أصدرت الحكومة التركية، في 15 كانون الثاني/يناير 2016، لائحة تنظم "أذونات العمل" للسوريين في تركيا، والتي كانت منتظرة منذ مدة. وكانت مسودة هذا القانون، قد بقيت في مجلس النواب التركي، لوقت طويل. وكان من المتوقع صدور القانون، في أعقاب الانتخابات العامة في حزيران/يونيو 2015. لكن، وتبعاً للمناخ السياسي في تركيا بعد الانتخابات، تم تأجيل الإصدار.
وسيكون "إذن العمل" متاحاً للسوريين الذين مضى على دخولهم في نظام "الحماية المؤقتة" مدة ستة أشهر، ليتمكنوا من العمل في المدينة التي استصدروا منها وثيقتهم. والحصة أو "الكوتا" المعتمدة، المنصوص عليها، هي 10 في المئة للسوريين، مقابل المواطنين في تركيا. القانون يترك هامشاً لزيادة "الكوتا" في حال لم يتمكن صاحب العمل من إيجاد موظفين أتراك للوظيفة التي يطلبها. كما تختلف "الكوتا" في ما يخص قطاعات الزراعة وتربية المواشي، ويعود لكل ولاية تقريرها بحسب احتياجاتها.
وفي التفاصيل، يمكن تشغيل سوري واحد في أماكن العمل التي فيها أقل من عشرة عاملين، كما أنه بإمكان المنظمات غير الحكومية أن توظف سوريين أيضاً. ومن النقاط المهمة في القانون ما يتعلق بالأجور، حيث يُمنع تشغيل السوريين براتب أقل من الحد الأدنى العام للأجور، وتنطبق عليهم أيضاً قوانين "الضمان الاجتماعي".
فإن كان هناك أمر لا يمكن التغاضي عنه، وقد حاز على الكثير من التغطية الإعلامية المحلية والعالمية مؤخراً، فهو استغلال العمال السوريين في تركيا. فبسبب افتقادهم للضمانات، يعمل السوريون لساعات طويلة وبأجور تقل عن الحد الأدنى. وفي العديد من الحالات لا يتم الدفع لهم، وهم يخافون الذهاب إلى الشرطة وتقديم الشكاوى، بما أنهم يعملون بشكل غير قانوني.
بالإضافة إلى ذلك، وطبقاً لآخر الإحصائيات من الحكومة التركية، فإن 60 في المئة، من أصل 663.000 طفل سوري، في سن الدراسة في تركيا غير مسجلين في المدارس، وتعد عمالة الأطفال أحد أهم الأسباب لمثل هذه النسبة المتدنية في التعليم.
وفي ظل ظروف الاستغلال هذه، كان السوريون في تركيا ينتظرون بفارغ الصبر إصدار هذه التشريعات التي تسمح لهم بالعمل بشكل قانوني. لكن، وعلى قدر الأهمية التي ينطوي عليها إصدار هذه التشريعات -كان يجب أن تصدر أبكر من ذلك بكثير- فإن هناك العديد من القضايا والمشاكل الرئيسية في ما يخص السوريين الذين يعيشون في تركيا، لا يبدو بأن "إذن العمل" سيكون كافياً لحلها.
فالقطاعات الرئيسية الثلاث الأكثر توظيفاً للعمالة السورية في تركيا هي؛ البناء والنسيج والزراعة الموسمية. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن جميع هذه القطاعات تتضمن أعلى نسب للدخل غير الرسمي للاقتصاد التركي. وعلى الرغم من أنه في السنوات الأخيرة، قد تناقصت حصة الدخل غير الرسمي، "السوق السوداء"، من الدخل القومي في تركيا، بشكل ملحوظ، من 35 إلى 25 في المئة تقريباً، إلا أنها تبقى مساحة للاستغلال، ليس فقط للاجئين السوريين بل حتى للمواطنين الأتراك الذين يعملون فيها من دون ضمانات.
وتجدر الإشارة إلى أن أعمال "السوق السوداء" في تلك القطاعات، تتضمن تراتبية إثنية، بين المواطنين الأتراك أنفسهم؛ فبعد التهجير الداخلي لما يقارب مليون ومئتي ألف من الأكراد من قراهم في الثمانينيات والتسعينيات، أصبح العمال الأكراد الرافد الرئيس لتلك الأعمال، مضطرين للعمل من دون ضمانات بسبب ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. وتشير دراسات تمت بعد العام 2012 إلى تناقص نسبة العمال الأكراد في مدن مثل أورفة، حيث يوجد تركز كبير للاجئين السوريين. وذلك بعدما استُبدل العمال الأكراد بالسوريين الذين يعملون تحت شروط عمل أقسى، بسبب ظروفهم المعيشية السيئة، ما وضعهم في آخر التراتبية في سوق العمل.
وحتى لو أن السوريين الآن لديهم الحق بالعمل، فإنه من المتوقع أن تستمر نسبة معتبرة منهم في العمل في تلك القطاعات الثلاثة كجزء من "الإقتصاد غير الرسمي". وطالما أن المشاكل الهيكلية للاقتصاد التركي لم تحل، فإن إستصدار "أذونات للعمل" لن يمنع استغلال اللاجئين. أما في ما يتعلق بمهن الياقات البيضاء كالمهندسين والمعماريين وما إلى ذلك، فطالما أن أصحاب الأعمال سيدفعون الضرائب للحكومة على الموظفين السوريين أيضاً، سيكون الحافز الوحيد لهم في توظيفهم هو دفع رواتب أقل لهم، من أقرانهم الأتراك.
وحول السبب في تحديد نسبة التوظيف للسوريين بما دون 10 في المئة، من الموظفين في مكان العمل الواحد، يشير أستاذ "قانون اللجوء" في جامعة بيلغي في اسطنبول بيرتان توكزلو، إلى أن حق العمل يعتبر من الحقوق الأساسية للمواطنين وغير المواطنين في تركيا، وذلك مضمون في الدستور، على الرغم من عدم العمل به بالنسبة للاجئين السوريين حتى الآن. لذا فإن تحديد حصة التوظيف للسوريين بعشرة في المئة هو ضد الدستور، ما لم يتم تغيير الدستور بحد ذاته، لا التشريعات فقط. بكلمات أخرى، فإن ما تقوم به الحكومة التركية من خلال هذه التشريعات هو تحويل حالة أمر واقع إلى حالة اعتراف شرعي، حيث أن الاقتصاد التركي بنسبة البطالة الحالية البالغة 11 في المئة، ليس بقادر على تحمل ما يقارب مليون عامل جديد يدخلون إلى سوق العمل. وبهذه التشريعات الجديدة، وضعت الحكومة "كوتا العشرة في المئة" كنوع من التصريح القانوني يفيد بأن: ليس كل السوريين سيحظون بفرصة عمل في تركيا. وهكذا، بهذا التفسير، سيخدم القانون الجديد نوايا معاكسة تماماً لما هو متوقع منه!
وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن استصدار قانون العمل للسوريين يعتبر خطوة إيجابية جداً، لأنه سيؤدي إلى منع استغلال اللاجئين السوريين، كما أن إعطاء الأهل حقوق عمل منصفة سيكون عاملاً إضافياً لإنقاص نسبة العمالة بين الأطفال.
كما أن اصدار القانون، يؤشر عموماً إلى تغيير في سياسة الحكومة التركية تجاه اللاجئين السوريين، لتكون الخطوة الأولى بإعطائهم حقوقهم المتأخرة لسنوات. ما يعني أنهم سيصبحون مرئيين، ليتم ضمهم لاحقاً للإحصائيات في البلاد، مثل البطالة وحوادث العمل، ما سيجعل الحكومة تأخذ بعين الاعتبار في رسم سياساتها مواطنيها الأتراك واللاجئين السوريين.
كما سيتمكن السوريون مع "إذون العمل" من الانضمام إلى النقابات التي ستوفر لهم حماية أكبر لحقوقهم. وفي هذا السياق، أصدر "اتحاد النقابات العمالية الثورية"، وهو تجمع من عشرين نقابة مُعارضة في تركيا، بياناً يعتبر الأول من نوعه، داعماً فيه منح "إذون العمل" والحقوق المتساوية للسوريين.
ومن الدلالات المهمة التي يشير إليها صدور "تصريح العمل" للسوريين وبيان النقابات، سياسياً واجتماعياً، مدى أهمية التحول في نظرة الحكومة التركية تجاه اللاجئين، لجهة عدم اعتبارهم مؤقتين، أو الإشارة لهم بمصطلحات دينية مثل الأنصار والمهاجرين، ما ينعكس على منظور الرأي العام في البلاد تجاه اللاجئين. فلن يعود السوريون غير مرئيين أو ضيوفاً بحاجة للمساعدة، بل سيصبحون أفراداً بحقوق.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها