شبح الحرب جنوباً يصعّب حل ملف اللاجئين السوريين
بينما تتصاعد المخاطر والتوترات الأمنية جنوبًا، ضمن قواعد اشتباك جديدة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلية، يتفاقم أيضًا إرباك الحكومة وتخبطها في إدارة الملفات الداخلية، ومن أبرزها ملف اللاجئين السوريين.
قبل عملية "طوفان الأقصى"، كانت السجالات السياسية تبلغ ذروتها حول هذا الملف، وتفاقمت معها المخاطر الأمنية في البلاد بين لبنانيين وسوريين، كنتيجة لخطاب التحريض والكراهية، خصوصًا مع تدفق موجة لجوء جديدة إلى لبنان عبر المعابر البرية غير الشرعية بين لبنان وسوريا.
وقبل نحو أسبوعين، وفيما كان لبنان والعالم ينكب على متابعة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومخاطر تمدد الحرب على جبهات أخرى، وعلى رأسها لبنان، توجه الوفد اللبناني برئاسة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى دمشق للبحث في ملف اللاجئين السوريين، بعد أكثر من شهر ونصف على إعادة تشكيل الوفد الوزاري.
حراك الخارجية
وحتى الآن، لم تظهر أي نتائج عملية لتلك الزيارة التي طال أمدها، والتي جاءت كخطوة شكلية فحسب برأي كثيرين. في هذا الوقت، تتواصل حركة النزوح من قرى وبلدات الجنوب بفعل اتساع رقعة الاشتباك بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما تتعاطى الدولة اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني مع احتمال نشوب الحرب بجدية، حتى بعد خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي عكس ارتياحًا على الداخل اللبناني. ذلك أن القرى الجنوبية الحدودية تعيش أشبه بحرب صغيرة، أدت لاستشهاد مدنيين مؤخرًا، إضافة إلى نزوح نحو 29 ألف شخص في لبنان جراء التصعيد في المنطقة الحدودية، حسب المنظمة الدولية للهجرة، وبينهم مئات الأسر السورية.
دبلوماسيًا، يشير مصدر في وزارة الخارجية لـ"المدن"، بأن أهم ما حققته الزيارة، هو كسر الجليد السياسي لأول مرة، خصوصًا أن الوفد كان يدرك بأنه لن يأخذ معه إلى دمشق مليوني سوري. ويفيد المصدر، بأن الوفد طلب من الجانب السوري، إلى جانب ما صدر بالبيان المشترك، مسألتين:
أولًا، السماح بإعادة الموقوفين السوريين المحكومين في لبنان بجرائم عدلية عبر لجنة رسمية.
ثانيًا، التنسيق والتعاون الأمني لسد الثغرات على طول المعابر البرية غير الشرعية، لتقليص موجات اللجوء الجديدة، والتي يتورط فيها مهربون لبنانيون وسوريون.
وأفاد المصدر بأن الاجتماع الذي حصل في دمشق مع ممثلي الأمم المتحدة، أقر بعضهم بأن سوريا آمنة في المناطق الخاضعة للنظام السورية، وهي بنسبة نحو 80%.
كما تحدث عن الموقف السوري المرحب بعودة السوريين، التي تتطلب من وجهة نظره أن يتلقوا المساعدات الأممية في سوريا بدل لبنان، وتعيد الجهات المانحة تأهيل قراهم المنكوبة، التي يقصد بها النظام ما يسميها بـ"الجهات التي دعمت الإرهاب في سوريا". غير أن تحقق هذا المطلب يبدو مستحيلًا، في ظل الرفض الدولي للمقاربة السورية وإصرار جهات دولية عديدة على اعتبار سوريا غير آمنة.
أما الآن، فكلما توترت الأوضاع الأمنية جنوبًا، وفق المصدر، ستصبح الحكومة عاجزة أكثر عن مواكبة ملف اللاجئين السوريين، "ما قد يفتح الباب إلى موجة هجرة جديدة للسوريين من لبنان نحو أوروبا".
مواكبات وزارية
حسب معلومات "المدن"، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبعد زيارة الوفد الوزاري لدمشق، أوعز بتسليم كل وزير ملفًا مستقلًا للاجئين السوريين حسب تخصصه. فمثلًا، جرى تسليم وزير الدفاع موريس سليم ملف المطلوبين للخدمة العسكرية في دمشق. وزير الداخلية بسام المولوي ملف الأوضاع القانونية للسوريين بالتنسيق مع البلديات. وزير المهجرين عصام شرف الدين ملف التنسيق في متابعة قوافل العودة في حال إطلاقها مجددًا. ومدير الأمن العام بالإنابة الياس البيسري مع أمين عام مجلس الدفاع الأعلى محمد مصطفى، ملف موجة اللجوء الجديدة عبر المعابر البرية غير الشرعية، إلخ.
غير أن متابعة هؤلاء الوزراء لملف اللجوء السوري وفق تخصصهم، يحوله إلى الكثير من الفوضى والعقبات. ليس بسبب عدم وجود قاعدة بيانات موحدة ورسمية وحسب. بل أيضًا نتيجة المعوقات اللوجستية وعدم القدرة على التتبع بصورة كاملة، ناهيك عن نقص حاد في الموارد البشرية والتقنية لدى الجهات الوزارية الموكلة بهذه المهمات.
التدفق شبه متوقف
في حين، تقول مصادر عدة لـ"المدن" من المناطق الحدودية البرية بين لبنان وسوريا، ولا سيما في وادي خالد شمالًا، بأن موجة تدفق اللاجئين السوريين عبر المعابر البرية غير الشرعية تكاد تنعدم في هذه الأيام، إلا بحالات نادرة، وتحديدًا بعد الحرب على غزة. ذلك أن تصاعد مخاطر التدهور الأمني في لبنان، دفعت السوريين إلى تخفيض وتيرة اللجوء إلى لبنان. في حين، ينكب وادي خالد مثلًا، بشريحة واسعة من عائلاته وعشائره، على دعوة أهالي الجنوب للجوء إليهم إذا ما اتسعت رقعة الاشتباكات.
وبعدما أعلنت الحكومة عن "خطة الطوارئ الوطنية"، التي وضعتها هدفاً لحماية المواطنين من تداعيات عدوان إسرائيلي واسع ومحتمل، تتضمن الخطة أيضًا مقاربة 3 فئات سكانية أخرى بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصة لدعم هذه الفئات، وهي: اللاجئون الفلسطينيون مع الأونروا، اللاجئون السوريون مع مفوضية اللاجئين، والعمال الأجانب مع منظمة الأمم المتحدة للهجرة.
وفيما يرى خبراء أن الخطة لم تأت على ذكر آليات واضحة لتنفيذ بنودها، وكيفية توفير التمويل اللازم لها، سواء من الخزينة أو من المنظمات الدولية، سبق أن أفادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين السوريين بوجود نحو 59 ألفاً و159 لاجئًا سوريًا في الجنوب مسجلين لديها. بينما التقديرات ترجح أضعاف هذا العدد، لأن المفوضية توقفت عن تسجيل اللاجئين منذ 2015.
فماذا تقول المفوضية؟
في هذا الإطار، تقول الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، دلال حرب، في حديث لـ"المدن"، أن المفوضية وبالتنسيق الكامل مع الحكومة اللبنانية، ومع وكالات الأمم المتحدة، تدعم اللاجئين السوريين في جنوب لبنان بمواد الإغاثة الأساسية، بما في ذلك الفرش والبطانيات، "حيث تم وضع خطط الطوارئ الخاصة بالمفوضية والوكالة مستعدة لدعم احتياجات النازحين". كما تقدم المفوضية الدعم بالتنسيق مع اتحاد بلديات صور.
منذ بداية الأزمة، وحسب حرب، تقدم المفوضية أيضًا الدعم النفسي والاجتماعي عبر الإنترنت للاجئين اللبنانيين والسوريين المعنيين جنوبًا. كما دعمت المفوضية تقسيم وترميم الجامعة الألمانية اللبنانية في صور، للمساعدة في ضمان خصوصية العائلات النازحة داخليًا التي تقيم في هذا الملجأ الجماعي (حوالى 210 أفراد حتى الآن).
توزيًا، تعود حرب إلى البيانات (داتا اللاجئين) التي سبق أن وافقت على تسليمها للحكومة اللبنانية، وتقول: "بناءً على تعاوننا الطويل الأمد، توصلت المفوضية والحكومة اللبنانية إلى اتفاق بشأن تبادل البيانات في 8 آب 2023، وتتوافق هذه الاتفاقية مع الحماية الدولية والمعايير العالمية لحماية البيانات. وقد قدمت المفوضية مؤخرًا مقترحًا إلى الحكومة لنقل البيانات تنفيذًا لاتفاق 8 آب".
وتؤكد على أن نقل البيانات يقع ضمن معايير حماية البيانات الدولية والخصوصية التي يتعين على المفوضية الالتزام بها، ووفقًا للاتفاقية الموقعة بين المفوضية والحكومة اللبنانية. وبموجبها، "التزمت الحكومة اللبنانية باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية والتزاماتها بموجب القانون الدولي والمحلي والتقاسم مع أطراف ثالثة".
أما على مستوى ترحيل اللاجئين السوريين، فتشير حرب إلى أنه خلال الأشهر الماضية، وخصوصًا في نيسان، "لاحظنا اتجاهًا متزايدًا في المداهمات التي تحدث في المجتمعات السورية. كما تلقت المفوضية تقارير عن احتجاز سوريين ثم ترحيلهم بعد ذلك، ومنهم اللاجئون المعروفون والمسجلون لدى المفوضية".
وتؤكد حرب على أن المفوضية تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية. و"حيثما أمكن، تقوم المفوضية بالمتابعة مع أفراد عائلات الأفراد المتضررين والمبعدين العائدين، لتقديم استشارات الحماية وأي دعم مطلوب. وقد أثارت المفوضية هذه القضية مع السلطات وستواصل القيام بذلك. وتواصل المفوضية مراقبة هذا الوضع بنشاط".
وتضيف: "نظرًا للعقبات المتزايدة التي تحول دون الوصول إلى الأمان، يضطر اللاجئون وطالبو اللجوء وغيرهم من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية في كثير من الأحيان إلى استخدام المهربين كوسيلة وحيدة للفرار من الاضطهاد والصراع والعنف. وهذا يزيد من وضعهم الضعيف للغاية بالفعل".