وحدة الساحات: زواج مدبّر
لافت ما ورد في كلمة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أمام مجلس الشورى، عن جهده المرتقب لبناء شرعية دولية لمحور المقاومة. وفقاً لمنطق عراقجي، المحور بات أحد أهم عناصر القوة الإيرانية، ويتطلب دعماً من خلال العمل على بناء شرعية دولية للاعبيه أو فصائله، كي "يتحلوا بطابع رسمي ويحظوا بدعم دولي". هذا الجهد الإيراني سيترافق مع دبلوماسية اقتصادية في الدول الحاضنة للمحور، أي العراق وسوريا ولبنان، وهي "بلدان تكتسي بأهمية لأمننا القومي (الإيراني)"، ويجب بالتالي تعزيز العلاقات الاقتصادية معها.
هذان الشقان في كلام عراقجي متكاملان، أي مرتبطان. أن تكون للمحور شرعية دولية مستقلة عن الدول الراعية لها (العراق وسوريا ولبنان)، بالتزامن مع تعزيز العلاقات الاقتصادية بين طهران وهذه الدول.
الشق الثاني ليس جديداً، إذ اعتدنا في لبنان على خطابات تحوي وعوداً بهِبات إيرانية ومساعدات تقنية لا ترى النور غالباً، ربما لأن الشروط غير واقعية، وربما هي جزء من أسلوب البيع والتسويق. إيران لديها أزمة في توفير الطاقة، علاوة على أن قطاعاتها الإنتاجية غير تنافسية ومعظمها صُمّم بدعم حكومي لزيادة عدد الوظائف، أكان في إنتاج السيارات أو الصناعات الثقيلة. كذلك ليست إيران في وارد توزيع نفطها مجاناً، وهذا اختبرناه في عز الأزمة المالية والاقتصادية بلبنان.
والشق الأول أيضاً غرائبي. هل ستكون لدى فصائل عراقية ولبنانية وسورية شرعية دولية؟ كيف لإيران المساعدة في ذلك؟
غالبية الدول الصديقة لمحور الممانعة على ارتباط بهذه الفصائل، مثل روسيا، وإلى حد أقل الصين التي استضافت اجتماع مصالحة فلسطينياً تمثلت فيه "حماس". بالإمكان طبعاً توسيع هذا التمثيل، أي أن يكون مثلاً هناك ممثل للمحور في دول صديقة مثل فنزويلا وروسيا والصين وربما حتى جنوب افريقيا. هذا مُحتمل، لكنه لا يُمثّل تحولاً استراتيجياً.
هناك من يرى في كلام عراقجي محاولة لإرضاء المحافظين، من مرشح إصلاحي، وليس كلاماً جدياً. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن الكلام لم يأت من عدم، بل بُني على محاولات قائمة من "المؤسسات الثورية" للنظام الإيراني (أي تلك الخاضعة لولاية الفقيه)، وخصوصاً "الحرس الثوري". موقع وزير الخارجية في إيران يتطلب محاولات حثيثة لإيجاد دور وخلق مساحة بين الشقين، بين الثوري غير المنتخب بقيادة ولي الفقيه والحرس، وبين منصبه. وهذا واقع ينسحب على وزارات خارجية كثيرة في بلداننا، حيث يلعب قادة أجهزة المخابرات أدواراً دبلوماسية (مصر مثالاً). لهذا علينا التدقيق أكثر في كلام عراقجي وخلفياته.
ربما أراد عراقجي في حديثه عن شرعية دولية للمحور، مخاطبة جهد قائم. ذاك أن الحرس دأب في إدارته فصائل المقاومة، على تعزيز العلاقة بين أطرافها، كمثل الحوثيين والفصائل العراقية. لحزب الله مثلاً، منذ سنوات عديدة، ممثل في العراق، يلعب دوراً أشبه بالسفارة هناك. ما نراه يتشكل بين لبنان والعراق وسوريا، أشبه بعالم دبلوماسي موازٍ لذلك الدولتي أو الرسمي: مكاتب تمثيل وعلاقات اقتصادية-استثمارية وتعاون أمني وتحالف وتنسيق عسكري. هذا محور يتمأسس أو يتطور مؤسساتياً.
ومن علامات مأسسة المحور، اجتماع قادته بإدارة إيرانية، مثلما حصل على هامش تشييع الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في طهران في أيار/مايو الماضي، أو في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في البوكمال.
صار مسؤولو الحرس يتحدثون علناً عن احتسابهم فصائل المحور ضمن قواتهم المسلحة لدى الحديث عن رد على إسرائيل وغيرها. ولو جمعنا بين هذه التصريحات العلنية عن دور المحور وأهميته، وبين التنسيق المتزايد بين الفصائل على الأرض ومأسسته، لوجدنا أنفسنا أمام استراتيجية لإعادة تشكيل الإقليم بعد سنوات من الحروب الأهلية وتلاشي قدرات الدولة الرسمية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
حين تنتهي هذه الحرب وتنفض الغبار عنها، سيبقى "المحور"، بإجتماعاته ومؤسساته التنسيقية ووحدة ساحاته، ككيان يحوي الأمن وقرارات الحرب والسلم وبعض الدبلوماسية، وربما جزءاً من الاقتصاد أيضاً، كمثل زواج مدبر بائس ينشأ بيننا بلا استفتاءات ولا نقاش عام ولا من يحزنون. إنها ستارة الحرب ووحدة فوهات المدافع التي علينا أن ننتظر لاكتشاف تحولاتها المحجوبة عنّا.
هذان الشقان في كلام عراقجي متكاملان، أي مرتبطان. أن تكون للمحور شرعية دولية مستقلة عن الدول الراعية لها (العراق وسوريا ولبنان)، بالتزامن مع تعزيز العلاقات الاقتصادية بين طهران وهذه الدول.
الشق الثاني ليس جديداً، إذ اعتدنا في لبنان على خطابات تحوي وعوداً بهِبات إيرانية ومساعدات تقنية لا ترى النور غالباً، ربما لأن الشروط غير واقعية، وربما هي جزء من أسلوب البيع والتسويق. إيران لديها أزمة في توفير الطاقة، علاوة على أن قطاعاتها الإنتاجية غير تنافسية ومعظمها صُمّم بدعم حكومي لزيادة عدد الوظائف، أكان في إنتاج السيارات أو الصناعات الثقيلة. كذلك ليست إيران في وارد توزيع نفطها مجاناً، وهذا اختبرناه في عز الأزمة المالية والاقتصادية بلبنان.
والشق الأول أيضاً غرائبي. هل ستكون لدى فصائل عراقية ولبنانية وسورية شرعية دولية؟ كيف لإيران المساعدة في ذلك؟
غالبية الدول الصديقة لمحور الممانعة على ارتباط بهذه الفصائل، مثل روسيا، وإلى حد أقل الصين التي استضافت اجتماع مصالحة فلسطينياً تمثلت فيه "حماس". بالإمكان طبعاً توسيع هذا التمثيل، أي أن يكون مثلاً هناك ممثل للمحور في دول صديقة مثل فنزويلا وروسيا والصين وربما حتى جنوب افريقيا. هذا مُحتمل، لكنه لا يُمثّل تحولاً استراتيجياً.
هناك من يرى في كلام عراقجي محاولة لإرضاء المحافظين، من مرشح إصلاحي، وليس كلاماً جدياً. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن الكلام لم يأت من عدم، بل بُني على محاولات قائمة من "المؤسسات الثورية" للنظام الإيراني (أي تلك الخاضعة لولاية الفقيه)، وخصوصاً "الحرس الثوري". موقع وزير الخارجية في إيران يتطلب محاولات حثيثة لإيجاد دور وخلق مساحة بين الشقين، بين الثوري غير المنتخب بقيادة ولي الفقيه والحرس، وبين منصبه. وهذا واقع ينسحب على وزارات خارجية كثيرة في بلداننا، حيث يلعب قادة أجهزة المخابرات أدواراً دبلوماسية (مصر مثالاً). لهذا علينا التدقيق أكثر في كلام عراقجي وخلفياته.
ربما أراد عراقجي في حديثه عن شرعية دولية للمحور، مخاطبة جهد قائم. ذاك أن الحرس دأب في إدارته فصائل المقاومة، على تعزيز العلاقة بين أطرافها، كمثل الحوثيين والفصائل العراقية. لحزب الله مثلاً، منذ سنوات عديدة، ممثل في العراق، يلعب دوراً أشبه بالسفارة هناك. ما نراه يتشكل بين لبنان والعراق وسوريا، أشبه بعالم دبلوماسي موازٍ لذلك الدولتي أو الرسمي: مكاتب تمثيل وعلاقات اقتصادية-استثمارية وتعاون أمني وتحالف وتنسيق عسكري. هذا محور يتمأسس أو يتطور مؤسساتياً.
ومن علامات مأسسة المحور، اجتماع قادته بإدارة إيرانية، مثلما حصل على هامش تشييع الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في طهران في أيار/مايو الماضي، أو في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في البوكمال.
صار مسؤولو الحرس يتحدثون علناً عن احتسابهم فصائل المحور ضمن قواتهم المسلحة لدى الحديث عن رد على إسرائيل وغيرها. ولو جمعنا بين هذه التصريحات العلنية عن دور المحور وأهميته، وبين التنسيق المتزايد بين الفصائل على الأرض ومأسسته، لوجدنا أنفسنا أمام استراتيجية لإعادة تشكيل الإقليم بعد سنوات من الحروب الأهلية وتلاشي قدرات الدولة الرسمية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
حين تنتهي هذه الحرب وتنفض الغبار عنها، سيبقى "المحور"، بإجتماعاته ومؤسساته التنسيقية ووحدة ساحاته، ككيان يحوي الأمن وقرارات الحرب والسلم وبعض الدبلوماسية، وربما جزءاً من الاقتصاد أيضاً، كمثل زواج مدبر بائس ينشأ بيننا بلا استفتاءات ولا نقاش عام ولا من يحزنون. إنها ستارة الحرب ووحدة فوهات المدافع التي علينا أن ننتظر لاكتشاف تحولاتها المحجوبة عنّا.