عندما جاء الحريري من المريخ
يقال إن نزول رئيس الحكومة سعد الحريري إلى المتظاهرين في ساحة رياض الصلح، الأحد في 19 آذار، كان تصرفاً حضارياً. وهؤلاء، الذين تبنوا هذا الرأي على اختلاف مواقعهم، يقولون ما يجب أن يقال لو أن الحريري جاء لتوه من كوكب المريخ، الذي لا صلة لنا به ولا نعرف عنه شيئاً. أي نزعه، عند محاولة فهم خطوته هذه، من سيرته. كأنه ولد في اللحظة نفسها.
والحريري نفسه، في سياقات تفعيل دوره في المجال السياسي المحلي، لا يبدو بعيداً من سياسات النزع هذه. فهو، عند اغتيال والده، في العام 2005، كان رجلاً مفجوعاً تحول عند توليه منصباً رفيعاً كرئيس للحكومة، وانتخابه نائباً، إلى سياسي شاب يعرف ما يريده الشباب. وفي غيبته، عن البلاد، وعوداته السابقة قصيرة الزمن، تحول إلى ضحية استهداف.. وإلى آخره. وهو الآن، في هذه اللحظة الهزلية من سيرته السياسية، يخاطب مباشرة، بجسده الحي، من يعارضه. إنه موقف حضاري طبعاً.
لكن الحريري يبقى الحريري. أي خلاصة ذاك التراكم الهائل- والمستمر- من السياسات الإقتصادية والاجتماعية السيئة، التي وُرثت إليه، برضاه في الغالب، من والده بكل مصالحها الضيقة والنفعية. وهو عند نزوله، رئيس حكومة وشاباً ومتفهماً، إلى متظاهري رياض الصلح، لم يكن غير ذلك، مع قليل من التحايل. تماماً، كما لو أنه يخلع بذلته في خطاب في ذكرى 14 آذار، في مشهد قيل حينها إنه موجه إلى الشباب. وهو تحايل لن يصدقه إلا من لا يرى في الحريري غير صوره الانتمائية، أو أولئك الذين يحبون الاستعراض. وهذا مزاج لا شأن لنا به.
على أن تلقي خطوة الحريري، التي ألحقت بدعوة منه إلى النقاش، لا يفترض أن يُحمّل سلبية سيرته. وهذا موقف "تفاوضي" يفترض بالمحتجين أنفسهم تقريره، إن كانوا واحداً في الأصل. مع ذلك، لا يمكن تجاهل خفة الحريري وخطوته. فاللجوء إلى سماع الناس وسؤالهم عن مطالبهم، هذه المرة، بدا مضحكاً ومستغرباً، خصوصاً أن الأيام الماضية، وتحديداً منذ جلستي الأربعاء والخميس النيابيتين، حملت سخطاً واسعاً ضد ما أقر من ضرائب. والمسألة، كما يجب أن يُقال، لا تحتاج إلى شرح أو نقاش، بل إلى ميل غير استعراضي فحسب.
والحريري نفسه، في سياقات تفعيل دوره في المجال السياسي المحلي، لا يبدو بعيداً من سياسات النزع هذه. فهو، عند اغتيال والده، في العام 2005، كان رجلاً مفجوعاً تحول عند توليه منصباً رفيعاً كرئيس للحكومة، وانتخابه نائباً، إلى سياسي شاب يعرف ما يريده الشباب. وفي غيبته، عن البلاد، وعوداته السابقة قصيرة الزمن، تحول إلى ضحية استهداف.. وإلى آخره. وهو الآن، في هذه اللحظة الهزلية من سيرته السياسية، يخاطب مباشرة، بجسده الحي، من يعارضه. إنه موقف حضاري طبعاً.
لكن الحريري يبقى الحريري. أي خلاصة ذاك التراكم الهائل- والمستمر- من السياسات الإقتصادية والاجتماعية السيئة، التي وُرثت إليه، برضاه في الغالب، من والده بكل مصالحها الضيقة والنفعية. وهو عند نزوله، رئيس حكومة وشاباً ومتفهماً، إلى متظاهري رياض الصلح، لم يكن غير ذلك، مع قليل من التحايل. تماماً، كما لو أنه يخلع بذلته في خطاب في ذكرى 14 آذار، في مشهد قيل حينها إنه موجه إلى الشباب. وهو تحايل لن يصدقه إلا من لا يرى في الحريري غير صوره الانتمائية، أو أولئك الذين يحبون الاستعراض. وهذا مزاج لا شأن لنا به.
على أن تلقي خطوة الحريري، التي ألحقت بدعوة منه إلى النقاش، لا يفترض أن يُحمّل سلبية سيرته. وهذا موقف "تفاوضي" يفترض بالمحتجين أنفسهم تقريره، إن كانوا واحداً في الأصل. مع ذلك، لا يمكن تجاهل خفة الحريري وخطوته. فاللجوء إلى سماع الناس وسؤالهم عن مطالبهم، هذه المرة، بدا مضحكاً ومستغرباً، خصوصاً أن الأيام الماضية، وتحديداً منذ جلستي الأربعاء والخميس النيابيتين، حملت سخطاً واسعاً ضد ما أقر من ضرائب. والمسألة، كما يجب أن يُقال، لا تحتاج إلى شرح أو نقاش، بل إلى ميل غير استعراضي فحسب.