"الحساب المفتوح" يشعل الجنوب.. وميقاتي يعتبرها "حرب إبادة"

المدن - لبنان
الإثنين   2024/09/23
غارة على بلدة الغازيّة قرب صيدا (متداول)
بعد تسميتها بمعركة "الحساب المفتوح"، تدخل المواجهات بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيليّ، مرحلةً جديدة، وصفها بعض المراقبين بأنّها شبيهة لحدٍّ كبير بسيناريو الحرب على غزّة، بدليل التصريحات الإسرائيليّة الّتي يروّج فيها القادة السّياسيين والعسكريين، لاستخدام الحزب منازل مدنيين ومرافق مدنيّة خاصّة في جنوب لبنان كمخابئ لإطلاق الصواريخ. وقد طلب من اللّبنانيين مغادرتها تمهيدًا لقصفها، وذلك تزامنًا مع تصعيد غاراته على مناطق واسعة في جنوب وشمال الليطاني.

وتُشير التقديرات لاحتمال أن تشهد بعض المناطق اللّبنانيّة، قصفًا أكثر عنفًا، بحسب ما يشي به كلام الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ دانيال هغاري، اليوم الاثنين، في فيديو يزعم فيه "إخفاء الحزب لصواريخ موجّهة داخل منازل مدنيّة". ويروّج وزير الخارجيّة الإسرائيليّ، يسرائيل كاتس لنفس الادعاء، زاعمًا عبر حسابه على منصة إكس، أن "نصر الله حوّل سكان لبنان إلى رهائن، ووضع الصواريخ والأسلحة داخل بيوتهم وبلداتهم لتهديد الجبهة الداخلية الإسرائيليّة". وقال: "على سكّان لبنان إخلاء أي منزل أصبح موقعًا لخدمة منظمة حزب الله حتى لا يتعرّضوا للأذى".

هذا في وقتٍ تزداد فيه التحذيرات الدولية والأممية من خطر التصعيد في المنطقة وانزلاقها إلى حرب شاملة. وتوعد رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هاليفي بـ"ضرب أي طرف يهدد" الإسرائيليين، معتبراً أن العملية العسكرية المستمرة ضد حزب الله اللبناني تشكل "رسالة إلى أعداء البلاد في المنطقة وخارجها". وقال هاليفي، في تصريح مصور، إنّ "هذه العملية ضد الهرمية القيادية في حزب الله هي رسالة واضحة إلى حزب الله، ولكنها أيضاً رسالة إلى الشرق الأوسط وخارجه: سنضرب أي طرف يهدد مواطني دولة إسرائيل".

غارات مكثّفة
وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة بيان أعلن أن "غارات العدو الإسرائيلي المتمادية على البلدات والقرى الجنوبية أدت في حصيلة أولية إلى استشهاد خمسين شخص وإصابة أكثر من ثلاثمئة جريح، ومن بين الشهداء والجرحى أطفال ونساء ومسعفون".

وحتّى لحظة كتابة هذا التقرير، استشهد 4 لبنانيين وأصيب آخرون، جراء سلسلةً من غارات عنيفة ومكثّفة شنّها طيران الاحتلال الإسرائيليّ، صباح اليوم الاثنين، على مناطق واسعة في جنوب لبنان، طاولت معظم البلدات الحدوديّة، بينها 80 غارة على مناطق في النبطية. وقالت وسائل إعلام إسرائيليّة أن سلاح الجوّ الإسرائيليّ ينفذ سلسة غارات على لبنان وصل عمق بعضها لـ 125 كم من الحدود. كما ونفذ الجيش غارات إسرائيليّة استهدفت قرى في السلسلتين الشرقيّة والغربيّة من البقاع الشماليّ. وشملت هجمات سلاح الجوّ، البقاع الشماليّ في لبنان على عمق حوالي 130 كلم عن الحدود.

وطالت الغارات الإسرائيليّة كل من بلدات عيترون والعديسة والطيبة والخيام وعيتا الشعب وحولا ومجدل سلم وطلوسة والصوانة والعباسية ودير قانون النهر ومعروب وميس الجبل، فضلًا عن طورا والبازورية وجبشيت وبرعشيت جنوبي لبنان، فضلًا عن قرى في البقاع الغربيّ والشماليّ ومناطق على الحدود اللّبنانيّة السّوريّة.
كما نفذت الطائرات الحربيّة الإسرائيلّية قرابة الثانية عشرة والثلث غارة جويّة على منطقة الميتم عند اطراف بلدة ميفدون الشمالية، كما شنت  سلسلة غارات على الغازية وغارة على الطيبة وطريق القنطرة وكذلك على بلدة المعشوق قرب صور.

ونعى حزب الله في بيان، شهيده حسين أسعد امهز "عبدالله" مواليد العام 1973 من بلدة مقراق في البقاع. في وقتٍ أفادت فيه وزارة الصحّة عن إصابة 11 شخصًا جراء غارة للعدو الإسرائيليّ على بلدة عيترون جنوبي البلاد، فضلًا عن 3 جرحى جراء غارة إسرائيلية على بلدة عيناتا، كما وأُعلن عن جريح في غارات إسرائيليّة على بلدتي المالكية وجبال البطم. وأعلن عن وصول جثامين 4 شهداء، بينهم طفلان و26 جريحًا بينهم 4 حالتهم حرجة إلى مستشفى تبنين الحكوميّ. وأفادت المعطيات الأوليّة، بأنّ الغارة على بلدة الخرايب قطعت الطريق ودمرت أكثر من مبنى ودمرت سيارات عدّة، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى.

أحزمة نارية
ونفذت طائرات إسرائيليّة غارات على شكل أحزمةٍ ناريّة في منطقتي صور والنبطية جنوب لبنان، وإلى ما قبل السّاعة السابعة من صباح اليوم كان الجيش الإسرائيليّ قد نفّذ ما يقرب الـ 120 غارة جويّة على لبنان، معظمها في الجنوب والبقاع. تلى ذلك إصدار الجيش الإسرائيليّ إنذارات للسكّان في جنوب لبنان بإخلاء منازلهم بدعوى وجود منصات صواريخ في مناطقهم. وقال في بيان "تحذير عاجل إلى سكاّن القرى في لبنان، إذا كنتم تتواجدون داخل أو بجوار مبنى يستخدمه حزب الله لتخزين أسلحة أو وسائل قتالية عليكم إخلاء هذا المبنى والابتعاد عنه فورًا". وأفادت سلطة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيليّة عن اندلاع حرائق بعدة مواقع في منطقة "عميعاد" جراء قذائف أطلقت من لبنان.

هذا وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ "رصدنا استعدادات حزب الله لمهاجمة مواطني دولة إسرائيل ولهذا السبب قمنا بالهجوم الاستباقيّ. حزب الله قام منذ عشرين عامًا بتوزيع الأسلحة في جنوب لبنان. نعمل جاهدين على تدمير قدرات حزب الله والعمل على تحقيق كافة أهداف الحرب".
وقال مصدر أمنيّ إسرائيليّ لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "قريبًا سنشنّ هجومًا واسعًا جديدا في لبنان ونتوقع أن حزب الله سيردّ بقوّة في الشمال وقد يضرب أهدافًا في تل أبيب ونحن سنكون مستعدين للردّ لكن لا يمكن أن نطلق على ما يجري حرب لبنان الثالثة". في وقتٍ طالب فيه مجلس إقليم الجليل الأعلى، سكّان عدّة بلدات إلى البقاء قرب الملاجئ ومنع التجمهر والحركة فيها.

من جهته، قال حزب الله "قصفنا المقرّ الاحتياطيّ للفيلق الشماليّ وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية بقاعدة "عميعاد" ومجمعات الصناعات العسكرية بشركة "رفائيل" بمنطقة "زفولون" شمالي مدينة حيفا". فيما دوّت صافرات الإنذار في عدد من المستوطنات الشماليّة.

اليونيفل لموظفيها المدنيين: غادروا
ونقل مصدر مطلع أن القوّة الأمميّة الـ UNIFIL طلبت من موظفيها وعامليها المدنيين مغادرة الجنوب اللبناني مع عائلاتهم وذلك في ظلّ التطورات الأخيرة والتصعيد الخطير الحاصل عسكرياً حفاظاً على أرواحهم، مشددة على أنّ العسكريين في اليونيفيل مستمرون بشكل عادي في عملهم ومهامهم اليومية. وأضاف المصدر أنّ "التطورات الأخيرة خطيرة جداً والتصعيد الحاصل هو الأعنف منذ 8 تشرين الأول الماضي، وما يحصل اليوم دقيق وحساس جداً، ولا يسعنا سوى إعادة تكرار نداءاتنا إلى جميع الأطراف بالتهدئة وتفادي الحسابات الخاطئة التي تجرّ المنطقة ككلّ إلى وضع كارثي، والتذكير بضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي لوقف إطلاق النار وبشكل سريع".

هذا وأوردت الوكالة الوطنيّة للإعلام، أن "مكتب وزير الثقافة، القاضي محمد وسام المرتضى، تلقى اتصالا قبل قليل من شخص يتكلم اللغة العربية الفصحى بلكنة غريبة، حذر في اتصاله بوجوب مغادرة المكتب فورًا لأنه مستهدف".

ميقاتي: هي حرب إبادة
من جهته قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي أن "العدوان الإسرائيليّ المتمادي على لبنان حرب إبادة ومخطط يهدف لتدمير القرى والبلدات".
وقال ميقاتي: "هذا الموقف يجب أن يكون حافزاً للجميع ولا سيما لدول القرار للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها وتطبيق القرار الدولي الرقم 2735 الصادر عن مجلس الأمن وحلّ القضية الفلسطينية على قاعدة اعتماد حل الدولتين والسلام العادل والشامل". وأضاف "العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان حرب إبادة بكل ما للكلمة من معنى ومخطط تدميري يهدف إلى تدمير القرى والبلدات اللبنانية والقضاء على كل المساحات الخضراء". وتابع قائلاً: "في كل الاتصالات التي نقوم بها، ندعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الفاعلة إلى الوقوف مع الحق، وردع العدوان، ونجدد التزامنا بالقرار 1701 بشكل كامل ونعمل كحكومة على وقف الحرب الاسرائيلية المستجدة ونتجنب قدر المستطاع الوقوع في المجهول".

التقديرات الإسرائيليّة
في غضون ذلك، نقل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" العبرية عاموس هارئيل، اليوم الاثنين، عن مصادر عسكرية لم يسمّها، أن "الحساسية في الشمال لا تزال مرتفعة للغاية، وسيكون من الضروري مواصلة الضغط الشديد على حزب الله وربما زيادته، إذا كانت إسرائيل تسعى لإجبار المنظمة (حزب الله) على تقديم تنازلات ستؤدي إلى وقف إطلاق النار بالشروط التي تريدها". ولفت المحلل إلى تقديرات داخل الجيش بأيام قتال شديد مقبلة، على الأقل في الفترة القريبة"، وحديث مصادر عسكرية عن "محاولة لتغيير قواعد لعبة الضربات على لبنان". مع هذا ادّعى أن المسؤولين العسكريين يفضّلون حلًا سياسيًا يفضي إلى إبعاد حزب الله قواته شمالي الليطاني. ويتعلق جزء من الحسابات برأيه إلى حد كبير بعدد المدنيين الذي ستطاولهم الحرب وعواقبها من كلا الجانبين.

في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كتب محلل الشؤون العسكرية رون بن يشاي أن الطرفين على جهتي الحدود عليهما إدراك أن زمن الاحتواء قد انتهى. ويرى المحلل أنه إذا "استمر الجيش الإسرائيلي في التشديد على المبادرة والاستمرارية والسيطرة في التصعيد ضد حزب الله، وإذا تمكن الأميركيون بشكل متزامن وسري من إدارة المفاوضات الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية تكون مقبولة على للجانبين، فسيكون من الممكن إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. والاختبار الحقيقي سيكون في تنفيذ التسوية التي سيتم التوصل إليها".

واعتبر الكاتب أن كلا الجانبين والقوى الراعية لهما لا يرغبان بحرب شاملة، مضيفًا أن "هذا الاعتبار مركزي" في بيروت كما هو الحال في تل أبيب. أما في حال اتساع المواجهة العسكرية، فيعتقد بن يشاي، أن جيش الاحتلال قد يتوغّل في الأراضي اللبنانية، بطريقة مشابهة جدًا للتوغل البري في قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وحين يستقر جيش الاحتلال على خط ما، "ستوضح إسرائيل والولايات المتحدة لنصر الله أن الانسحاب من هذا الخط سيكون فقط من خلال تسوية"، بحسب الكاتب.