مناورات سلامة بمعية يوسف الخليل قد تحرم الدولة أموالها

فرح منصور
الخميس   2023/04/13
يتمنّع يوسف الخليل عن منح القاضية هيلانا اسكندر إذناً لمتابعة حق الدولة اللبنانية من أموال سلامة (علي علوش)

في الثامن عشر من أيار المقبل، من المفترض أن تنعقد الجلسة الثانية من الإدعاء اللبناني على حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، والتي حدّدها قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، لإبداء موقفه من الدفوع الشكلية التي قدّمها وكلاء سلامة.

في المضمون، فسّرت الدفوع الشكلية موقف سلامة من الإدعاء اللبناني عليه. فهو ببساطة لا يريد للدولة اللبنانية حضور جلسات استجوابه الأوروبية. ومطلبه هذا، كان قد طرحه سابقاً أمام القاضي أبو سمرا. فكان صريحاً بقوله بأنه لا يريد لرئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، التي تمثل الجهة المدعية عليه أي الدولة اللبنانية، القاضية هيلانا اسكندر، مشاركتها في جلسات استجوابه الأوروبية، ولا يرغب بحضورها أي جلسة تتعلّق بملفه الدولي.

فقبل أيام من تاريخ الجلسة الأولى التي حددها القاضي أبو سمرا لرياض سلامة وشقيقه رجا سلامة وماريان الحويّك، في السادس من نيسان الجاري، قُدمت الدفوع الشكلية في مكتب أبو سمرا.

السعي لتأجيل الجلسات
يحاول سلامة إحراج اسكندر واتهامها بأنها تتحرك من دون أي إذن أو أي إشارة من وزير المالية يوسف الخليل، وأنها تجاوزت صلاحياتها القانونيّة. وحينها برّر وكيله القانوني ذلك معتبراً بأن اسكندر تدخلت في هذا الملف من دون صفة رسمية، قائلاً "هي ليست مدعية على سلامة وليست متضررة منه، فلِمَ تريد حضور جلسات الاستجواب؟". وهي محاولة لتبرئة وكيله، على اعتبار أن الدولة اللبنانية ليست متضررة من سلامة. فهو "بريء" كما يردد دائماً و"لم يختلس من أموال الدولة". وكأن القضاء الأوروبي يسعى لتشويه سمعته المهنية فقط.

والمعادلة بسيطة وواضحة، سلامة بات يعلم أن القضاء الفرنسي سيدعي عليه بعد جلسته المحددة في فرنسا في السادس عشر من أيار المقبل، والتي يسعى جاهداً للتهرب منها خوفاً من إلقاء القبض عليه. ويعلم أيضاً أن حضور القاضية اسكندر جلسات الاستجواب ومتابعة التحقيقات الأوروبية، وتعيين وزارة العدل لمحامين متطوعين في فرنسا لضمان حق الدولة اللبنانية من أموال سلامة المحتجزة في أوروبا، سيؤدي حتماً إلى حصول الدولة اللبنانية على كامل حقوقها من أمواله فور صدور الحكم النهائي من القضاء الفرنسي.

لذا، يحاول تأجيل جلسات استجوابه أمام القاضي أبو سمرا، معللاً ذلك بأن القاضية اسكندر تتدخل من دون صفة رسمية، وهو يدرك جيداً أن وزير المالية يوسف الخليل هو المسؤول الأول عن هذا الجدل القائم. ومن المتوقع أن يكون شريكه في هذه المماطلة أيضاً. فقد أفاد مرجع قضائي رفيع لـ"المدن" "أن اسكندر حاولت عدة مرات الحصول على إذن من وزير المالية لمتابعة حق الدولة اللبنانية من أموال سلامة في أوروبا، لكنها لم تحصل على أي إجابة".

وفي محاولة من سلامة لإثبات تجاوز اسكندر لوزير المالية، ورغبتها في اتخاذ الإجراءات من دون العودة إلى الجهة المسؤولة، عرض وكيل سلامة في متن الدفوع الشكلية أن القاضية حاولت اقتراح تعديل قانوني لكنه لم ينفذ بعد. قائلاً: "وكانت قد تقدمت به منذ حوالى السنتين أمام رئيس لجنة الإدارة والعدل ومجلس النواب، لتتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية من دون أخذ إذن من السلطة الإجرائية. لكن هذا الاقتراح لا يزال في أدراج اللجنة حتى الآن". 

والعارفون بتفاصيل سير الجلسات القضائية في قصور العدل، يدركون جيداً أن مماطلة ومراوغة سلامة لسير التحقيقات اللبنانية، بالتزامن مع اقتراب الوفود الأوروبية من إنهاء تحقيقاتها، سيؤدي حتماً إلى نتيجة واحدة، وهي ضياع حق الدولة اللبنانية من أموال رياض سلامة.

وبالرغم من أن الدفوع الشكلية قد تحولت إلى النيابة العامة لإبداء الرأي فيها وإعادتها إلى أبو سمرا، وبالرغم من أن وزارة العدل المتمثلة بالقاضية اسكندر كانت قد قدمت في السادس من نيسان المستندات القانونية التي شرحت فيها صفتها الرسمية في هذا الادعاء الشخصي، إلا أن القرار الأخير سيقع على أبو سمرا وحده، الذي سيقرر الموافقة على الدفوع الشكلية أو ردّها، وحينها سترجأ الجلسة مرة أخرى، وسيتمكن سلامة من استئناف القرار، لتمر بعدها الجلسة بمراحل متعددة قد تصل إلى أشهر، وهنا يمكن القول أن هذه المماطلة لن تصب في مصلحة الدولة اللبنانية أبداً.

استنابة قضائية أخرى..
من جهتها، تدرك الوفود القضائية الأوروبية أن للوقت قيمة يمكن استثمارها. لذلك تسعى جاهدة لإتمام كل الإجراءات القضائية اللازمة مع القضاء اللبنانية لمنع أي تأخير أو تأجيل لزيارتها المتوقعة في الرابع والعشرين من نيسان الجاري. فبعد وصول الاستنابات القضائية من فرنسا وبلجيكا، سارع القضاء اللوكسمبورغي إلى إرسال استنابته القضائية التي حسم فيها زيارته الرسمية إلى بيروت إلى جانب الوفود الأوروبية في الرابع والعشرين من نيسان حتى الثاني من أيار المقبل.

وحسب معلومات "المدن"، سيجري الاستماع بناءً لطلب الوفود الأوروبية إلى المشتبه بهما رجا سلامة، ماريان الحويك. وإلى مجموعة من الشهود وهم: وزير المالية يوسف الخليل، وليد نقور الذي يرأس فريق التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان المركزي عن شركة "إرنست أند يونغ"، وإلى ندى معلوف وهي مدققة من شركة "ديلويت"، وتولت هذه الشركة التدقيق في حسابات مصرف لبنان منذ عام 1994، ورجا أبو عسلي وهو مدير التنظيم والتطوير في المصرف المركزي. أما الأسماء المطروحة سابقاً فسيتم تحديد جلسات لاحقة لهم.

في النتيجة، الإجراءات القضائية الأوروبية لن تطال رياض سلامة وحده، فالتوسع بالتحقيقات سيظهر جميع الأيادي الخفية لسلامة داخل لبنان وخارجه. ومن المرجح أن تظهر تواطؤ شقيقه ومساعدته إلى جانب مجموعة كبيرة من المصرفيين. وهنا ستبقى الإشكالية الأساسية عما إن كانت الدولة اللبنانية ستحصل على ضمانة حقها من أموال سلامة أم أنها لن تناله؟