تتشابه بطريقة أو بأخرى أوضاع الفلسطينيين الفارين من لهيب الصراع في سوريا إلى بلدان الجوار العربي، لبنان أو مصر، لكنها تختلف جذرياً مقارنة بتلك التي يعانيها الفلسطينيون الذين وصلوا إلى الأراضي الأردنية، فتأخذ نكبتهم الجديدة بعداً أشد قساوة ومرارة من أي مكان آخر.
الحكومة الأردنية اتخذت، منذ بداية توافد النازحيين السوريين إليها، قراراً بمنع دخول الفلسطينيين السوريين إلى أراضيها باعتباره "خطاً أحمر" لا يمكن تجاوزه. رئيس الوزراء الأردني، عبدالله النسور، كان واضحاً في تصريحاته بأن "الأردن لن يفتح المجال أمام اللاجئين الفلسطينيين في سوريا للدخول إلى أراضيه، وخصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي السورية والدولة المضيفة (سوريا) أولى بأن تتحملهم".
تصريحات النسور جاءت تطبيقاً لقرار، اتخذه قبل عام، مجلس الأمن الوطني، الذي يترأسه الملك الأردني عبد الله الثاني، وذلك خوفاً من انتقال مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى الأردن. ورغم أن القرار يخالف القوانين الدولية المعنية بحقوق اللاجئين، والاتفاقية الخاصة بها والتي وقع عليها الأردن، إلا أنه طبّق بالفعل على الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية.
أما من يدخل من الفلسطينيين إلى الأردن "خلسةً" عبر الحدود، فيتم القاء القبض عليه واعادته إلى سوريا ليواجه الموت. وهذا ما حصل بالفعل مع شخص واحد على الأقل. إذ أشار تقرير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، الصادر في شباط/فبراير الماضي، إلى مقتل فلسطيني واحد، تم ابعاده قسراً عن الأراضي الأردنية واعادته إلى سوريا، حيث لقي حتفه بعد ايام قليلة.
وفي الوقت الذي كان فيه الطرفان الفلسطيني والأردني يتبادلان القبل والمباركات على توقيع اتفاقية بينهما تجدد الوصاية الأردنية على الأراضي الفلسطينية المقدسة في نهاية آذار/مارس الماضي؛ كان هناك نحو 250 لاجئاً فلسطينياً عالقين على الحدود الأردنية بعد فرارهم من الموت من مخيم اليرموك وسط العاصمة دمشق، ولم يسمح بدخولهم على مدى ثلاثة أسابيع ثم انقطعت أخبارهم ولم يعرف حتى الآن مصيرهم.
وبينما يواجه الفلسطينيون من حملة الوثائق السورية المنع المطلق من دخول الأراضي الأردنية، هناك نسبة ضئيلة من الفلسطينيين من حملة الوثائق الأردنية، المقيمين في سوريا، تعاني بدورها من تضييق السلطات الأردنية عليها. هؤلاء تقدر اعدادهم بين 50 و60 ألف فلسطيني، غادروا الأردن على خلفية أحداث أيلول الأسود 1970 ومعارك جرش وعجلون 1971. مع فرارهم من سوريا، سُمح لبعضهم بدخول الحدود الأردنية، من دون أن يسمح لهم بالانتقال إلى عمقها. وتم تخصيص مكان لهم بالقرب من مدينة "الرمثا " الحدودية، وهو مجمع سكني قديم للعمال يطلق عليه اسم "سايبر سيتي". قد يكون هؤلاء نجوا من الموت، على خلاف اشقائهم من حملة الوثائق السورية، لكنهم لم ينجوا من المعاناة ولا من التمييز بينهم وبين النازحين السوريين. ولم ينجوا أيضاً من اهمال السفارة الفلسطينية في متابعة أوضاعهم هناك.
وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 200 فلسطيني فقط في مخيم "سايبر سيتي" (جزء منهم من حملة الوثائق السورية)، ممنوعين من الخروج إلى أي مكان وكأنهم منفيون من سوريا إلى المخيم. كما أنهم محرومون أيضاً من نظام "التكفيل"، الذي يسمح للنازح السوري الوصول إلى المدن الأردنية والسكن والعمل فيها.
في ظل هذا الوضع المأساوي والإهمال المستمر الذي شعروا به، شكل اللاجئون لجنة وجهت انتقادات قاسية للسلطة الفلسطينية، واتهمت السفير الفلسطيني في الأردن بالتهرب من مسؤوليته تجاههم، وذلك في رسالتين وجهتهما إليه اللجنة حملتا عنوان "خرجنا عن الصمت 2و1". كما طالت انتقاداتهم الأونروا والهيئات الدولية وكذلك السلطات الأردنية.
الغريب في هذا كله "تفهم" السلطة الفلسطينية للاجراءات التي تمارسها الحكومة الأردنية بحق الفلسطينيين الهاربين من سوريا من حملة الوثائق السورية لاجبارهم على العودة إلى نيران المعارك هناك، وكأن الأمر لا يعنيها. كما تغض الطرف عن أوضاع الفلسطينيين "المحتجزين" في المنفى القسري في "سايبر سيتي"، متجاهلةً تواجدهم في بيئة غير صحية مليئة بالعقارب والأفاعي، نظراً لوجود المجمع في منطقة صحراوية.
كما أن الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية تتهمان اللاجئين الفلسطينيين بأنهم لاجئون "اقتصاديون"، أي أنهم ليسوا هاربين من الصراع الدموي الحاصل في سوريا بل يبحثون عن مصدر رزق جديد. والأغرب أن تأتي المطالبة بتحسين أوضاعهم القانونية والمعيشية من طرف أردني، وهو البرلماني محمد الحجوج، وليس من السفارة الفلسطينية في عمان.
وبينما تشير احصاءات صدرت أخيراً إلى أن عدد الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى الأردن بلغ نحو سبعة آلاف لاجئ، تنفي مصادر أردنية حكومية هذه الأرقام. ويبقى المؤكد وجود نحو 200 لاجئ في مخيم سايبر سيتي، مقارنة بنحو مليون ومئتي ألف نازح سوري دخلوا إلى الأردن حتى الآن.
وفيما تبرر الحكومة الأردنية رفضها السماح بدخول الفلسطينيين إلى أراضيها بالخوف من التوطين، تمضي في سياستها غير عابئة بادانة المنظمات الدولية لهذا القرار، طالما أن السلطة الفلسطينية "تحترم" مخاوفها من دون أن تقوم بعمل ما لتبديده أو التنديد به. أما الفلسطينيون من حملة الوثائق السورية والأردنية فيتوجب عليهم الاختيار ما بين البقاء تحت نيران المعارك والقصف أو الانتظار في العراء على الحدود حتى تتغير "الأوامر" وإما العيش في "سايبر سيتي"، منفاهم الجديد.