ذكرى 4 آب: مقتل المواطَنة بعد قتل المواطن

سيمون كشر
الأحد   2024/08/04
اللوحة للبروفيسور جيرار أبدجيان
في 4 آب من العام 1970، أي منذ أكثر من خمسين عاماً، فاجأ الرئيس فؤاد شهاب اللبنانيين ببيان مكتوب، عرف بـ"بيان العزوف"، أعلن من خلاله العزوف عن الترشح للانتخابات الرئاسية، ناعياً النظام برمته، وقائلاً ما حرفيته: "إن المؤسسات السياسية اللبنانية والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي تشكل أداة صالحة للنهوض بلبنان.. وذلك أن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي، سعياً وراء فاعلية الحكم، وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها أحداث عابرة وموقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات.. كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني. إن الاتصالات العديدة التي اجريتها والدراسات التي قمت بها، عززت قناعتي بأن البلاد ليست مهيأة بعد ولا معدّة لتقبل تحولات، لا يمكنني تصور اعتمادها إلا في إطار احترام الشرعية والحريات الأساسية التي طالما تمسكت بها".
 
ماذا نقرأ في بيان العزوف؟ نقرأ دولة الإشكاليّات، لا دولة المواطنة والمؤسّسات، وبين سطوره نفهم سقوط مؤسّسات تحديث النظام! هو لم يكن بيان عزوف عن الترشّح، بقدر ما كان عزوفاً عن خذل المواطنين والمواطنات وإحباطهم! ولعلّ أخطر ما في البيان أنّ موقّعه آتٍ من تجربة الحكم، بل من غياهب تلك التجربة. في أسطرٍ قليلة، وإنّما -كصمته- معبّرة، أخبر الرئيس شهاب أنّ إشكاليّة الدولة في نظامها وأنّ أزمة النظام هي في مؤسساته".

هل من اتعظ من ذلك الحين وحاول توجيه بوصلة عمله في الشأن العام نحو بناء فعّال لوطن ومواطنة؟ طبعاً لا، بل العكس هو الصحيح؛ وإلا لم نكن لنصل إلى تفجير 4 آب وقتل الوطن والمواطنة. 
 
كل شيء تغير في لبنان منذ العام 1970. وحدها الدولة اللبنانية بمؤسساتها ونظامها بقيت على مشارف الثمانينيات ولم تتطور منذ ذلك الحين. بل أخذت في التدرج نزولاً حتى وصل فينا الدرك إلى أسفل مرتبات المواطنة. فقُتلت المواطنة على يد من قتل المواطن والمواطنة والوطن منذ سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى جريمة العصر في 4 آب منذ أربع سنوات. 
ليس الوقت وقت جدل سياسي، وليس الوقت وقت زواريب ضيقة، وسأكتفي بهذا الكلام الوجداني، لأنه "في حضرة الدم، يخجل الحبر ويتراجع". 
فليخجل كل من ساهم في مقتل المواطنة بعد قتل الوطن والمواطن، خصوصاً أنه بغياب المحاسبة والعدالة، وهذه ليست بالمرة الأولى، والغياب المتتالي والمكرر لمبدأ المحاسبة، سيبقى مفهوم المواطنة مغيّباً في لبنان.

(*) تنشر بالتزامن مع موقع "معهد الأصفري" في الجامعة الأميركية في بيروت.