معتقلو صيدا في المستشفى يروون لـ"المدن": تعذيب وصعق كهربائي
يتسابق لبنان مع نظائره من الدول العربية ليصبح جزءاً من الأنظمة البوليسية، التي تمارس القمع الوحشي لضمان استمرار هيمنتها على السلطة والمجتمع، عبر الاعتقال التعسُّفي، وما يتبعه من وسائل تعذيب وتنكيل بالمعتقلين السياسيين، ولنشر الرعب بين المشاركين بالتحركات الشعبية.
لجنة المحامين والمماطلة العسكرية
منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 تشرين الأول في لبنان، ونحن نسمع عن اعتقالات طالت المتظاهرين، الذين يُزج بهم في غرف التحقيق، ويتم استخدام أبشع أساليب التعذيب بحقهم. وقد وثقت شهادات وتقارير طبية عديدة، وتم تقديم العديد من الدعاوى للقضاء من قبل لجنة المحاميين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان.. إلا أن جلّ ما قُدم للقضاء اللبناني لم يؤخذ بشكل جدي، ليمنع الأجهزة الأمنية من الاستمرار باستخدام الأسلوب القمعي البوليسي مع معتقلي الثورة.
نهار الجمعة أُفرج عن عدد من المعتقلين، على خلفية الأحداث الأخيرة في صيدا. وقد بلّغ أحدُهم المحامين عن ما يتعرض له المعتقلون، الذين استمر حجزهم حتى مساء السبت، ما دفع لجنة المحامين إلى التحرك، تحت إشراف نقيبهم ملحم خلف، الذي توجه للقاضي بيتر جرمانوس للمطالبة بالسماح للمحامية لمى الأمين بمقابلة المعتقلين.
في حديثه لـ"المدن"، أشار المحامي مازن حطيط المتابع لقضية المعتقلين: "رغم قرار القاضي جرمانوس بالسماح للمحامية بمقابلة المعتقلين، إلا أنه بدا وكأن عناصر جهاز المخابرات تمردوا على قراره، وأجبروا المحامية على الانتظار لمدة ساعتين، مع محاولة إنكار احتجاز الشبان في فرعهم". وبعد طول انتظار، دخلت المحامية لمى الأمين إلى مبنى الشرطة العسكرية (بعد أن تم نقلهم إليها)، وكانوا في حالة يرثى لها، لما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل لمدة أربعة أيام. وبعد إصرار لجنة المحامين على إطلاق سراح المعتقلين لحاجاتهم للعناية الصحية، حدث أطلق سراح ستة منهم ( بينهم القاصر محمد عصفور) وبقي الشاب سليم عدلوني قيد الاعتقال. وبسبب سوء حالتهم الجسدية، تم نقل المعتقلين علاء عنتر ومحمد سمور إلى المستشفى.
شهادات المعتقلين
وتحدّث الشبّان المفرج عنهم عن تعرّضهم للضرب. وأشاروا إلى أن الاعتداء عليهم، من قبل فرع المخابرات، بدأ منذ اللحظات الأولى للاعتقال وقبل وصولهم إلى ثكنة زغيب. علاء عنتر، أحد الشبان الذين أفرج عنهم والموجودين في مستشفى صيدا الحكومي لتلقي العلاج، تم اعتقاله بتاريخ 29 نيسان، قرب مبنى بلدية صيدا. ويروي علاء لـ"المدن" ما تعرض له من ضرب وتعذيب، فيقول "بدأوا بضربي بعد اعتقالي مباشرة داخل شاحنة الجيش، ثم توجهوا بنا إلى ثكنة زغيب. هناك تفننوا بتعذيبنا. تارةً استخدموا "النبريش" وتارة أخرى قبضاتهم. أحد العسكريين بلّل جواربنا ثم صعقنا بالكهرباء. كنا معصوبي العينين، مكبلي الأيادي. ضربونا بوحشية، وأهانونا بشتى الوسائل". وأكد أنه أجبر على الاعتراف بأسماء لا يعرف أصحابها تحت التعذيب. لكنه نسفها بإفادته جديدة التي قدمها بحضور المحامية لمى الأمين في مقر الشرطة العسكرية.
إلى جانبه في المستشفى، يستلقي محمد سمور، الذي الذي ساءت حالته بعد خروجه من المستشفى، بسبب الصعق الكهربائي. وقال لـ"المدن" أن عناصر المخابرات أجبروهم على توقيع تعهد بعدم المشاركة بالتحركات الشعبية، تحت طائلة الاعتقال مجدداً. كما تم تحذيرهم من البوح عن ما تعرضوا له داخل فرع مخابرات الجيش وتم تهديدهم. وأضاف علاء أنه طلب مراراً من العناصر بالسماح له بممارسة حقه القانوني في التواصل مع محام. وكان الجواب على مر أربعة أيام بـ"ممنوع! انقلع لتحت".
تهرّب الأطباء الشرعيين!
من جهته، أكد المحامي مازن حطيط في حديثه لـ"المدن"، أنهم سيتابعون القضية، لأن الأجهزة تمادت هذه المرة بأساليبها "بحسب افادات المفرج عنهم، التي تحدثت عن استخدام الصعق الكهربائي". وأنهم بانتظار الحصول على تقرير الطب الشرعي. لكن حتى الآن لم يوافق أي طبيب على القيام بذلك: "مما يثير الشكوك حول ما إذا كان هؤلاء الاطباء يتعرضون للضغط من قبل السلطات. أحد الأطباء أجابني أنه قد يأتي بعد أسبوع. فهل سيأتي بعد أن تشفى جراحهم؟". وأكد أن الأولوية الآن لاستعادة عافية الشبان. وبعد ذلك، سيحركون الدعوى التي ستنضم إلى دعاوى أخرى تم تأجيلها من قبل القضاء بحجة كورونا.
هل ينفع التذكير؟
يذكر أن لبنان قد صدَّق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في العام 2000، وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بها في العام 2008. وفي أحدث مراجعة أجرتها لجنة مناهضة التعذيب في العام 2017، حثَّت اللجنة لبنان على اتخاذ الخطوات الضرورية لتفعيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب.. ما يجرم أي من الأساليب المعتمدة لتعذيب المعتقلين. وطالبت لجنة الدفاع عن المتظاهرين من النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة العسكرية ووزارة الدفاع ومديرية المخابرات وسائر سلطات الاحتجاز، بوقف أعمال التعذيب والمعاملة المهينة لجميع الموقوفين، وفتح تحقيقات جدية بهذه الجرائم والمخالفات، تمهيدًا لمحاسبة المرتكبين، وإعلان نتائجها للرأي العام ضمانًا للشفافية والمصداقية. كما طالبت بوقف أعمال الإخفاء القسري لجميع الموقوفين، وتنفيذ ضمانات المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية كاملة، وفور احتجاز المشتبه فيهم. والسماح لهم بإجراء اتصال ومقابلة محام، لا سيما لدى مديرية مخابرات الجيش في وزارة الدفاع وفروع المخابرات كافة. واجراء معاينة الطبيب الشرعي فوراً، وبأسرع وقت ممكن للموقوفين الذين تعرضوا للتعذيب.