نصرالله يسقط فتوى خامنئي
ما إن كشف المعارض الايراني علي رضا جعفرزاده عام 2002 عن البرنامج النووي الايراني حتى بدأ اللوبي الايراني السياسي والاعلامي الحديث عن فتوى أصدرها المرشد على خامنئي تحرم إمتلاك السلاح الذري. لم تنشر هذه الفتوى يوماً. قيل إنها فتوى شفهية، وحين عرضت ايران ايداعها الامم المتحدة كوثيقة، تبين أنها ستودع نصاً عن الفتوى وليس الفتوى نفسها!
مع ذلك إستثمرت طهران بنجاح “حدوتة” الفتوى واستخدمتها كواقٍ اخلاقي وقيمي في معركتها النووية. وقال عنها الرئيس الايراني حسن روحاني إنها «أكثر أهمية بالنسبة إلينا من بنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والبروتوكول الملحق بها». حتى إدارة إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما وقعت في حبائلها فصار الرجل يكرر الحديث عن الفتوى كمؤمن متحمس إلتزم المذهب الجعفري الإثني عشري للتو!
هيمنت “الحدوتة”، وغيبت وقائع مهمة وصلبة توضح الكثير حول طموحات ايران النووية. من ذلك ما كشفه قبل أشهر الرئيس الايراني الأسبق هاشمي رفسنجاني ونقلته وكالة الأنباء الإيرانية عن أن إيران “فكرت في السعي لامتلاك القدرة على الردع النووي حين بدأت برنامجها النووي في الثمانينيات خلال الحرب مع العراق”.
صحيح ان رفسنجاني يتحدث عن حقبة سبقت الفتوى المزعومة، لكن مجرد تفكير ايران في امتلاك السلاح النووي، يعطي فكرة عن “البراغماتية الفقهية” لنظام الملالي، ويضع فتوى خامنئي، إن صح وجودها، في إطار الدعاية السياسية، او التقاطع بين السياسي والديني بالحد الأدنى!
المفارقة أن تعرية الفتوى جاءت من حيث لا يحتسب أحد! ففي خطاب له قبل ايام قال أمين عام حزب الله حسن نصرالله، إن "الصهاينة يخشون في أي حرب مقبلة من أن تستهدف المقاومة حاويات الغاز في حيفا ما يؤدي لمقتل وإصابة 800 ألف إسرائيلي، ويعتقدون ان الضرر يعادل ما تحدثه قنبلة نووية”.
لم تخفِ الصياغة الذكية للموقف هذا والتي تحيل الى ما يعتقده الاسرائيلي وما يفكر فيه، وليس ما ينويه حزب الله ويضمره، لم تخفِ، المقصد العسكري الاستراتيجي والذي يقول: لدينا سلاح نووي ومستعدون لإستخدامه!
موقف كالموقف الذي اعلنه نصرالله، لا يدخل فقط في سياق دعاية الردع او التعبئة. إذ لا قيمة لموقفه، الاول من نوعه حيال اسرائيل، ان كان ملتزماً فتوى خامنئي المزعومة والتي تنطبق على السلاح النووي أو ما يوازيه على ما افترض! فهو إما يعلن تنصله من الفتوى وحيثياتها او يشير ضمناً الى أن الفتوى غير موجودة او غير ملزمة.
الى ذلك، إنطوى الكشف النووي على سقطة سياسية وأخلاقية مريعة، حين بدا ان نصرالله مستعد لقتل 800 الف اسرائيلي، معظمهم من المدنيين بالتأكيد، من دون ان يقيم اي اعتبار لا لصورة المقاومة ولا لاخلاقية معركتها، لكن الاخطر هو انه شرّع لاسرائيل في المقابل ذبح المدنيين اللبنانيين بمقاييس مماثلة، وهم الذين لا تزال تحميهم نسبياً مندرجات تفاهم نيسان 1996 التي تلزم اسرائيل وحزب الله بـ “عدم كون المدنيين هدفاً للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات”.
نصرالله لن يضرب ما هدد بضربه على الارجح. ايران الوليدة بعد الاتفاق النووي تخوض معركة مختلفة عنوانها ادارة الحروب الاهلية في دول العرب! لكن فداحة الادعاء التي ظهرت في الخطاب، اصابت نصرالله واصابت المقاومة، واصابت خامنئي، بإشعاعات، “خطاب الأمونيا”، وعرضت لبنان واللبنانيين لخطر لم يسبق له مثيل.