"العفو الدولية": لبنان يضطهد مجتمع المثليين ويضغط على اللاجئين
أصدرت منظمة العفو الدولية، "أمنستي"، تقريرها السنوي، الذي استعرض حال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2018. وتطرق، في نظرة عامة، إلى عدد من الملفات الرئيسية، كحال حقوق المرأة، والنزاعات المسلحة، وتجارة الأسلحة الدولية، وملفي النازحين واللاجئين، والعدالة الانتقالية والمحاسبة، في 19 دولة في المنطقة.
ممارسات تعسفية
لبنانيًا، أشار التقرير أن الشرطة اللبنانية استمرت في "مضايقة وإساءة معاملة أفراد مجتمع المثليين، ولا سيما في مجتمعات اللاجئين والمهاجرين"، واستخدم القضاء اللبناني المادة 534 من قانون العقوبات التي تجرّم "المجامعة خلافًا للطبيعة" لاضطهاد أفراد هذا المجتمع، كما أشار التقرير إلى ممارسات عديدة قامت بها السلطات اللبنانية كحظر تجمعات ونشاطات النشطاء والمنظمات التي تدعم حقوق المثليين. ورغم أن التقرير أشار في نهاية حديثه عن حقوق مجتمع المثليين في لبنان، إلى أن محكمة الاستئناف قضت في تموز من عام 2018 أن "ممارسة الجنس بين أشخاص من الجنس ذاته بالتراضي لا يعتبر جريمة جنائية"، إلا أنه لم يتطرق للحديث عن أي تغيير في سياسة الحكومة في هذا الملف.
أما في ملف اللاجئين السوريين، فتحدث التقرير عن عمليات عودة اللاجئين "إما بصورة عفوية أو ضمن مجموعات نظمها الأمن العام اللبناني". أشارت ديانا سمعان، المسؤولة عن الملف السوري في منظمة العفو الدولية، في كلمتها أن عودة اللاجئين "تبدو طوعية إلى حد ما، فالحكومة لا تجبر اللاجئين على تسجيل أسمائهم للعودة أو الصعود إلى الحافلات، لكن الحقيقة أن العديد من اللاجئين قرروا العودة بسبب الظروف الإنسانية القاسية، ونقص التمويل، بالإضافة لسياسات الحكومة اللبنانية غير العادلة، والتوتر السياسي في البلد". كما وثق التقرير الصعوبات المالية والإدارية، التي تواجه اللاجئين السوريين، في الحصول على تصاريح الإقامة أو تجديدها، ما عرّضهم لخطر الاعتقال التعسفي والاحتجاز والإعادة القسرية إلى سوريا بشكل مستمر. سمعان وصفت عودة اللاجئين بأنها "خطوة سابقة لأوانها، ولا تستوفي معايير السلامة والكرامة، بأي شكل من الأشكال"، لأسباب عديدة أبرزها "غياب أي إصلاحات في قطاع الأمن المتورط في جرائم ضد الإنسانية".
قضية مفقودي الحرب
رغم إشادة المنظمة بالقانون الذي أقره البرلمان اللبناني في تشرين الثاني الماضي، بإنشاء لجنة وطنية للتحقيق في مصير آلاف الأشخاص الذين فُقدوا أو اختفوا قسرًا، إبان النزاع المسلح بين عامي 1975 و1990 في لبنان، إلا أن الباحثة في الشؤون اللبنانية في المنظمة، سحر مندور، أبدت قلقها حيال تطبيق هذا القانون، واعتبرت أن "الدولة اللبنانية لديها سوابق في إصدار قوانين ومراسيم تحت الضغط المحلي والدولي، ثم الاعتكاف عن تطبيقها، من خلال عدم إصدار مراسيم وقرارات تنفيذيه له". وهو ما دفعها لمطالبة الحكومة اللبنانية بإنشاء "الهيئة الوطنية للكشف عن مصير مفقودي لبنان".
التقرير لم يغفل قضية الفنان زياد عيتاني، وأشار إليها في سياق الحديث عن ملف التعذيب في لبنان. ونقل عن عيتاني شهادة قاسية للتعذيب الذي تعرض له، أثناء احتجازه، بما في ذلك تهديده بإيذاء أفراد عائلته. وانتقد التقرير السلطات اللبنانية، التي لم تتخذ أي إجراء للتحقيق في هذه الادعاءات. كما انتقد التقرير انتهاكات حرية التعبير التي يتعرض لها الناشطون السلميون والمدافعون عن حقوق الإنسان في لبنان، بالإضافة للتطرق لملفات أخرى في عموم المنطقة، كحرية المرأة والعدالة الدولية والحق في السكن والإعدام الميداني.
الخاشقجي
عربيًا، حازت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على الكثير من الاهتمام، في تقرير المنظمة ومؤتمرها الصحافي، حين اعتبرت أن هذه الحادثة أشعلت شرارة غضب عالمي غير مسبوق، لمطالبة السلطات السعودية بالتحقيق فيها. بل وحفّزت الحادثة دولًا عديدة مثل الدنمارك وفنلندا على اتخاذ إجراءات نادرة بتعليق عمليات تزويد السعودية بالأسلحة. لكن التقرير انتقد غياب هكذا موقف عن الدول الرئيسية الحليفة للسعودية، كالولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا. كما انتقد التقرير تقاعس المجتمع الدولي ككل عن تحقيق العدالة في هذه القضية.
أيضًا ذكر التقرير، أن السعودية قامت باعتقال ومحاكمة العديد من منتقدي الحكومة والأكاديميين والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، واعتبر التقرير أنه بالإمكان القول اليوم "إن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان تقريبًا في المملكة باتوا خلف القضبان، أو أُرغموا على الفرار من البلاد"، ومن دون إغفال الدور السعودي في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
سجل سوريا وإيران
في سوريا، كان لافتًا انتقاد التقرير لجميع أطراف النزاع، بما في ذلك الدول الداعمة للأطراف المتنازعة، فانتقد فصائل المعارضة المدعومة تركيًا، في شمال سوريا، واعتبر أنها "ألحقت أضرار بالغة بالمدنيين في مناطق كعفرين والباب وجرابلس". وانتقد القوات التركية، التي كانت صامتة إزاء هذه الانتهاكات. وبطبيعة الحال، لم يغفل التقرير السجل الطويل من الانتهاكات لقوات النظام والميليشيات الحليفة لها، والقوات الروسية الداعمة لها، كما انتقد تعطيل كل من روسيا والصين المتكرر لقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بسوريا.
أما إيران، فالتقرير وصف عام 2018 فيها، بأنه "عام العار". مذّكرًا أن السلطات اعتقلت الآلاف من المحتجين والطلبة والصحافيين والعمال والمدافعين عن حقوق الإنسان. وكانت هذه الاعتقالات تعسفية في العديد من الأحيان، وقال التقرير إن "المدافعات عن حقوق المرأة المحتجات ضد ارتداء الحجاب الإلزامي، دفعن ثمنًا باهظًا بسبب نشاطهن السلمي".
"إن التهاون المخيف الذي يبديه المجتمع الدولي جرّأ الحكومات على اقتراف انتهاكات فظيعة. إذ استمرت بشنّ حملات قمع بلا هوادة، لسحق المعارضة والمحتجين والمجتمع المدني، وغالباً بدعم غير معلن من حلفاء أقوياء". هكذا قالت منظمة العفو الدولية، ملخصة موقف المجتمع الدولي إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.