المعارضة غاضبة من "استئثار" برّي بالتفاوض.. وهوكشتاين يطمئنها

بتول يزبك
الأربعاء   2024/11/20
جبور: "لقاء جعجع - هوكشتاين، كان له دلالة واضحة على الوضعيّة الّتي تمثلها القوّات اللّبنانيّة" (ألدو أيوب)
في الوقت الذي بدا فيه رئيس مجلس النواب نبيه برّي المتصدّر الوحيد لواجهة مفاوضات وقف إطلاق النار مع الجانب الأميركيّ، وبسريّةٍ بالغة، ظهرت أصواتٌ رسميّة وسياسيّة عارضت هذا التفرّد أو "الاحتكار" للمساعي التفاوضيّة، مع إثارة تساؤلاتٍ ترتبط بمدى شرعيّة هذا الدور (دستوريًّا)، وما إذا كان من صلاحيات رئيس المجلس التّفاوض كـ"ممثلٍ عن حزب الله" من دون السّعي للتشاور مع سائر الأطراف اللّبنانيّة، بما يترافق مع ذلك من تغييب جليّ لرئاسة الحكومة ومعها مجلس النوّاب عن أدوارهما، عدا عن عدم وجود رئيس للجمهورية.

وفي خضّم هذا الانتقاد، كانت لافتةً زيارة المبعوث الرئاسيّ الأميركيّ آموس هوكشتاين، لأطرافٍ مسيحيّة أثناء زيارته الخاطفة إلى لبنان، كحزب القوّات اللّبنانيّة ورئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون، في خطوةٍ عدّها المراقبون، رسالةً أميركيّة واضحة لإعادة التأكيد على أهمية إشراك جميع القوى اللّبنانيّة وتحديدًا المعارضة في مفاوضاتٍ مصيريّة كهذه.  

أجواء لقاء جعجع– هوكشتاين
يصف رئيس جهاز الإعلام والتّواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، اللقاء الذي جمع رئيس الحزب سمير جعجع بهوكشتاين بـ"الإيجابيّ والشامل" قائلًا لـ"المدن": "في الشكل، فإن اللقاء هيمن عليه طابعان، الأوّل هو الرسميّ الذي شارك فيه الوفد المرافق لهوكشتاين، حيث أطلع الأخير جعجع على كواليس المفاوضات وقاربها بصورةٍ شاملة، وبادله جعجع برؤيته والمقترحات المطروحة من جانبه. والثاني، هو الطابع الشخصيّ والإنسانيّ الذي تجلى في استضافة هوكشتاين ومعه الوفد المرافق للعشاء". مضيفًا: "أما الملاحظ، فهو وجود إرادة واضحة لدى المجتمع الدوليّ وتحديدًا الأميركيين لإعادة صياغة دور لبنان على السّاحة الدوليّة والمحليّة، فلا يقتصر الأمر على القوى التقليديّة المتمثلة برئيس حكومة سنيّ أو رئيس مجلس شيعيّ، بل يمتد ليشمل قوى مسيحية أيضًا".

ولدى سؤاله عما تمّ بحثه خلال اللقاء، يجيب جبور قائلًا: "هوكشتاين قدّم صورة واضحة عن المفاوضات وكل ما يجري حولها، مع التركيز على النقاط العالقة في الاتفاق، وحول هذه النقاط الّتي أصبحت معروفةً إلى حدٍّ كبير، ونُشرت وتحدث عنها كثيرون. إلّا أن المشكلة الحاليّة في التفاوض ليست في البنود أو النصوص نفسها، بل في آليات التنفيذ". وأضاف: "هناك إشكالية كبيرة تتعلق بالتنفيذ والآليات المرتبطة به. ما لم يتم تطبيقه في عام 2006 من آليات يجب أن يُطبق هذه المرة في الاتفاق الجديد. ومن هنا، يعتبر الطرف الأميركيّ أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق الحكومة اللّبنانيّة والجيش اللّبنانيّ لضمان التنفيذ". ويُعلّق: "هذا يُبرز أهمية أن تتحمل الدولة اللّبنانيّة مسؤولياتها بشكلٍ كامل في إطار هذا الاتفاق، لضمان الالتزام بالنصوص وآليات التنفيذ، وتجنّب أي تدخلٍ خارجيّ قد يزيد الأمور تعقيدًا".

وعن أهميّة مثل هذا اللقاء يُشير جبور، لكون الجلسة الطويلة كان لها دلالة واضحة على الوضعيّة الّتي تمثلها القوّات اللّبنانيّة كـ"رأس حربة"، قائلًا: "لم تكن جلسة عابرة، ويُمكن أن تكون الرسالة من ورائها أن الأميركيين ينظرون أن لديهم أصدقاء في لبنان، ويُمكن نأخذ مقاربتهم ورؤيتهم للدولة". وعبّر جبور عن موقف حزب القوات بأنه انضوى على التأكيد على أهميّة عدم تكرار الأخطاء الّتي تراكمت منذ التسعينات وحتّى اليوم. أي بتطبيق كافة المعاهدات والاتفاقات كما يجب، لا كما كانت تُطبق في الماضي.

موقف معارض
وإلى الجانب لقاء هوكشتاين– جعجع، كانت لافتة البيانات واللقاءات الّتي عُقدّت في اليومين الأخيرين بين حزب القوّات اللّبنانيّة ومجموعات المعارضة، وآخرها كان مع عددٍ من النوّاب التغييرين وهم ميشال الدويهي ووضاح الصادق ومارك ضوّ، فضلًا عن بيانات حزب "الكتائب" وكتلة "تجدّد"، والّتي كان مؤداها شجب "حصر التفاوض باسم لبنان والدعوة إلى عقد جلسة عامّة في مجلس النواب، يدعو إليها رئيس المجلس نبيه بري فورًا، لمناقشة مشروع وقف إطلاق النار، والتأكيد على أن مرجعية التفاوض يجب أن تكون المؤسسات الدستورية وقرارات الشرعية الدولية".

من جهته، يشرح النائب مارك ضوّ لقاءهم بالقوّات اللّبنانيّة بأنه يأتي في سياق تكوين موقف من الذي يحصل اليوم، وتحديدًا باستئثار طرفٍ واحد بالتفاوض دون سائر الأطراف، قائلًا: "كان اللقاء بالقوّات قبل اجتماعهم بهوكشتاين، ولاحقًا تمّ إعلامنا بفحوى النقاشات الّتي جرّت في الاجتماع".

ويتفق كل من ضوّ وجبور على أن التواصل الحالي بين القوّات والمعارضة مؤداه توحيد الجهود والدفع لجعل القرار بيّد الحكومة، وهي وحدها المولجة لتوقيع أي اتفاقيّة دوليّة بظلّ غياب رئيسٍ للجمهوريّة، وانتقاد تفرّد طرف واحد بالعملية التفاوضيّة لا ينفي أن المواقف المعارضة تعتبر أن التفاوض أساسيّ والحاجة للتوصل إلى تسويّة، ملحّة في الوقت الراهن.

ويُشير جبور قائلًا: "حصر التفاوض بيّد الحزب، لم يكن مجرد صدفة بل خطوة مدروسة مرت بمرحلتين: الأولى قبل الحرب، حين أصرّ الحزب على إيصال رئيس لا يطعن ظهر المقاومة. والثانية مع اندلاع الحرب، حيث كان الهدف تجنب تكرار تجربة عام 2006 حين كان المفاوض رئيسًا له خلفية سيادية مثل فؤاد السنيورة." ويتابع تحليله: "غياب رئيس الجمهورية ليس فقط مسألة رمزية، بل أداة لتعطيل انتخاب رئيس جديد للإبقاء على المسار التفاوضيّ بيّد طرفٍ محدّد. هذا الطرف لا يريد أن يفاوض إلا وفق رؤيته، مع احتفاظه بالسيطرة على الأرض من الناحية العسكريّة، وعلى السّياسة من الناحية التفاوضيّة". ويضيف: "إلّا أن المجتمع الدوليّ يبدو أنه اتخذ قرارًا للمرة الأولى منذ أربعين عامًا بضرورة تحييد لبنان عن كونه ساحة متقدمة لإيران. حتى لو كان المفاوض من الفريق الممانع، فإن الرسالة الدوليّة واضحة: الوضع لم يعد يحتمل".

أما ولدى سؤاله عن موقفهم من بنود الاتفاق المقترح، فيشرح ضو: "ليس لدينا إشكاليّة في بنود الاتفاق، إلّا كوننا نصرّ على جعله شاملًا ونهائيًّا أوّلًا، وثانيًّا فإن نطالب بحصر السّلاح بيد السّلطات الشرعيّة دون غيرها وعلى امتداد الأراضي اللّبنانيّة وليس فقط في الجنوب، والنقطة الثالثة، هي المطالبة بضمّ تعهدات أميركيّة لصالح الدولة اللّبنانيّة، وتحديدًا بما يتعلق بتسليح الجيش اللّبنانيّ، على أن تكون ضمانة لنا بحمايتنا. نحن نريد ضمانات أميركيّة أيضًا، لكي لا يتكرّر سيناريو الاعتداء الإسرائيليّ مجدّدًا".

تغييب الأطراف اللّبنانيّة
وفي حديثه إلى "المدن" يشير النائب إبراهيم منيمنة، أنّه لم يجرِ التواصل معنا أو إشراكنا باللقاءات الّتي جمعت قوى المعارضة مؤخرًا. وبذلك لا يملك أي معلومات عن الأجواء الحاليّة بين هذه القوى. أما عن موقفه من مسودة الاتفاق فيجيب: "بصراحة، لم تصلنا أي مسودة أو ملاحظات، ولم نُبلغ بأي تفاصيل حول الشروط والبنود المتداولة. لكن دعونا نؤكد على نقطة أساسيّة: تقع مسؤولية الحكومة، بالدرجة الأولى، في إطلاع النواب ومجلس النواب على ما يجري، خصوصًا أنها حكومة تصريف أعمال. هذه الحكومة لا تملك الثقة أو الصلاحية لاتخاذ هذا النوع من الاتفاقات، وفق ما تقتضيه الديمقراطية واحترام الأدوار الدستوريّة".

ويُضيف: "اليوم، نحن لا نعترض على التفاوض، ولكن يجب أن تتم العودة إلى مجلس النواب، الذي هو مصدر الشرعية. على الرغم من أن رئيس المجلس يقود هذا المسار، إلا أن ذلك لا يمنحه الحق في اختزال دور مجلس النواب بكل تنوعه السياسي. هذه المسؤولية تقع على عاتق رئيس الحكومة أيضًا، الذي يجب أن يبادر إلى التشاور مع النواب، وإبلاغهم بضرورة عقد جلسة نقاش حول هذا الموضوع. فقرارات بهذا الحجم لا يمكن اتخاذها بشكل فرديّ".

ويختتم بالقول: "السؤال الآن: لماذا تُهمَّش المؤسسات؟ وهل يستفيد رئيس الحكومة ورئيس المجلس من غياب رئيس الجمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات للسير بهذا المسار الاحتكاريّ؟ إذا كانت هناك نية صادقة، فعلى المسؤولين العودة إلى مجلس النواب ومناقشة بنود الاتفاق بشفافية. أما بخصوص الوضع الحالي، فإنه لا توجد معلومات مؤكدة حول تفاصيل التفاوض. ومن الواضح أنه لا توجد ثقة كافية بالجانب الإسرائيلي، حيث يُظهر الإسرائيليون ميلاً للمناورة وكسب الوقت، خصوصاً مع استمرار العمليات العسكرية في الجنوب. لا توجد حتى الآن مؤشرات على جدية الإسرائيليين في الالتزام بوقف إطلاق النار. فقد شهدنا في السابق مبادرات اتفاق انتهت بالتراجع عنها من قبل إسرائيل. أنا أرى أن حزب الله في وضع لا يُحسد عليه، وعليه أن يُقر بأن هناك تنازلات ضرورية لوقف إطلاق النار في ظل الدمار المستمر والمآسي التي تحدث. أما نحن، فنؤكد على ضرورة اتخاذ موقف وطني موحد من قبل المفاوض اللبناني الرسمي لمعالجة هذا الوضع بشكل كامل".