن واشنطن عاكفة على دراسة مسودة الدستور السوري التي تسلمتها من موسكو قبل أسابيع. وتقول هذه الاوساط إن العاصمتين متفقتان على الجزء الاكبر من الدستور، وأن التباين يتمحور حول بعض التفاصيل.
ولأن أميركا وروسيا تكرران ان الحل السياسي هو شأن سوري، وأن كتابة الدستور منوطة بالسوريين، الا ان الاوساط الاميركية تذكّر بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد ان لا دور للقوى السورية المحلية في الحرب او في السلم، وان كل واحدة من هذه القوى ترتبط بجهات اقليمية وتأتمر بأوامرها، بمن فيها الرئيس السوري بشار الأسد الذي "يأتمر بأوامر موسكو".
وسبق لبوتين ان كرر علنا ان الحل في سوريا يشترط التوصل الى حل بين القوى العالمية الراعية للقوى السورية، فإن توصلت القوى المعنية لاتفاق، يمكن لكل واحدة منها ان تفرض على تابعيها السوريين الانصياع، وكذلك سيكون الأمر بالنسبة للدستور الجديد.
وجاء اتفاق الهدنة ليؤكد رؤية بوتين القائلة بأن الحرب السورية يمكن ان تتوقف في حال توافرت النية الاقليمية والدولية. ما يؤكد أيضاً رؤية بوتين للصراع السوري وكيفية التوصل الى حل له، هو الاتفاق المعروف باتفاق "جنيف-1"، وهو الذي استندت اليه كل مؤتمرات الحلول وقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤. وجنيف الأول هو اتفاق بين اميركا وروسيا وحدهما، من دون اي مشاركة سورية.
هذه المرة، يرى بوتين ان ما سيلي عملية "وقف الاعمال العدائية"، التي دخلت حيز التنفيذ قبل اسابيع، هي عملية كتابة الدستور، وهذه يمكن اتمامها بتوصل واشنطن وموسكو الى الاتفاق على مسودة، لتقوم كل عاصمة في ما بعد بتسويقها بين حلفائها.
وتأمل الولايات المتحدة ان يقرّ السوريون دستورهم الجديد مع حلول شهر آب/اغسطس المقبل، ما يعطي الادارة أقل من ستة أشهر للاشراف على المراحل الاولى من تطبيق الانتقال السياسي في سوريا قبل خروجها من البيت الابيض مطلع العام المقبل.
فحوى الوثيقة الروسية المأمول تحويلها الى دستور سوري ما زال طيّ الكتمان، لكن بعض العارفين يقولون إن موسكو حاولت تجاوز بعض العثرات المتوقعة، مثل دور الاسلام في سوريا الجديدة، بتبنيها نص الدستور السوري الحالي. أما العقبة الاكبر، التي يتوقع ان تثير اعتراضات الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، فتتعلق بمهام رئيس الجمهورية العربية السورية، ومدة حكمه، وعدد الولايات التي يمكن ان يتبوأها.
الولايات المتحدة ستحاول الاصرار على مدة ولايتين لأي رئيس سوري مع احتساب ولايتي الأسد الماضيتين، فيما يعتقد ان روسيا توافق على موضوع الولايتين، لكنها ترفض ان تكون المدة "بمفعول رجعي"، أي إن تطبيق المادة يبدأ منذ اقرار الدستور الجديد.
النقطة الأخيرة التي قد تثير جدلاً بين السوريين تتعلق بمدى اللامركزية في سوريا، إذ يبدو ان موسكو تتمسك بأعلى درجات اللامركزية التي تقارب الصيغة الفيدرالية، فيما تعتبر واشنطن ان النموذج العراقي — الذي يسمح بقيام اقاليم بين أي ثلاث محافظات بموجب استفتاء شعبي — قد يكون خياراً أفضل.
كيف سيتعاطى السوريون مع الجهود الاميركية الروسية لصياغة مسودة شبه نهائية لدستور سوري جديد؟ لا شك أن الأسد لا يهمه من الدستور إلا المادة المتعلقة بالرئاسة وصلاحيتها وعدد ولايات الرئيس وضرورة نسف فقرة المفعول الرجعي حتى يتسنى له الترشح مجدداً. المعارضة بدورها ستحاول الاصرار على تضمين الدستور الجديد بنوداً تجعل من المستحيل بقاء الأسد في الحكم.
أما التسوية، حسب التجرية الماضية، فالأرجح أنها ستأتي على شكل لغة غامضة تعطي كل جهة مجالاً للتفسير على هواها. على أنه إن لم يتسن للمعارضين السوريين فرض خلع الأسد دستورياً، فذلك لا يعني أنه باق في الحكم، إذ بغض النظر عن الدستور، يبدو ان توافقاً دولياً، يتضمن الأميركيين والروس، ينص على اجراء انتخابات باشراف كامل للأمم المتحدة. هذه الانتخابات النزيهة، في حال حدوثها، ستؤكد أن بقاء الأسد في الحكم أمر مستحيل، لكن الوصول الى هذه المرحلة سيجبر المعارضة على ابداء تسامح أكثر مما يمكن لها قبوله، اذ يتطلب الموافقة على ترشح الأسد، ثم إلحاق الهزيمة به في صناديق الانتخاب. على أن الاصرار الدولي، خصوصاً الاميركي والروسي، قد يجبر المعارضة على خطوة من هذا النوع، وهي وإن كانت بمثابة "تجرع السم" للمعارضين لكنها قد تشكل الفرصة الأكبر للاطاحة بالأسد في صناديق الاقتراع، لمرة أخيرة وللأبد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها