وقد قضى مع علوش مرافقه الشخصي، فيما أصيب عدد من قادة "جيش الإسلام"، أهمهم مدير مكتب علوش الملقب بـ"الزيبق". ولم تكن عربات صواريخ "الأوسا" المضادة للطيران المروحي، موجودة في الكتيبة، خلال القصف، ولم تتعرض للتدمير.
ووصل علوش إلى المستشفى في مدينة دوما، قتيلاً بإصابة في البطن. وظل خبر مقتله بين الأطباء الذين لم يستطيعوا التصريح عنه في البداية، قبل أن يخبروا قادة "جيش الإسلام" الذين طلبوا منهم التكتم على الخبر. وقد سعى قادة "جيش الإسلام" إلى اختيار خليفة لعلوش، قبل الإعلان عن مقتله، إلا أن الخبر سرعان ما تسرب إلى الإعلام.
وقد خيّم جو من الوجوم والترقب بعد اغتيال علوش، في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وساد التخوف بين السكان من تأثير مقتل زعيم "جيش الإسلام" على أوضاع الجبهات وعلى استقرار الأوضاع الداخلية في الجيش الذي يشكل أقوى الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية، ويرابط على معظم جبهاتها.
ولم يطل الترقب كثيراً، وأعلن "جيش الإسلام" بعد ساعات من مقتل علوش عن تعيين عصام البويضاني "أبو همام" خلفاً له. ويعد أبو همام، من مواليد العام 1975، أحد أهم القادة الميدانيين في "جيش الإسلام" وهو خريج إدارة الأعمال، وكان قد شكّل مع علوش، "سرية الإسلام" قبل أن تصبح لاحقاً "جيش الإسلام". وشغل منصب قائد "ألوية ريف دمشق" في "جيش الإسلام"، ثم قائد "عمليات ريف دمشق"، ثم قائد "ألوية جيش الإسلام في سوريا"، ثمّ رئيساً لـ"هيئات جيش الإسلام".
ولم يتم تأكيد الطريقة التي تم بها تحديد موقع علوش، فالبعض يعتقد أنها صدفة محضة لأنها ترافقت مع غارات أخرى، والبعض يشك أن أحد الفصائل الذي يناصب علوش العداء قد قام بالتنسيق مع النظام والروس لتحديد مكانه. إلا أن طيران الاستطلاع الروسي يستطيع تحديد الوجوه كما أكد خبراء عسكريون، ومن الممكن أن يكونوا قد قاموا بتتبعه.
وقد اجتمع علوش قبل أيام، مع لجنة شكلها مدنيو منطقة المرج في الغوطة الشرقية، بعد بدء المعارك الأخيرة التي نتجت عنها سيطرة قوات النظام على بلدات مرج السلطان ونولة وحوش العدمل ومطار مرج السلطان، واقترابها من بلدة النشابية مركز منطقة المرج وتل فرزات المشرف على نصف الغوطة. وأكد علوش للجنة، أن النشابية وتل فرزات خط أحمر، ولن يسمح بسقوطهما في يد قوات النظام، وأن "جيش الإسلام" مع بقية الفصائل يحضرون لعملية خلال أيام لاسترداد كامل ما سيطرت عليه قوات النظام في الأسابيع الماضية.
وتردد زهران في الأيام القليلة الماضية، بشكل يومي إلى منطقة المرج، للتحضير للعملية العسكرية. وقد خطب الجمعة في أحد مساجد بلدة أوتايا قبل أن يتجه إلى الاجتماع الذي قضى فيه، ما يُرجح وجود من كان يراقبه ويتتبعه. مع العلم أن منطقة المرج كانت أهم معاقل "الدولة الإسلامية" قبل أن يقوم "جيش الإسلام" بالقضاء عليها في حزيران/يونيو 2014.
ويُعرف علوش بـ"الشيخ محمد زهران بن عبدالله علوش الحسني الدومي" وهو مواليد دوما 1971، واعتقله النظام نتيجة نشاطه الدعوي، في العام 2009، وأحيل لاحقاً إلى سجن صيدنايا، وخرج في العفو الذي أصدره بشار الأسد في حزيران/يونيو 2011 عن "السجناء السياسيين"؛ ومنهم قائد "حركة أحرار الشام" حسان الحموي، الذي قتل في تفجير في إدلب في أيلول/سبتمبر 2014، وكذلك زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني. وقد خرج أولئك المعتقلون من سجن صيدنايا في فترة الثورة السلمية. وبعد شهر من إطلاق سراحه، قام علوش بتشكيل "سرية الإسلام" في غوطة دمشق الشرقية، مع خمسة آخرين من مدينته دوما، لكنه استقر معهم في مدينة سقبا المجاورة لدوما، وتبع لـ"كتيبة أبو عبيدة بن الجراح"، قبل أن تصبح سريته كتيبةً، ثم لواءً، ثم جيشاً.
وقد شارك "لواء الإسلام" في عملية السيطرة على مدينة دوما من قوات النظام، نهاية العام 2012، حيث قام بالسيطرة على حاجز جسر مسرابا. كما شارك في عمليات السيطرة على مدينة عدرا العمالية، والدخانية وطريق دمشق-حمص الدولي، والجبال المجاورة لمدينة دوما، لكنه انسحب منها في فترات مختلفة.
ويشكل "جيش الإسلام" القوة الأكبر في الغوطة الشرقية، رغم ظهور قوى كثيرة نافسته في الحجم، إلا أنها ضعفت أو اندثرت، كـ"ألوية الحبيب المصطفى" و"قوات المغاوير" و"لواء تحرير الشام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" وغيرها. وعُرف عن "جيش الإسلام" في الغوطة الشرقية، علاقاته غير الودية مع الفصائل الإسلامية أو تلك التابعة للجيش الحر، وكان يسعى لضم الفصائل إليه أو تهميشها.
وقد عرف عن علوش كثرة ظهوره المفاجئ في المساجد والمشافي، وخروجه من الغوطة المحاصرة بطرق سرية والرجوع إليها، وعلاقته القوية بالمملكة العربية السعودية.
وقد درس علوش الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق، ثم أكمل دراسته للماجستير في جامعة المدينة المنورة في المملكة السعودية، وشغل والده مكانة رفيعة بين شيوخ السلفيين في السعودية.
علوش المتزوج من ثلاث نساء، لديه عدد من الأبناء أكبرهم عبد الله. وعُرفت عن علوش مواقفه المزدوجة، حيث وضع الديموقراطية تحت قدميه مرة، والعلمانية مرة أخرى، وتراجع عن ذلك في لقاءاته مع صحف أميركية، وكذلك في توقيعه على اتفاقية مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الذي تم الإعلان فيه عن السعي لإقامة دولة مدنية ديموقراطية. وقد ناصب علوش "الدولة الإسلامية" العداء، وقاد حرباً ضدها في الغوطة الشرقية والمنطقة الجنوبية من دمشق وجبال القلمون. إلا أنه قام بمدح "جبهة النصرة" حيناً، ومهاجمتها أحياناً أخرى، من دون أن يحدث أي اقتتال بينهما.
ويضم "جيش الإسلام" بين قادته تيارين سياسيين، أحدهما متشدد والثاني إصلاحي. وقد حُسب علوش على الأول في بداية ظهور تشكيله العسكري، قبل أن يصبح أقرب للثاني بعدما زادت قوته. وكان بشخصيته القوية والكاريزمية ضامناً لعدم حدوث أي نزاع بين التيارين، إلا أن اغتياله يجعل إمكانية حدوث نزاع لقيادة الجيش بين التيارين أكثر حضوراً. كما أن القائد الجديد لـ"جيش الإسلامي" محسوب على التيار الإصلاحي فيه.
قوات النظام استغلت نبأ مقتل علوش، وبدأت السبت هجوماً واسعاً على حي جوبر الدمشقي، وتمكنت المعارضة من صد الهجوم، بعدما كبّدت القوات المهاجمة خسائر فادحة. وقام عناصر من "جيش الإسلام" بالتسلل وزرع قنابل في الخطوط الخلفية لقوات النظام، وتأكيد مقتل 28 عنصراً منهم.
ودعا "الائتلاف الوطني" المعارض "الهيئة العليا للمفاوضات" المنبثقة عن مؤتمر الرياض لعقد اجتماع طارئ لدراسة تداعيات مقتل علوش. وأوضح الائتلاف في بيان له: "أن هذه الجريمة تؤكد أهداف العدوان الروسي على سوريا، ومنها دعم الإرهاب وعلى رأسه نظام الأسد، واستئصال قوى الثورة المعتدلة"، مشيراً إلى أنها تأتي بعد أيام من مؤتمر قوى الثورة والمعارضة في الرياض، والاتفاق الذي أكد الالتزام بالحلِّ السياسي، ووقعته القوى العسكرية المشاركة، ومنها "جيش الإسلام".
وطالب البيان المجتمع الدولي ومجلس الأمن لإدانة تلك الجريمة، بما تمثله من خرق للقرار 2254، وتقويض لمصداقية الدول الموقعة عليه.
وأدان المنسق العام لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" رياض حجاب مقتل علوش، معتبراً ذلك تهديداً لمسار العملية السياسية والتفاوضية مع نظام الأسد. وأكد حجاب أن هذا الحادث "له تبعات على المعترك السياسي والديبلوماسي"، لأن "جيش الإسلام" هو أحد أهم مكونات "الهيئة العليا للمفاوضات" التي انبثقت عن مؤتمر الرياض في 10 كانون الأول/ديسمبر، واستهداف أي مكون منها هو استهداف للهيئة بأكملها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها