الصواريخ الإيرانية لروسيا تستفز الغرب
وليست شحنة صواريخ "فتح- 360" الباليستية الإيرانية، التي أعلن البنتاغون في 11 الجاري عن وصولها إلى روسيا، هي السبب الرئيسي للاشتباك الدائر منذ أيام بين روسيا وإيران من جهة، والغرب من جهة أخرى. فقد أضيف إليها النقاش المحتدم في الغرب الآن بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى. وكان من المتوقع أن يساهم انكشاف أمر هذه الصفقة في حسم مصير هذا النقاش لصالح أوكرانيا. إلا أن القمة الأميركية- البريطانية التي عقدت منذ أيام في واشنطن، بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي، أظهرت أن الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، لا يزال يضع القرار في خانة الأمور التكتيكية. ففي طريقه إلى واشنطن لعقد القمة، وعد رئيس الوزراء البريطاني بحسم القرار لصالح أوكرانيا. إلا أنه خرج من لقاء القمة من دون أن يتطرق أمام الصحافيين إلى الأمر، وقال بأن الاجتماع تناول بحث المسائل الاستراتيجية، وليس التكتيكية.
رد فعل كل من إيران وروسيا على افتضاح نبأ صفقة الصواريخ، لم يكن واحداً في تشدده بنفي النبأ. فقد نشر موقع الخدمة الروسية في إذاعة "صوت أميركا" في 14 الجاري نصاً نقل فيه عن وزير الخارجية الإيراني تصريحه للإعلام الإيراني، بأن طهران منفتحة على الدبلوماسية لحل الخلافات، لكن ليس "بالضغوط والتهديد". وجاء تصريح الوزير الإيراني بعد إعلان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا فرض عقوبات جديدة على شركة الطيران الإيرانية الرسمية، لمساهمتها المفترضة في نقل الصواريخ إلى روسيا. وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد صرح بأن الاتحاد يعتبر العقوبات على قطاع الطيران الإيراني رداً على أنباء تسليم طهران لروسيا صواريخ باليستية لدعم حربها ضد أوكرانيا.
ونقل الموقع عن الوزير لإيراني نفيه قبل ذلك لصفقة الصواريخ البالستية، وتأكيده بأن العقوبات الأميركية الأوروبية الجديدة "لن تحل أي مشكلة".
موقع الأعمال الروسي Vedomosty نقل في 9 الجاري نفيه للنبأ الذي كانت قد نشرته الصحيفة الأميركية The Wall Street Journal في 6 الجاري عن تسليم إيران لروسيا صواريخ بالستية، لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا. ونقلت عن الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف تأكيد إطلاعه على ما نشرته الصحيفة الأميركية، وتعليقه على ذلك بالقول إنه ليس في كل مرة تتطابق مثل هذه المعلومات مع الواقع. وأكد بيسكوف على أهمية الشراكة مع إيران، مشيراً إلى أن البلدين يطوران العلاقات التجارية- الاقتصادية، ويتعاونان في كافة الحقول المتاحة، بما فيها "الأكثر حساسية".
كما نقل الموقع عن ممثلية إيران الدائمة في الأمم المتحدة قولها إن موقف إيران من النزاع في أوكرانيا ثابت لا يتغير، وتمتنع عن تقديم المساعدة لأي من الطرفين، وتدعو البلدان الأخرى لعدم مدى أي منهما بالسلاح.
ويضيف الموقع بأن السلطات الروسية والإيرانية سبق أن نفت أكثر من مرة مثل هذه الأنباء. ونقل عن بيسكوف قوله إنه، خلال "العملية العسكرية الخاصة"، يتم استخدام "معدات روسية بأسماء روسية". ووصف الأنباء الصحافية عن تزويد روسيا بالمسيّرات الإيرانية بأنها "حشو". ونقل الموقع عن وزارة الخارجية الإيرانية إعلانها بأن إيران لم تزود روسيا بالطائرات المسيّرة والسلاح خلال الصراع في أوكرانيا.
صحيفة الكرملين vz نشرت في 15 الجاري نصاً عنونته بالقول "ما حاجة الولايات المتحدة للسردية المزيفة بشأن تزويد روسيا بالصواريخ الإيرانية". استهلت الصحيفة نصها بالقول إن إحدى الفضائح السياسية الرئيسية في الأسبوع الماضي، كانت الاتهامات التي وجهتها الولايات إلى كل من روسيا وإيران. وتقول طهران إن جميع الأدلة على شحنات الصواريخ الباليستية الإيرانية لروسيا "تعتمد فقط على صور الأقمار الصناعية". ويتسابق الآن االخبراء والساسة الغربيون، وخصوصاً أنتوني بلينكين، على الزعم بأن إيران تزود روسيا بالصواريخ الباليستية. ويؤكدون في الولايات المتحدة أن عقد إمدادات الصواريخ جرى التوقيع عليه السنة الماضية، وأمضى الاختصاصيون الروس فصل الصيف في التدرب على هذا السلاح، الذي بدأت شحناته تصل إلى روسيا الآن.
قالت الصحيفة إن هذه المعلومة نفتها كل من طهران وموسكو، ونقلت عن وزير الخارجية الإيراني تصريحه بأن "إيران لم ترسل صواريخ بالستية إلى روسيا. ونقطة على السطر". كما نقلت عن الخارجية الروسية تصريحها أن التعاون العسكري التقني بين إيران وروسيا لا يتضمن ما يخالف القانون الدولي.
ونقلت الصحيفة عن السفارة الإيرانية في بريطانيا قولها بأن الصحافة الغربية هي أكثر الجهات التي تتاجر بهذه الادعاءات. ونقلت عن صحيفة Sky News استنادها إلى صورة للأقمار الصناعية، لتؤكد على مد إيران لروسيا بالصواريخ، من دون ذكر أي براهين على عمليات التحميل والتفريغ.
وبعد أن تتساءل الصحيفة عن حاجة الأميركيين لتسويق سردية الصواريخ البالستية الإيرانية لروسيا، نقلت عن رئيس مركز دراسة الصراعات العسكرية والسياسية Andrey Klintsevich قوله بأن هذه السردية يحتاجها الغرب للسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ ATACMS لقصف العمق الروسي، والتغطية على مشاركته الفعلية في الحرب الأوكرانية.
كما نقلت الصحيفة عن البوليتولوغ في الشؤون الدولية Elena Suponina قولها بأن لعبة معقدة تدور الآن من أجل استمالة الشرق والمنافسة والحصول على الاستثمارات الحرة المتوفرة فيه. وفي هذه اللعبة لا يستهين الأميركيون وشركاؤهم بشيء، بما في ذلك نشر الأخبار المزيفة حول توريد الصواريخ الإيرانية إلى روسيا.
وكالة الأنباء الأوكرانية unian نقلت في 11 الجاري عن موقع Forbes الأميركي قوله بأن روسيا قد تندم كثيراً على تلقيها الصواريخ من إيران. وقال الموقع إن روسيا تسلمت في الأول من أيلول/ سبتمبر الدفعة الأولى من صواريخ "فتح ـــ 360" الإيرانية المكونة من 200 صاروخ، من أجل تعزيز عمليات قصف المواقع الأوكرانية. ورأى أن هذه الإمدادات قد تنقلب ضد روسيا، لأنها قد تؤدي إلى تغييرات جدية في حملة الضربات الأوكرانية على روسيا. وقال بأن صفقة الصواريخ قد تشكل النقطة الأخيرة في كأس حلفاء أوكرانيا الذين لم يسمحوا حتى الآن للأوكرانيين بقصف الأهداف الروسية بأفضل الأسلحة الأميركية والأوروبية. ومع ظهور الصواريخ الإيرانية في روسيا، برزت إشارات إلى أن الوضع قد يتغير بشأن هذا السماح.
توقفت الوكالة الأوكرانية عند مواصفات صاروخ "فتح ـــ 360" التقنية ومداه الذي يصل إلى حوالى 120 كلم، ورأت أنه من المفيد استخدامه في مقدمة الجبهة، أو لقصف المدن القريبة منها. وتقلت عن البوليتولوغ الأوكراني Alexander Kovalenko توقعه بأن تستخدم روسيا هذا الصاروخ لإرهاب المناطق المحاذية للجبهة، وخصوصاً خاركوف وسومسكايا. ونفى في الوقت عينه ان يتمتع الصاروخ بتأثير فعال على مؤخرة جبهة الحرب.
وتعود الوكالة الأوكرانية لتنقل عن موقع Forbes رأيه بأن مواصفات "فتح ـــ 360" التقنية لا تقول بأنه "السلاح المعجزة". وإذا أخذنا بالاعتبار بأن روسيا تطلق على المدن الاوكرانية ما متوسطه 300 صاروخاً في الشهر، تبدو الدفعة الأولى من 200 صاروخ ضئيلة جداً لكي تحدث تغييراً جدياً في مسار الحرب.