كأن السوريين يكفرون بآلهة اللبنانيين
ليس هيناً على اللبنانيين، بعضهم أو أغلبهم، أن يتظاهر أحد، غريب أو من أبناء البلد نفسه، ضد الجيش. وهذا ما بدا واضحاً في اليومين الماضيين. وهذا حقهم. فهم، لأسباب كثيرة، لا يملكون ما يفاخرون به غيره. أقله، هو الثابت. وليس مهماً فهم أسباب هذا التفاخر. لكنه، مبرر عندهم بالموت، أي بالتضحيات التي يقدمها أفراد هذا الجيش، وهم جرحى وقتلى، في المعارك. وهذا ما تعززه أطر غير مؤسساتية، كالظهور المفاجئ، في مشهد التظاهر، لـ"أهالي الشهداء"، وسعيهم إلى تنظيم تظاهرة بالتزامن مع تظاهرة دعا إليها سوريون في بيروت. أو اللجوء إلى عدة الشرف والتضحية والوفاء.
قال سوريون كلاماً مؤذياً. وقال لبنانيون كلاماً مؤذياً. الآن، وقبل ذلك. وهو كلام، من الطرفين، مدفوع برغبة القتل غير مكتملة العناصر. وهذا كره عادي، في الصراعات المعلنة أو المبطنة، تصدره آلهة لا تخطئ، ولا تحاكم، مثل "الجيش" و"الثورة". ومحاولة السوريين، الذين دعوا إلى التظاهر، تجنب الجيش بتوجيه التحرك ضد العنصرية، لم يفد كثيراً. أقله، لم يصدقه الطرف الذي يواجههم، كأنه يحمل هماً شخصياً وعائلياً. وفي الأساس، نعرف نحن، الذين نقف مع التظاهرة أو ضدها، أن الجيش نفسه يمارس هذه العنصرية.
لكن، لماذا يبدو التظاهر ضد الجيش محرماً، والتشكيك في روايته لما جرى في عرسال، قبل أسابيع، ممنوعاً؟
نقول إنها الهوية الوطنية. والجيش، في الرواية الرسمية، ركنها الوحدوي. وهذه البداهة، تحل كثيراً من المشكلات، إذا التزم واحدنا بها. لكن سياقاً مغايراً، كحضور سوريين بيننا، يغير كل شيء. كأن السوريين يواجهون الجيش. ولا يحسد هؤلاء على ما وضعوا فيه. إنهم، لسبب وآخر، يواجهون آلهة شعب آخر. بل أحد أكبر آلهته.
ما لا يفيد، الآن وحتى مساء الثلاثاء، في 18 تموز، وهو موعد التظاهرتين المفترضتين، أن نقول إن التظاهر ضد الجيش عادي. وأنها تحصل في كل البلاد، التي تتيح للمقيمين فيها حق التعبير عن أرائهم. ولا القول إن سوريين قتلوا، في عرسال، بسبب التعذيب. وأن التحقيق والمحاسبة واجبان. هذه بديهيات، لا يجب أن تُقال. اللبنانيون، بعضهم أو أغلبهم، يحبّون الجيش. ولا حاجة لهم بجروح جديدة، تكشف ما لا يحبون سماعه. هذه هي الشعوب، التي تحب المسايرة.
لكن، ماذا يمكن للسوريين، في لبنان وخارجه، أن يفعلوا؟