يعاني السوريون في تركيا من مشاكل قانونية متعددة، لكن ما لا نسمع عنه كثيراً في وسائل الإعلام؛ هو معاناتهم مؤخراً من توقيف واحتجاز بعضهم إدارياً، بتهمة الانتماء إلى "مجموعات إرهابية" في سوريا.
ومن غير المعروف حتى الآن، العدد الدقيق للمحتجزين إدارياً من قبل السلطات التركية في مراكز ترحيل متفرقة. ولكن، من خلال السوريين الذين يتواصلون مع منظمات حقوق اللاجئين، ومن خلال ما شهده أولئك الذين خرجوا من مراكز الاحتجاز مؤخراً، يمكن القول إن هناك عدداً ممن يقبعون الآن في الاحتجاز ولا يمكنهم التواصل مع منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية، أو الحصول على مساعدة قانونية من أجل الخروج من هناك بالسرعة اللازمة.
ووفقاً لمبادئ القانون الدولي، لدى كل دولة السيادة والحق بحماية حدودها. وبينما لا يمكن ترحيل مواطنين أو منع دخولهم إلى بلادهم، تمتلك الدولة اليد العليا للبت بذلك في ما يخص الأجانب. لكن الأمر ليس بهذه البساطة عندما يصل إلى توقيف هؤلاء الأجانب أو الحد من حريتهم داخل حدود البلاد. ويثير ذلك الواقع نقاشاً حامياً بين نشطاء حقوق الإنسان، وأساتذة القانون، والعاملين في الحقل التشريعي في تركيا. فأولئك الذين يقاربون المسألة من زاوية حقوق الإنسان يقولون بأن احتجاز السوريين إدارياً والحد من حريتهم هو مخالف للدستور التركي الذي يكفل الحريات الأساسية، أما الذين ينظرون إلى الأمر من زاوية "القانون الوضعي" فقط، فيجادلون بأن الدولة التركية لا تقوم بانتهاك أي قانون؛ وأن الاحتجاز يتوافق تماماً مع القوانين المطبقة على الأجانب.
ويفرق "قانون الأجانب والحماية الدولية" في تركيا بين حالتين تخصان الوافدين إلى البلاد، وبالتالي مسألة احتجازهم. الأولى، تقول إنه يمكن توقيف أي أجنبي قام بانتهاك مدة الإقامة الممنوحة له أو دخل البلاد بشكل غير شرعي، أو لأية أسباب وقائية تخص الأمن القومي والنظام العام، ويمكن احتجازه إدارياً في مراكز الترحيل لمدة يصل أقصاها إلى 12 شهراً.
والحالة الثانية، تخص الأجانب المصنفين تحت بند "الحماية الدولية"، ولا يجوز احتجازهم أكثر من 48 ساعة، مثل المواطنين الأتراك، وبعد ذلك إما أن يطلق سراحهم أو يتم تحويلهم إلى المحكمة. وفي بعض الحالات النادرة جداً، يمكن وضعهم في مراكز للترحيل في حال تم اتخاذ قرار من المحكمة بحقهم بالترحيل.
المشكلة الرئيسية في ما يخصُ السوريين، تكمن في عدم وضوح القانون؛ فهل "الحماية المؤقتة" الممنوحة لهم في تركيا، مصنفة تحت بند "الحماية الدولية" أم لا؟ وهذا يترك الباب مشرعاً أمام احتجازهم من خلال معاملتهم كأجانب فقط.
وهكذا، فإن عدم إعطاء السوريين حق اللجوء، يفتح الباب رسمياً على الحد من حرياتهم وحقوقهم المدنية، وضمناً حقهم بالدفاع عن أنفسهم، طبقاً للقانون التركي. وهذا واحد من الأسباب الذي يوجب على تركيا ضمان حق اللجوء للسوريين.
وبناء على "الحماية المؤقتة"، لا يمكن ترحيل السوريين إلى سوريا بسبب الصراع الدائر هناك، ووفقاً لمحامي حقوق الإنسان والناشطين في حقوق اللاجئين في تركيا لا يجب وضع السوريين في مراكز للترحيل وإبقاءهم تحت "الاحتجاز الإداري"، بما أن الأجانب الذين صدر بحقهم قرار بالترحيل هم فقط من يمكن أن يحتجزوا بشكل إداري في تلك المراكز.
لذلك، يرى محامو حقوق الإنسان أنه لا يجب احتجاز السوريين كإجراء احترازي، ولكن يمكن احتجازهم فقط في حالة توجيه تهمة لهم. وعادة ما يكون هذا سبب إطلاق سراحهم من قبل المحكمة، لأنه في معظم الحالات لا تملك السلطات الإدارية أدلة عن سبب احتجازهم. ووفقاً للمسؤول عن حقوق اللاجئين في منظمة "مظلوم دار" لحقوق الإنسان، حليم يلماز، والمحامي الذي عمل على العديد من قضايا الاحتجاز لأجانب في تركيا، فإن أحد الأسباب لاحتجاز الأجانب يتعلق بأنظمة الحكم في البلدان التي يهرب هؤلاء الأجانب منها. فالشيشانيون مثلاً، الذين هربوا من روسيا، كان لديهم مشاكل مشابهة أيضاً، وبما أن الحكومة الروسية تعتبرهم إرهابيين، قامت بإرسال قائمة، تضيف إليها سنوياً حوالي 200 إلى 300 اسم، لأسماء "إرهابيين". ووفقا للاتفاقيات الثنائية الموقعة مع تركيا، يتوجب على الحكومة التركية احتجاز هؤلاء كإجراء احترازي. ويعتقد حليم يلماز أن النظام السوري يعمل بالنهج ذاته أيضاً، فيقوم بإرسال أسماء "السوريين غير المرغوب بهم" إلى منظمات الأمن الدولية، وبناء على الاتفاقيات الثنائية والدولية الموقعة مع تركيا، فعلى الحكومة التركية احتجاز هؤلاء كإجراء احترازي.
معظم من يتم توقيفهم بهذه الطريقة، يحصلون على الرمز "G" من "المديرية العامة لإدارة الهجرة"، والذي يشير إلى أن هذا الشخص مرتبط بمنظمات إرهابية. وعند سؤال المديرية قالت إن هذا الأمر "قائم على معلومات استخباراتية"؛ وهكذا لا يعرف المحتجز ما هي التهمة الموجهة إليه. وهنا يقول الحقوقي يلماز، إن الحد من حرية الناس بهذه الطريقة هو مخالف للدستور التركي، إلاّ إذا كان هناك دليل واضح على جريمة مرتكبة من قبل الشخص المعني.
ويضيف يلماز بأن "الهستيريا الأمنية" التي تم خلقها بسبب "الحرب على الإرهاب" قادت إلى مثل هذه النتائج، حيث يدفع مدنيون أبرياء الثمن. فوضع الاحتجاز في تركيا اليوم، وبهذه الطريقة، مشابه جدا لما حصل في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول، حيث تم تقليص حقوق الأجانب بشكل خاص. فلا فرق إن كان الحكم تحت الإدارة الجمهورية المحافظة في الولايات المتحدة، أو تحت الإدارة المحافظة في تركيا التي تعتبر من قبل البعض ذات توجهات إسلامية. وهنا، يشير يلماز إلى أن هذه الدوافع الأمنية هي أيضاً واحدة من الأسباب خلف النقاش الدائر في أوروبا حول فكرة منح حق اللجوء، أو تسمية هؤلاء اللاجئين بالمهاجرين، ما يؤدي إلى تجريدهم من الحقوق التي يمتلكها اللاجئون.
أمر آخر على صلة باحتجاز السوريين في تركيا، هو الاتفاقيات الأخيرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، التي دفعت الحكومة التركية لاتخاذ إجراءات لتقييد حركة السوريين. فنظام التأشيرة الجديد للسوريين الراغبين بالقدوم إلى تركيا، وإجراءات تقييد حرية الحركة للسوريين داخل الأراضي التركية، هي جميعها نتائج مباشرة لهذا الاتفاق. بالإضافة إلى ذلك، فوضع السوريين في مخيمات وتحت الاحتجاز، هو سياسة "احتواء" يتم انتهاجها من قبل الحكومة التركية. كما أن السوريين الذي يتسولون في الطرقات أو المشردين منهم الذين يعيشون في أبنية مهجورة، يتم "جمعهم" بشكل دوري، ويوضعون في مخيمات.
كما أن وضع السوريين في مخيمات، والذي يعتبر منافياً للدستور التركي، أو وضعهم قيد الاحتجاز، يستخدم كإجراء لإخافة السوريين، وإن هذه الاجراءات تتم بعلم من الاتحاد الأوروبي، ونتيجة لسياسات الضغط التي يقوم بها على الحكومة التركية.
بناء على ما سبق، تظهر أهمية كبيرة لمسألة احتجاز السوريين في تركيا على أكثر من مستوى، تؤشر جميعها إلى العديد من التناقضات السياسية والقانوينة داخل تركيا، وتؤكد أنه على جميع منظمات حقوق الإنسان واللاجئين، وكل من يسعى لجعل تركيا مكاناً أكثر ديموقراطية واحتراماً لحقوق الإنسان، العمل على جعل هذه المسألة متضمنة في القضايا الاساسية للنقاش السياسي في تركيا اليوم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها