مقتل القاعدي أبو محمد الفلسطيني: هذه قصته
مرةً جديدة يبعث مناصرو تنظيم القاعدة الفرع السوري برسالة مفادها أنَّ لبنان ليس أرض جهاد، إنما هو مصنفٌ أرض نصرة إلى موعدٍ ليس قريباً.
مُبايعٌ آخر سار على طريق الموت في سبيل قضية يعتبرها مركزيةً في ترجمة "الجهاد في سبيل الله"، ويسجّل اسمه في عداد "الشهداء المهاجرين".
من الدعوة ثمَّ المبايعة مروراً بالتدريب العسكري وصولاً إلى الهجرة والقتال في جغرافيا الصراع القائم بين هيئة تحرير الشام ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، سلك الشيخ إبراهيم خزعل المعروف بأبي محمد الفلسطيني هذا المسار إلى أن قُتِل في الساحل السوري، وتحديداً في تلة الكبانة بريف اللاذقية جرّاء رصاصةٍ صادرةٍ من قناصةٍ يستعملها الجيش السوري لصدِّ الهجوم الذي تقوم به المجموعات المسلحة التابعة لجبهة فتح الشام، أو ما يُعرف بجبهة النصرة سابقاً.
بدأ الشيخ إبراهيم حياته داعيةً إسلاميةً، من وادي الزينة الواقعة في إقليم الخروب. وكان لا يخجل بتأييد منهج الحركات الجهادية في سوريا خلال إعطائه الدروس الدينية من بابٍ يعتبره من ضرورات نشر تعاليم الشرع المتعلقة بنصرة المسلمين ضد الطواغيت في كل مكان. كما كان يدعو من يتتلمذُ عنده إلى الجهاد على قاعدة كلٌ بحسب استطاعته.
ورغم تأكيده لكل من يسأله عن المشروع الجهادي في لبنان أنَّ الأرضية غير مهيئة لانتقاص عناصر التمكين في هذا البلد المتنوع، أتُهِم بمساعدة كتائب عبدالله عزام في تفجير السفارة الإيرانية في 19 تشرين الثاني 2013 لينتقل من صفة صاحب دعوة إلى "الجهاد" إلى طريدٍ ثمينٍ مصنفٍ بالإرهاب وهدفٍ على لائحة أولويات استخبارات الجيش اللبناني.
أعتُقلَ ابنه الشاب محمد خزعل بتهمة الانتماء إلى جبهة النصرة للضغط عليه، لكنّه لم يسلّم نفسه بل توارى إلى أن دخل خلسةً مخيم عين الحلوة ليُفرج عن نجله فيما بعد.
منذ ثلاث سنوات أصبح أبو محمد في عداد اللاجئين إلى مخيم عاصمة الشتات في صيدا. ثمَّ استظلَّ أمير كتائب عبدالله عزام توفيق طٰه المطلوب الأول في قضية تفجيري سفارة إيران وقضايا استهداف الكيان الإسرائيلي من الحدود اللبنانية الفلسطينية.
امتهن بيع الحلويات كمصدرٍ للعيش، إلى جانب استئنافه رسالته الدعوية في أوساط الشباب المتحمسّين للفكر "الجهادي"، ليصبح علماً من أعلام تجمّع الشباب المسلم داخل المخيّم.
اشتُهِر برفضه إشعال المعارك بين الفلسطينيين في المجتمع الضيّق. لكنه دافع في المعركة الأخيرة بشراسة عمّا اعتبره "الشباب المسلم" محاولة لتصفيتهم وإنهاء حالتهم إلى الأبد داخل المخيم. فقاتل في أحياء الطيري والرأس الأحمر إلى جانب إخوانه في "الفكر السلفي الجهادي" في الثامن من نيسان 2017، ليُزجَّ اسمه للمرة الأولى منذ دخوله المخيم في معارك الزواريب وقد عبَّر عن ذلك بأنَّه قتال أُكرِه على القيام به من باب يُدعى في قاموسه "دفع الصائل".
وبعد الدمار الهائل الذي هجّر مئات الفلسطينيين، أيَّد أبو محمد الخروج من مخيّم عين الحلوة إلى إدلب رغم فشل الصفقة التي أرادتها جبهة فتح الشام مع الدولة اللبنانية أثناء معارك جرود عرسال في آب 2017.
وفعلاً، استطاع الرجل الخروج من المخيم في تشرين الأول 2017، بعدما كلّفه الأمر بيع سلاحه الشخصي (مسدس وكلاشنيكوف)، إلى محافظة إدلب السورية بعد الرحلة السرية المتقطّعة التي نفذها عددٌ من الشباب المؤيدين للقتال ضد نظام بشار الأسد، ووصلوا جميعاً إلى الأرض السورية للانضمام إلى كنف ممثلي تنظيم أسامة بن لادن واللقاء بهم للمرة الأولى وجهاً لوجه بعدما جمعتهم "العقيدة" عن بُعد.
التقى أبو محمد الفلسطيني أمير الجبهة أبا مالك الشامي "التلّي"، وعدداً من قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام ونال إعجابها. وهو إعجابٌ منحه سلطةً من القيادة المركزية تُرجِمت بتشكيل سرية غرباء فلسطين التي ضمَّت بلال بدر ونحو 10 فلسطينيين من عين الحلوة، إضافةً إلى فلسطينيين من الأردن وسوريا.
وعقب التشكيل، استطاعت السرية حجز مكان لها في هيئة تحرير الشام بعدما نجحت في اقتحام منطقة تابعة للنظام السوري في كانون الثاني 2018.
وفي صبيحة الثلاثاء في 27 شباط 2018، وبعدما خطب القائد الميدانيُّ للسرية في مجموعته القتالية التي ترأس مسيرها نحو تلة الكبانة في ريف اللاذقية لقي مصرعه من جراء رصاصات صادرة من قنّاصة الجيش السوري لتنهي حياته على أرض سوريا. تلك الأرض التي دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعداءه إلى القتال فيها بهدف تجنيب لبنان الصراع الذي اشتعل فتيله في المرحلة السابقة من دمشق إلى بيروت.