"المدن" في مكان الغارة: الضاحية خالية الطرقات.. متأهّبة

بتول يزبك
الأربعاء   2024/07/31
أكثر من ثمانية وستين جريحاً، خمسة منهم إصابتهم حرجة (علي علوش)

لو أن صدر الحكومة اللّبنانيّة قد ضاق قليلًا، ولو أنّها لم تشعر بالعبء الأخلاقيّ تجاه مواطنيها، لم تكن النكتة السّمجة الّتي أطلقتها أمس، مضحكةً إلى هذه الدرجة، لو تبقى لهذه الحكومة ولو مقدار ذرةٍ من ماء الوجه، لكانت صمتت قبل أربعة وعشرون ساعة بالضبط، واكتفت بتقديم شكواها الروتينيّة، ولم تدّعِ أن "الرّد الإسرائيليّ" سيتمثل بضربةٍ محدودة وستكون الضاحية الجنوبيّة والمطار بمنأى عنها.. واثقةً من تأكيدات "الجهات الدوليّة"؛ ليتمّ وبعد يومٍ واحد وحسب دحض هذا الإدعاء المشوب بالعجز والخفّة.. جاعلةً من نفسها نادرة النوادر، مؤكدةً أنها فشلت في كل شيء إلا إحراج نفسها مرارًا وتكرارًا.

اليوم، تمّ استهداف الضاحية الجنوبيّة لبيروت العاصمة، قلب الضاحية تحديدًا للمرة الثانية، قلبها المكتظ بالسكّان، أمام أعين هذه الحكومة المغلوب على أمرها. وابتلعت الضاحية لحظة الضربة سكّانها جميعًا، مرتعدةً خوفًا وتوجسًا من الحدث الجلّل الذي كان متوقعًا ومحسوبًا منذ أيام. وأدركت بغتةً، أن السّيء هو ذلك الذي شهدته الآن، المحاكاة الموجزة لحربٍ شاملة، المذبحة الإسرائيليّة المقصودة والمُخطط لها علانيّةً وبكل ما تحمله من تداعيات على واقع الميدان. أما الأسوأ والمُضنيّ أكثر، فلم يأتِ بعد، لم ينقضِ، بل هو هناك يتربص بهم، في الزمن الخطيّ الملتويّ، في المستقبل القريب جدًا. وهذا ما أدركته الضاحية وسكّانها، أدركت الرعب المُحدق بها.

الضربة الإسرائيليّة
عند نحو السّاعة السّابعة والأربعين دقيقة تقريبًا، سُمع دويّ قويّ في الضاحية وصلت تردداته إلى مختلف أرجاء العاصمة ومناطق من جبل لبنان المحاذية، وبعد دقائق قليلة، بدأت مشاهد الدمار الّتي خلفها الاستهداف الجويّ لأحد المباني في الضاحيّة الجنوبيّة في حارة حريك وتحديدًا خلف مشفى "بهمن" الخاصّ، والواقع في طريقٍ فرعيّة، تُتداول على وسائل التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام. وسرعان ما فرغت الضاحية من السيارات والسابلة، وهيمن جوّ من الهلع والترقب في محيط موقع الضربة، وسط توافد قوات الجيش والأمن اللّبنانيّ، فضلًا عن عناصر من حزب الله، وفرق الإسعاف والدفاع المدنيّ والفرق الميدانيّة التابعة لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة. وتجمهر عدد كبير من المواطنين، لمعاينة ومشاهدة آثار الدمار، وتمّ تسجيل هتافات مؤيدة للحزب ومؤكدة أن الاستهدافات لن تنال من أهالي الضاحيّة، سرعان ما فرقها المسؤولون الرسميون للحزب الذي تواجدوا في الميدان.

وجالت "المدن" في محيط موقع الاستهداف، والذي فُرض عليه طوقٌ أمنيّ ولم يُسمح للصحافة (سوى وسائل الإعلام المؤيدة للحزب) من دخوله إلّا بعد محاولات عدّة وسجالات تمّ توثيقها بين العناصر الأمنيّة التابعة للحزب وهؤلاء. وحسب المعلومات الأوليّة، فإن الاستهداف الجويّ تمثل بثلاث ضربات صاروخيّة على المبنى المأهول بالسكّان، أسفرت عن انهيار شطر واسع منه وتضرّر عدد من الطوابق لمبانٍ أخرى محاذيّة. ما أدّى إلى أضرارٍ مادية كبيرة في المبنى والمركبات المركونة بمحاذاته، ولم تُسجل سوى أضرار طفيفة في المباني القريبة، حتّى اللحظة. وتوافد بعض السكّان الذين كانوا خارج المنطقة لمعاينة الأضرار الّتي لحقت بيوتهم، مبهوتين وفي صدمةٍ بالغة.

وقد تمكنت "المدن" من الولوج إلى محيط مبنى الاستهداف المباشر والدخول إلى مدخل المبنى، الذي فُتح أمام فرق الإسعاف الّتي كانت تنقل المصابين والجرحى. وداخلية المبنى تضرّرت بشكلٍ كبير، وانتشرت شذرات الزجاج والحجارة المنهارة على امتداد أرضية السلالم والطوابق. هذا فضلًا عن تضرّر الشقّق ومفروشاتها. ولا تزال عمليات الإغاثة ورفع الركام مستمرة حتّى لحظة كتابة هذا التقرير. أما المشهد العام الضاحية، فقد فرغت طرقاتها من السكّان، وبقيت متأهبة حتّى ساعات الفجر الأولى. 

حصيلة الضربة
وصدر عن وزارة الصحّة العامّة بيان أعلنت فيه أن فرق الوزارة تابعت ميدانيًّا تداعيات العدوان الإسرائيليّ على الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت وقامت بالتنسيق مع فرق الإسعاف لجلاء المصابين بأسرع وقت ممكن إلى المستشفيات القريبة، مستشفى بهمن، مستشفى الساحل، مستشفى الرسول الاعظم، مستشفى الزهراء، مستشفى الجيعتاوي الجامعيّ، والسان جورج. وهذه المشافي فُرض عليها طوقٌ أمنيّ آخر، منع الصحافة أيضًا من الدخول لمعرفة الحصيلة الإجمالية للضحايا الموجودين فيها. وفي حصيلة أوليّة حتّى السّاعة تمّ تأكيد استشهاد مواطنة مدنية وجرح ثمانيّة وستين شخصًا مدنيًّا من بينهم خمسة إصابتهم حرجة. وتتوزع إصابات البقية بين متوسطة وطفيفة عولج معظمهم في أقسام الطوارئ وخرجوا من المستشفيات.