حزب الله ينهض.. أمين عام "ممنهج" لإعادة بناء هيكليته
وهذه ميزة قد لا تجد استساغة كافية لدى جمهور تركن عاطفته بالدرجة الأولى على الحماسة والرغبة الحقيقية في اعتماد المسار الثوري في مقاربة الأمور.
وهذا ما يدفع إلى أن تكون أعمال الشيخ قاسم وخطاباته مرهونة باللاوعي عند الجمهور بعنصر المقارنة بالسيد حسن نصرالله، وإن كان هو الشخص الذي لم يسقط في امتحان المنافسة يوماً وظل أميناً في دوره كرجل ثان في تنظيم يقوم على التسلسل والتواصل الصارم.
"رجل المواجهة الأول"
بعد شهر على استشهاد أمينه العام السيد حسن نصرالله، انتخب مجلس الشورى في حزب الله أمينه الخلف، واختار الشيخ نعيم قاسم "رجل المواجهة الأول" أميناً عاماً جديداً، "في رسالة تحد واضحة في حربه الدائرة مع إسرائيل".
بخطوته أراد حزب الله أن يواجه التحدي بمثله. اغتالت إسرائيل أمينه العالم، والقائد القدوة الذي تربطه به علاقة وجدانية امتدت لسنوات طويلة، ثم اغتالت رجلاً ثانياً كان الأقرب لخلافته وهو رئيس مجلس الشورى السيد هاشم صفي الدين، وعدداً من القادة الآخرين. فردّ بانتخاب نعيم قاسم، الرجل الذي تطارده إسرائيل وتريد اغتياله، ولم يتوان وزير أمنها في الإعلان عن ذلك لحظة الإعلان عن خبر انتخابه.
بالانتخاب، خاض حزب الله تحديه الثاني، باشر في ملء الفراغات في قيادته العليا بشكل كبير. وبعد أن ملء الشغور في المجلس العسكري وعين القيادات العسكرية، انتخب أمينه العام، على أن يستتبع الخطوة بانتخاب رئيس المجلس التنفيذي خلفاً للسيد هاشم صفي الدين وآخرين.
استوعب حزب الله الصدمة، وبدأ يعيد الاستقرار لهياكله، وهذا كان تحدياً داخلياً كبيراً بعد خساراته المتكررة. الحزب الذي شهد اغتيال نخبة من قيادات صفه الأول في غضون فترة زمنية قياسية، التفت، بموازاة خوضه حرب التصدي لإسرائيل في الجنوب، إلى بيته الداخلي لإعادة تنظيمه بقوة دفع إيرانية.
قبل حزب الله التحدي
في حسابات حزب الله أن انتخاب أمين عام جديد يلقي مظلة أمان داخل حزبه "لو ترك المنصب فارغاً لساد انطباع أن لا أمين عاماً بعد السيد، وأن الحزب غير قادر على لملمة صفوفه والنهوض مجدداً نتيجة ما ألمّ به من اغتيالات لقادته المؤسسين على يد إسرائيل".
يدرك حزب الله أن انتخاب الشيخ قاسم معناه الدفع بالرجل إلى دائرة الخطر، ولكنه قبل التحدي بالحفاظ على حياته في مواجهة تهديدات إسرائيل باغتياله، و"لو لم يعين أمينه العام لفهم الأمر على أنه نقطة ضعف وخلل إداري كبير".
تقصّد من خلال انتخاب قاسم توجيه "رسائل متعددة الاتجاهات، داخلية إلى الحزب كدلالة على تماسكه وتخطيه أزمته، وللإسرائيلي كي يقول له إن حزب الله تخطى ضرباتها وأنجز انتخاب أمينه العام".
جيل المؤسسين القدامى
"خيّب" حزب الله "آمال من راهن على نهايته بعد استشهاد السيد"، وأعلن عن "انطلاقة جديدة ملؤها التحدي بانتخاب رجل عاصر نصرالله وكان إلى جانبه، وهو يعتبر امتداداً لعهده وزمانه ومن جيل المؤسسين القدامى".
عن وجه التقارب أو الشبه بينه وبين سلفه ثمة من يقول بحزن داخل حزب الله إن "السيد نموذج لا ولن يتكرر، لا يشبه أحداً ولا يشبهه أحد. لن يأتينا قائد كالسيد لا من حيث تعلق الناس بشخصه أو لما يتمتع به من كاريزما". عُين قاسم لمرحلة "تقتضي المواجهة وتفترض وجود قادة واكبوا مسيرة الحزب وعايشوا تحدياته".
من أولى مهام الأمين العام الجديد إعادة بناء الهيكلية الجديد لحزب الله، التي تضررت بشكل كبير. وسيكون ترميم حزب الله واستنهاضه في صلب هذه المهام، وستكون فرصته لتحقيق كل ذلك وسط التحديات الجسيمة القائمة.
انتخاب لولاية كاملة
انتخابه لن يكون مؤقتاً، سيستكمل ولايته كاملة ويستمر في أداء مهامه على امتداد سنواتها الأربع. على أن نتائج عمله ستظهر تدريجياً، إن على المستوى الإداري أو الميداني. وسيكون إلى جانب آخرين سيتم تعيينهم وفق ما يفرزه الواقع من قيادات.
ما يعزز سلطة الشيخ نعيم قاسم الجديدة أنه حاجة ملحة وضرورية في وقت من أصعب الظروف التي شهدها حزب الله. وهذا الأمر ينبع من أنه يتسلم مركزاً بعد فقدان القيادة العليا للحزب من أمينه العام إلى معظم قيادته العسكرية، والامتحان الأبرز أنه أتى أميناً عاماً للحزب في زمن حرب هي الأشرس التي تشنها اسرائيل عليه وعلى بيئته وقاعدته، وتشكل خطراً حقيقياً ووجودياً على حضوره وحجم هذا الحضور.
وسيكون نجاح الأمين العام المنتخب، دافعاً قوياً في فرض حضوره التنظيمي والسياسي والاجتماعي على الحزب ومحيطه، فضلاً عن الدور الموعود الذي سيلعبه على مستوى لبنان والمنطقة، وإعادة رسم مسارات لخرائط جديدة قد تشهدها المنطقة العربية والإسلامية، وستترك أثراً كبيراً على العالم المهتم بمنطقة الشرق الاوسط.