سيسعد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد في حال وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الابيض، فترامب يعتقد أن الأسد "رجل سيء"، لكنه يرى البديل أسوأ. أما منافسة ترامب الديموقراطية هيلاري كلينتون، فعلى الرغم من انها ستتبنى سياسة اكثر قسوة في وجه بوتين والأسد، إلا أن أبعد أهدافها يقتصر على فرض وقف حربيهما على المناطق السورية ذات الغالبية السنية، وهو ما قد يقنع الأسد باستحالة استعادته البلاد كاملة وبضرورة مشاركته بتسوية واقتسام للحكم. لكن كلينتون لا تتبنى فكرة الاطاحة بالأسد، إذ هي تعتقد أن ذلك يتطلب قوات أميركية برية، وهو أمر مستحيل سياسياً في الولايات المتحدة.
ولأن الأسد يعتقد أنه تجاوز أزمة خروجه من الحكم، فهو صار يسعى إلى إعادة تأهيل صورته دوليا للخروج من عزلته. هذا النموذج القاضي باستخدام العنف المفرط بحق الخصوم للقضاء عليهم بشكل يؤدي الى عزلة دولية، ثم التفرغ لاعادة بناء صورة النظام دولياً والخروج من هذه العزلة، هو النموذج الذي صنعه الرئيس الراحل حافظ الأسد، والذي لجأ إليه ولده بشار في لبنان، ويحاول اللجوء اليه الآن في سوريا، مع فارق ان الأسد الأب كان يعود الى المجتمع الدولي منتصراً ومحققاً مكتسبات مثل فرضه سيطرته الكاملة على لبنان، فيما الأسد الولد يعود من عزلته بعد خسارته لبنان، والآن بعد خسارته معظم سوريا.
أما الأساليب التي يستخدمها بشار لإعادة اللحمة مع عواصم العالم فهي نفسها التي استخدمها والده، والتي تقدم النظام كشرطي في منطقة الشرق الاوسط يقوم بواجبات أمنية تطلبها منه واشنطن وتل أبيب وعواصم غربية، مثل تثبيت حدود الجولان مع اسرائيل بعد ١٩٧٤، وتسليم كارلوس والقبض على كوزو اكوموتو وغيرهم في التسعينات، ثم قتل أبوالقعقاع وتقديم بعض المعلومات للأميركيين عن مقاتلي "القاعدة في بلاد الرافدين"، وهم الذين قدم لهم الأسد ونظامه دعماً واسعاً في استقبالهم في مطار دمشق وتسهيل التحاقهم بالقاعدة في العراق.
مع خروج الرئيس الأميركي المتهاون مع بوتين والأسد من الحكم، سيجد الأسد نفسه مضطراً إلى إعادة تسويق خدماته الأمنية، فهو يتواصل مع نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقام الأخير بتقديم معلومات عن إرهابيين لعواصم غربية قال إنه حصل عليها من نظيره السوري، كخطوة لإعادة تذكير الغرب بفوائد بقاء الأسد في الحكم.
وبينما يجول رجل الأمن لدى الأسد علي مملوك في العواصم الصديقة التي يمكن أن تؤمن تسويق دور النظام الأمني لدى الغرب، حرك الأسد أزلامه العاملين خلف الكواليس، وبعضهم للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة المطالبة بخروجه من الحكم في العام ٢٠١١. ففي لندن، تحرك فواز الأخرس والد السيدة السورية الأولى أسماء الأسد، ووجه دعوات لبرلمانيين بريطانيين لزيارة دمشق ولقاء الأسد. وفي سياق مشابه، تحركت مجموعة فلسطينية محسوبة على السلطة الفلسطينية، التي هنأ رئيسها محمود عباس الأسد على "انتخابه" لولاية ثالثة، وتواصلت مع رئيس حزب العمال جيريمي كوربن، وحملته على زيارة دمشق كذلك.
وحطت في طهران منسقة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني للتحادث مع الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في الشأن السوري، وربما في شؤون تجارية تبدو على الهامش ولكنها أساس الزيارة، وكأن لروحاني أو لظريف تأثيراً على "حزب الله" اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية العاملة لدى إيران والمقاتلة في سوريا.
أما في واشنطن، فلم يتحرك لوبي الأسد بعد، والسبب واضح، إذ إن الحكمة تقتضي انتظار أسبوع حتى تنجلي الأمور ويتضح من سيفوز بمنصب رئيس، فإذا تبين أنه ترامب، فالمطلوب من لوبي الأسد سيكون سهلاً. أما إذا كانت كلينتون، فلوبي الأسد سيبدي نشاطاً أكثر من المعتاد، خصوصاً عن طريق زمرة من العاملين الحاليين في فريق "الأمن القومي" لأوباما، والذين سيجدون انفسهم قد خرجوا الى التقاعد ومجبرين على الانخراط في أعمال "لوبي" كوظيفة بديلة.
الأسد يتحرك لإصلاح صورته حول العالم والخروج من عزلته، لكن أوروبا تستعد لجرّه إلى المحاكم الدولية بتهم جرائم حرب. فقط ينتظر الأوروبيون وصول كلينتون للرئاسة للانقضاض على الأسد وإعلانه مجرم حرب، إذ إن أي إعلان من هذا النوع سيقضي إلى الأبد على أي فرصة لإمكان خروجه من عزلته وعودته إلى المجتمع الدولي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها